jo24_banner
jo24_banner

صورة العالم العربي/ 1

د. احمد نوفل
جو 24 : ينظر المرء في المرآة إذا أراد أن يخرج من بيته لمواجهة العالم. فيرتب شعره إن كان مشعثاً، ويعدل ربطته إن كانت مائلة وهكذا. فالمرء ينظر في صورته ليعدل. ونحن في حياتنا لا يخلو بيت من مرآة. بل لا تخلو غرفة من مرآة. وبعض الناس يبالغون في المرايا فيجعلون صالات كلها مرايا، هذا العقيد الحقيد الفقيد ليرى نفسه في كل الاتجاهات، ويرى نفسه يملأ المكان والزمان..
على كل حال ما عن هذا نتكلم. وإنما نريد أن ننظر في صورة العالم العربي في مرآة العقل والنقد والتقويم والتسوية ونسأل بعد أنفسنا: هل هذه الصورة تليق أن نخرج بها إلى العالم وننزل بها إلى الناس، ونواجه بها الدنيا، ويرانا الخلق عليها؟
ومن المسؤول عن هذه الصورة إن كانت غير لائقة؟ في العادة يحمّل الرجال المسؤولية للنساء إن كانت بعض الملابس غير مكوية وغير لائقة.. وفي حالتنا من يتحمل مسؤولية ما نحن فيه من مآس؟ وقبل أن نتكلم عن الصورة الكلية دعونا ننظر في تفاصيل الصورة ونراها جزءاً جزءاً بادئين من قدرتنا على التعايش وقبول كل منا للآخر المماثل له في الأصول والمذهب والمغاير له في تلك المسائل.

2- نظرة في قدرتنا على التعايش وقبول بعضنا.
إن واحداً من أهم معايير التحضر والتمدن هو القدرة على التعايش في سلام اجتماعي ومجتمعي. وإن حضارة التمييز والتفريق على الأصل والعرق واللون والمذهب تكون قد بذرت بذور اندثارها وذهاب ريحها بيدها، وغذتها بماء التعصب فأصبح المجتمع الواحد أو الأمة الواحدة جزراً تتباعد يوماً بعد يوم، وأحياء مغلقة، والتوجس يملأ نفوس الكل من الكل. وهذا ينطبق على البيت والأسرة التي تميز فقد أذنت بتفككها، وزرعت بيدها بذور الحقد والكراهية والعداوة، فإن انتقلتَ إلى الدائرة الأوسع: المجتمع فالثمرة والنتيجة واحدة، فإن وسعت إلى حدود الوطن والبلد والدولة فالقانون نفسه، فإذا توسعت إلى آفاق الحضارة فالناموس واحد. نحن في النهاية إنسانية واحدة عليها أن تتعايش «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» ومن نظر إلى أحوال مجتمعاتنا وجد أن القدرة على التعايش تراجعت بل تدهورت وخذ العراق نموذجاً. فالعراق أعراق: العرب والكرد والتركمان وبعض من أصول فارسية والأرمن والسريان وغير ذلك.. وكان كل هذا النسيج حتى في أيام الاستعمار متعايشاً مؤتلفاً متواداً متعاوناً، تقاليده واحدة، وعاداته واحدة، وعيشه واحد. والعراق من حيث المذاهب والأديان: غالبيته مسلمون سنة (العرب والكرد) وثلثه شيعة يتركزون في الجنوب، فأتت بهم ثورة قاسم الشيوعي العلماني الشيعي إلى بغداد وأنشأ لهم حي الثورة. ولم يكن أحد يلتفت إلى هذا أو يجعله في حسابه فوقعت مصاهرات بلا عدد بين السنة والشيعة..
لكن تحت السطح كانت تيارات تعمل في اتجاه آخر سواء من هؤلاء أو هؤلاء، فظهر التدين المتشنج المتعصب (وهم يحسبون أنهم متمسكون) فبدأ التحريض وبدأ التصنيف وأحييت مصطلحات استخرجت من بطون التاريخ والكتب مثل: «النواصب» عن السنة أي من ناصبوا آل البيت العداء، وهو كذب وزور و»الروافض» أي من رفضوا إمامة الصديق وهكذا بدأ التخندق والفرز والاصطفاف الذي انتهى إلى الاقتتال والتفاني، أي أن يفني طرف طرفاً. وهذا المجال بعينه، ولكنه موهن قوانا جميعاً مذهب ريحنا بأجمعنا، مطمع فينا عدونا. ودعك الآن من التفاصح والتلاوم والتذاكي، وادعاء الوعي الزائف.. عمر المذهب الشيعي الآن أكثر من ألف وثلثمئة سنة فهل تريد أن تشطب وجوداً عمره من عمر الإسلام ذاته –تقريباً-؟ التعايش هو القدر المشترك. مجرم من غذى روح التعصب والطائفية والتخندق والتحزّب والفصام والخصام والانقسام. فلتكن ما تكون. ولكن دعنا نعش معا. وهل اليهود عرق واحد؟! ومذهب ديني واحد؟ وكيف وربنا يقول «وقلوبهم شتى» «وقطّعناهم..» لكنهم تغلبوا على عوامل الفرقة وغلّبوا عامل الالتقاء والمصلحة والوحدة.. ولو على أقل مشترك. ونحن قطعنا الحبال والخيوط ولو على ألف مشترك!
التدين المغلوط نتائجه مدمرة. والعيب يستحيل أن يكون في الدين ومنهج رب العالمين. وإنما في العقل المتعاطي مع الدين، وهذا العقل المغلوط هو المعيب! ألم يكفر هذا العقل باقي المسلمين من غير الشيعة؟ ألم تغز طوائف منهم الأردن بدعوى العقيدة وأن أهل هذا البلد قبوريون مشركون؟ ونترك هذا الآن. وفي العراق أثوريون (بالثاء) نصارى أو مسيحيون (لا فرق) لهم قراهم وأحياؤهم ولهم كنائسهم، عاشوا معنا وعشنا معهم منذ فتح العراق قبل ألف وأربعمئة وعشرين سنة بالضبط! كانت تتسع لهم الصدور ورقعة الوطن ومساحة العيش ودور العبادة لا يمسون ولا تمس! وفجأة بمجيء التدين المغلوط تفجر كنائسهم بأي دعوى؟ بأي حجة؟
يا أمة قال كتابها «لكم دينكم ولي دين» لا يعقل ولا يقبل ولا يشرع ما أنتم فيه من مهزلة! لكنها مهزلة دامية! ومهزلة تشوه أول ما تشوه أجمل صورة في الكون، صورة هذا الدين الجميل العظيم. ألا من عاقل؟! ألا بصير يبصر هؤلاء!؟ هل أنتم أغير على الدين من عمر أمير المؤمنين إلى يوم الدين! ألم يترك للمسيحيين كنائسهم؟ أأعيد بديهيات ما تعرفون من رفضه الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يقول قائل غداً هنا صلى عمر فيأخذون الكنيسة أو يقتطعون قطعة منها مكان ما صلى عمر، رضوان الله عليه.
لقد هاجر من العراق مئات آلاف العراقيين المسيحيين. وهذه وصمة عار بحقنا نحن المسلمين لا وسام شرف ولا إكليل غار. فهذا يعني أننا بدأنا نضيق ذرعاً بمن يخالفنا وهذا ليس من ديننا. بل وسعناهم وسنسعهم إلى يوم الدين. هذا هو الدين. وما يروج الآن بالبترودولار تدين متشنج متعصب منغلق ضد روح الدين بل ضد الدين نفسه مباشرة. والدليل أننا في الأزمات نجد الاصطفاف في جانب أو إلى جانب غير أهل الدين! فدلّونا يا أهل الدين أهكذا يكون الدين؟! لا والذي أنزل الدين ليكون سعة ورحمة للعالمين!
وفي العراق –للعلم- قرابة الربع إلى نصف مليون من عبدة الشيطان أو من يسمعون اليزيديين أو الصابئيين (لا علاقة لهم بمن ذكرهم القرآن «والصابئين» فذاك شيء آخر وأولئك ملة غير ملة هؤلاء فهم الذين اتبعوا الدين الصحيح كما كانت قريش تقول عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم صبأوا عن دين الآباء..!).
فهل نبيد هؤلاء يا عقلاء بأفران الغاز كما فعل هتلر مع مخالفيه ليس اليهود فحسب لكن العالم لا يركز نظره إلا على اليهود؟ هل نفعلها؟ بالطبع لا. وليس معنى هذا أنّا نقر عبادة الشيطان. معاذ الله. هذا شيء وإبادة الناس شيء آخر فلا نخلط. هؤلاء لهم منّا الدعوة لا الإبادة. والبشر قال عنهم الله: «ولا يزالون مختلفين» وقال: «إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» يونس93 والجاثية17 «فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» البقرة113 «فالله يحكم بينكم يوم القيامة» النساء141 «الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون» الحج56 «إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون» الزمر3
ولقد حكم العراق رؤساء وزارات من الكرد ومن العرب ومن الشيعة والسنة بالطبع واستوزر فيها من كل هؤلاء، وما عرف الناس هذه المذبحة المفتوحة والدماء النازفة كل يوم، إلا بعد «تحرير» العراق من قيمه. وببركة احتلال الأمريكان لبلد عربي مسلم بتمويل عربي «إسلامي»! ولقد بلغ قتلى العراق منذ الحروب الشيطانية إلى الآن أكثر من مليوني قتيل، كثير منهم من عامة الناس نعم، لكن لا أقل من مليون منهم من الشباب والجنود والكوادر العلمية والفنية والتقنية.. فأي عمى ضرب العرب وضرب العراقيين حتى فتحوا على أنفسهم أبواب الجحيم؟!
والحديث في هذا الموضوع موصول.
(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news