الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/1
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- تشخيص مرض الواقع المريض.
في الاستطباب والاستشفاء يبحث أولاً عن تحديد العلة أو المرض، ثم يبحث في تاريخ المرض، ثم تجرى الفحوص والتحليلات وأخذ العينات والصور، ثم يشخص العلاج ويحدد الدواء أو تجرى الجراحة. وما أشبه حال الأمم بالأشخاص والأفراد.
ولا يختلف اثنان أن واقعنا مريض رديء عليل سقيم عديم الفعالية. بعد هذا ربما يختلف تفصيل التشخيص ويختلف توصيف الدواء وتحديد العلاج أو الجراحة.
والأهل يلاحظون مرض ولدهم من قلة نشاطه أو قلة طعامه أو صفرة وجهه أو حرارته أو ما شابه من أعراض. هذا التشخيص البدائي لا يغني عن فحص المختص. وكذلك ملاحظة واقعنا والتشخيص من خلال بعض المظاهر من قلة الفعالية وعدم التقدم وعدم الاكتفاء الذاتي لا من الماء ولا من الغذاء ولا من شيء من الأشياء.. ولكن هذا كله ملاحظات مبدئية ظاهرية لا تغني عن دراسات المختصين أو المتخصصين والباحثين والمشخصين للعلة والمرض في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية والتعليمية والإنتاجية.. إلى آخر المنظومة. هذا التشخيص من قبل أهل الاختصاص الأمناء المخلصين الذين لا يراءون ولا يداهنون هو بداية وصف العلاج.
2- الواقع السياسي.
ربما يكون أسوأ ما في جسم الأمة وأكثرها اعتلالاً واختلالاً.. الواقع السياسي.. ولعله يكون منبع باقي الشرور ونقاط الضعف والوهن والاهتراء والتفكك..
ورأس الشر في الواقع السياسي غياب حياة سياسية حقيقية فلا انتخابات حقيقية للرؤساء، ولا انتخابات حقيقية لمجالس النواب، ولا انتخابات لرؤساء الوزارات ولا الوزراء ولا سائر المناصب والوظائف العليا في الدولة، وكله في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، باستثناء لا يستحق الإشارة إليه، كله يتم بالتعيين، الذي يتم لا على أسس الكفاءة والقدرة وتحمل المسؤولية، بل يتم على أسس الولاء والمحسوبية. أضف إليه أنه لا أحزاب سياسية حقيقية ذات برامج سياسية واضحة وخطط، وحكومة ظل كما في العالم المتقدم ومعارضة حقيقية.
ويضاف إلى هذا تفرد المسؤول في الدول العربية والإسلامية، فما زلنا في زمن الحاكم الفذ الفرد المنفرد الفريد المتفرد الفرداني.. والذي يجمع في قبضته كل شؤون الدولة والوطن والبلاد والعباد. وحتى لو كان عبقري زمانه فإن لا أحد يحسن كل شيء.
وفي هذه الفردية قواسم مشتركة بين الأغلبية وهناك فروق فردية، بين الدول العربية.
وأسوأ من كل هذا، من عدم انتخاب ومن تعيينات، أن جلّ من يحكمون معينون من دول المركز، أو الدول القومية، أو المتقدمة، أو المستعمرة، ونحن ما زلنا مستعمرات تابعة لها، فهي تعين المأمورين الآمرين بالتعيين من قبلها.
ولا ننسى في أول التسعينيات عندما فاز الإسلاميون في انتخابات الجزائر قالت فرنسا إنها مستعدة لإعادة احتلال الجزائر إذا تولى الحكم فيها الإسلاميون، وقد كان، أن قام العسكر الموالون لفرنسا المستعمرة لبلادهم سابقاً ولاحقاً، قاموا بانقلاب عسكري، وعينوا حاكماً ثم قتلوه وأتوا ببديل عنه، وارتكبوا من المجازر ما تشيب له الولدان.
وقد أمرنا الله في قرآنه أن إذا أردنا أن نفهم ظاهرة من الظاهرات أو الظواهر، أن نعرف كيف تخلقت وكيف نشأت، فقال: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق.." العنكبوت 20. فإذا أردت معرفة كيف أنشئت الدول العربية وأنظمتها بعد ما زعم أنه التحرر من الاستعمار فانظر كيف بدأ خلق السلطة الفلسطينية. وكيف أنه جيء بها. للقيام بمهام عجزت إسرائيل عنها أو كلفتها كثيراً، أو أن القيام بها أضر بصورتها، فكان أن انسحب الاستعمار وترك الوكلاء يديرون العالم العربي بالنيابة. ويدارون هم "بالريموت" بدل الإدارة المباشرة من قبل المستعمر. والخارج لا يفتأ يراقب مراقبة حثيثة ولا يسمح بإجراء أي تغيير، وقد ذكرنا تجربة الجزائر، وها هي تجربة مصر ماثلة. فمن الذي منع الإسلاميين من الاستمرار في الحكم بل من توليه أصلاً، إلا صورة بلا فحوى ولا مضمون؟ ولا تقل لي: إنهم العسكر، فمن العسكر وما هم؟ إنهم تربية أمريكا وإسرائيل. وما صنع الانقلاب ولا غطاه إلا هم. ومعلوم أنه متى سحبت أمريكا وإسرائيل الغطاء عن أي زعيم جف كورقة خريف ثم سقط. وهل نسيتم ما صنعت إسرائيل بعرفات حين حَظَرت على أي أحد الاتصال به فما كلمه أحد من الزعماء العرب حتى مات!
إن الخطأ في التشخيص يجر إلى مسلسل من الأخطاء. هذا هو الواقع بلا رتوش، فمن يعملون للإصلاح ويجهدون في التغيير وللتغيير لا بد أن يضعوا هذا نصب العين ويجعلوه منهم على ذكر وعلى وعي وعلى البال. وإلا فسيقعون فيما وقعت فيه الثورة في مصر حين وثقوا في الجيش الذي ربّته وحرسته وموّنته ومولته ودرّبته أمريكا فكانت الطامة الكبرى.
3- تداعيات فساد النظام السياسي.
النظام السياسي هو النظام الناظم لجميع النظم، والنظام المؤثر في كل مناشط الحياة، فإذا فسد فسد الجسد كله وإذا صلح صلح الجسد كله، فهو كالقلب في الجسم أو كالدماغ. تعطله يعني الموت، وأي تلف فيه تلف في الجسم والقيام بوظائفه.
ولذلك كم هم واهمون من يقولون بأن لا سياسة في الإسلام. ووالله لو نزع هذا النظام من سائر نظم الإسلام لما بقي في الحياة شيء يمت للإسلام. فهذا كخروج الروح من الجسد، يبقيه جثة هامدة.
ولذلك إذا قلنا إن تداعيات النظام السياسي بلا حدود ولا تتوقف عند فساد جزئية من الحياة بل ستسري جرثومة هذا الفساد في أوصال المجتمع كله كما يسري السم في جسم اللديغ كله.
وعندما جاء عمر بن عبد العزيز تغير وجه الحياة ليس في عالمنا العربي والإسلامي فحسب وإنما في العالم. فقد أحس العالم بأنه قد جاء للمسلمين حاكم عادل صالح مصلح، فارعوت الهجمات التي كانت تشنها الدولة الرومانية على الدولة الإسلامية.
وكيف تحكمت أمريكا والصهيونية العالمية في العالم العربي والإسلامي والعالم كله؟ لقد أحكمت قبضتها على العالم من خلال أنظمة الحكم ومن خلال النظام السياسي والحكام. فأقصر الطرق للسيطرة، السيطرة على النظام السياسي. إنك بهذا تخترق التعليم والأمن والإدارة والثقافة والتجارة والإعلام، وكل تفاصيل الحياة.
أمر النظام السياسي أخطر مما نتصور، ولذلك لا يتوقع أن يسمح للعالم العربي بتغيير نظامه السياسي الذي أنشأه الاستعمار على عينه ورتّبه على وفق مراده وهواه ومصالحه، وكيّفه على مقاسه.
وأي تجربة معرضة للإفشال. وما تجربة تونس منا ببعيد، فكانت على شفا السقوط وهي الآن في الخطر ما زالت. وتجربة مصر أنهوها عن طريق العملاء. وتجربة ليبيا في الخطر الشديد. وصدرت الأوامر للأنظمة العربية أن تكف دعمها للثورة السورية فتوقفت بل بدأت بالتراجع لأن التغيير ليس في مصلحة المعلم الكبير. وللحديث استئناف.
(السبيل)
في الاستطباب والاستشفاء يبحث أولاً عن تحديد العلة أو المرض، ثم يبحث في تاريخ المرض، ثم تجرى الفحوص والتحليلات وأخذ العينات والصور، ثم يشخص العلاج ويحدد الدواء أو تجرى الجراحة. وما أشبه حال الأمم بالأشخاص والأفراد.
ولا يختلف اثنان أن واقعنا مريض رديء عليل سقيم عديم الفعالية. بعد هذا ربما يختلف تفصيل التشخيص ويختلف توصيف الدواء وتحديد العلاج أو الجراحة.
والأهل يلاحظون مرض ولدهم من قلة نشاطه أو قلة طعامه أو صفرة وجهه أو حرارته أو ما شابه من أعراض. هذا التشخيص البدائي لا يغني عن فحص المختص. وكذلك ملاحظة واقعنا والتشخيص من خلال بعض المظاهر من قلة الفعالية وعدم التقدم وعدم الاكتفاء الذاتي لا من الماء ولا من الغذاء ولا من شيء من الأشياء.. ولكن هذا كله ملاحظات مبدئية ظاهرية لا تغني عن دراسات المختصين أو المتخصصين والباحثين والمشخصين للعلة والمرض في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية والتعليمية والإنتاجية.. إلى آخر المنظومة. هذا التشخيص من قبل أهل الاختصاص الأمناء المخلصين الذين لا يراءون ولا يداهنون هو بداية وصف العلاج.
2- الواقع السياسي.
ربما يكون أسوأ ما في جسم الأمة وأكثرها اعتلالاً واختلالاً.. الواقع السياسي.. ولعله يكون منبع باقي الشرور ونقاط الضعف والوهن والاهتراء والتفكك..
ورأس الشر في الواقع السياسي غياب حياة سياسية حقيقية فلا انتخابات حقيقية للرؤساء، ولا انتخابات حقيقية لمجالس النواب، ولا انتخابات لرؤساء الوزارات ولا الوزراء ولا سائر المناصب والوظائف العليا في الدولة، وكله في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، باستثناء لا يستحق الإشارة إليه، كله يتم بالتعيين، الذي يتم لا على أسس الكفاءة والقدرة وتحمل المسؤولية، بل يتم على أسس الولاء والمحسوبية. أضف إليه أنه لا أحزاب سياسية حقيقية ذات برامج سياسية واضحة وخطط، وحكومة ظل كما في العالم المتقدم ومعارضة حقيقية.
ويضاف إلى هذا تفرد المسؤول في الدول العربية والإسلامية، فما زلنا في زمن الحاكم الفذ الفرد المنفرد الفريد المتفرد الفرداني.. والذي يجمع في قبضته كل شؤون الدولة والوطن والبلاد والعباد. وحتى لو كان عبقري زمانه فإن لا أحد يحسن كل شيء.
وفي هذه الفردية قواسم مشتركة بين الأغلبية وهناك فروق فردية، بين الدول العربية.
وأسوأ من كل هذا، من عدم انتخاب ومن تعيينات، أن جلّ من يحكمون معينون من دول المركز، أو الدول القومية، أو المتقدمة، أو المستعمرة، ونحن ما زلنا مستعمرات تابعة لها، فهي تعين المأمورين الآمرين بالتعيين من قبلها.
ولا ننسى في أول التسعينيات عندما فاز الإسلاميون في انتخابات الجزائر قالت فرنسا إنها مستعدة لإعادة احتلال الجزائر إذا تولى الحكم فيها الإسلاميون، وقد كان، أن قام العسكر الموالون لفرنسا المستعمرة لبلادهم سابقاً ولاحقاً، قاموا بانقلاب عسكري، وعينوا حاكماً ثم قتلوه وأتوا ببديل عنه، وارتكبوا من المجازر ما تشيب له الولدان.
وقد أمرنا الله في قرآنه أن إذا أردنا أن نفهم ظاهرة من الظاهرات أو الظواهر، أن نعرف كيف تخلقت وكيف نشأت، فقال: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق.." العنكبوت 20. فإذا أردت معرفة كيف أنشئت الدول العربية وأنظمتها بعد ما زعم أنه التحرر من الاستعمار فانظر كيف بدأ خلق السلطة الفلسطينية. وكيف أنه جيء بها. للقيام بمهام عجزت إسرائيل عنها أو كلفتها كثيراً، أو أن القيام بها أضر بصورتها، فكان أن انسحب الاستعمار وترك الوكلاء يديرون العالم العربي بالنيابة. ويدارون هم "بالريموت" بدل الإدارة المباشرة من قبل المستعمر. والخارج لا يفتأ يراقب مراقبة حثيثة ولا يسمح بإجراء أي تغيير، وقد ذكرنا تجربة الجزائر، وها هي تجربة مصر ماثلة. فمن الذي منع الإسلاميين من الاستمرار في الحكم بل من توليه أصلاً، إلا صورة بلا فحوى ولا مضمون؟ ولا تقل لي: إنهم العسكر، فمن العسكر وما هم؟ إنهم تربية أمريكا وإسرائيل. وما صنع الانقلاب ولا غطاه إلا هم. ومعلوم أنه متى سحبت أمريكا وإسرائيل الغطاء عن أي زعيم جف كورقة خريف ثم سقط. وهل نسيتم ما صنعت إسرائيل بعرفات حين حَظَرت على أي أحد الاتصال به فما كلمه أحد من الزعماء العرب حتى مات!
إن الخطأ في التشخيص يجر إلى مسلسل من الأخطاء. هذا هو الواقع بلا رتوش، فمن يعملون للإصلاح ويجهدون في التغيير وللتغيير لا بد أن يضعوا هذا نصب العين ويجعلوه منهم على ذكر وعلى وعي وعلى البال. وإلا فسيقعون فيما وقعت فيه الثورة في مصر حين وثقوا في الجيش الذي ربّته وحرسته وموّنته ومولته ودرّبته أمريكا فكانت الطامة الكبرى.
3- تداعيات فساد النظام السياسي.
النظام السياسي هو النظام الناظم لجميع النظم، والنظام المؤثر في كل مناشط الحياة، فإذا فسد فسد الجسد كله وإذا صلح صلح الجسد كله، فهو كالقلب في الجسم أو كالدماغ. تعطله يعني الموت، وأي تلف فيه تلف في الجسم والقيام بوظائفه.
ولذلك كم هم واهمون من يقولون بأن لا سياسة في الإسلام. ووالله لو نزع هذا النظام من سائر نظم الإسلام لما بقي في الحياة شيء يمت للإسلام. فهذا كخروج الروح من الجسد، يبقيه جثة هامدة.
ولذلك إذا قلنا إن تداعيات النظام السياسي بلا حدود ولا تتوقف عند فساد جزئية من الحياة بل ستسري جرثومة هذا الفساد في أوصال المجتمع كله كما يسري السم في جسم اللديغ كله.
وعندما جاء عمر بن عبد العزيز تغير وجه الحياة ليس في عالمنا العربي والإسلامي فحسب وإنما في العالم. فقد أحس العالم بأنه قد جاء للمسلمين حاكم عادل صالح مصلح، فارعوت الهجمات التي كانت تشنها الدولة الرومانية على الدولة الإسلامية.
وكيف تحكمت أمريكا والصهيونية العالمية في العالم العربي والإسلامي والعالم كله؟ لقد أحكمت قبضتها على العالم من خلال أنظمة الحكم ومن خلال النظام السياسي والحكام. فأقصر الطرق للسيطرة، السيطرة على النظام السياسي. إنك بهذا تخترق التعليم والأمن والإدارة والثقافة والتجارة والإعلام، وكل تفاصيل الحياة.
أمر النظام السياسي أخطر مما نتصور، ولذلك لا يتوقع أن يسمح للعالم العربي بتغيير نظامه السياسي الذي أنشأه الاستعمار على عينه ورتّبه على وفق مراده وهواه ومصالحه، وكيّفه على مقاسه.
وأي تجربة معرضة للإفشال. وما تجربة تونس منا ببعيد، فكانت على شفا السقوط وهي الآن في الخطر ما زالت. وتجربة مصر أنهوها عن طريق العملاء. وتجربة ليبيا في الخطر الشديد. وصدرت الأوامر للأنظمة العربية أن تكف دعمها للثورة السورية فتوقفت بل بدأت بالتراجع لأن التغيير ليس في مصلحة المعلم الكبير. وللحديث استئناف.
(السبيل)