jo24_banner
jo24_banner

جريمة السلام العربي (5)

د. احمد نوفل
جو 24 :
1- أما قبل
هذه الحلقة وسابقتها تلخيص دقيق لحوار أجراه «مات هيل» مع المفكر الأمريكي اليهودي «نورمان فنكلستاين»، صاحب كتاب «صناعة الهولوكوست».
وقلت إنّا استعنا به في هذه الحلقات، وقد خرج بعد أن أخرجنا 3 حلقات من سلسلة: جريمة السلام العربي. وقلت إن لديه من مصادر المعرفة والمعلومات ما لا يتاح لنا في الغابة العربية السوداء. وعندهم سقوف من الحرية يتمتعون بها ويرفلون، ونحن في الكتب غارقون والكتم والتكميم ولو كان هذا فلسطينياً وقال عن السلطة ما قال لاختفى وراء الشمس. فإلى إكمال ما جاء في الحوار أو المقال.
2- السؤال الخامس: لقد مر زهاء 20 سنة منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو التي أفضت إلى إقامة السلطة الفلسطينية، كيف تقيّم أداء السلطة الفلسطينية في الحالة الراهنة؟
وكان الجواب: لقد تعلمت «إسرائيل» درسًا من الانتفاضة الأولى (87-93) ومفاد هذا الدرس أنها غير قادرة، بل عاجزة عن حراسة أمن احتلالها للأراضي الفلسطينية. وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، جعلت من «إسرائيل» دولة معزولة دولياً، كما تعلمت «إسرائيل» أن تخصيص قواتها العسكرية لمكافحة الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعني تضاؤل الوقت المخصص لتدريب هذا الجيش من أجل القتال على الجبهات المختلفة. كان الغرض من «أوسلو» حسب رابين رئيس الوزراء في حينه هو التخفيف من أعباء احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية. (أرجو من المتعصبين للسلطة أن يقرأوا مع التركيز أن الهدف هو حماية أمن إسرائيل وتخفيف أعباء احتلالها، لا داعي للأحلام والتضخيم والدعاوى العريضة عن السلطة وزعامتها ورمزيتها و..).
وذلك (أي التخفيف الذي ذكرنا قبل قليل) عبر خلق سلطة وقوة شرطة فلسطينية متواصلة مع «إسرائيل»، تقوم بحراسة المناطق المحتلة نيابة عن الجيش الإسرائيلي. في هذا الصدد حققت «أوسلو» نجاحًا مبهرًا لـ»إسرائيل». (اقرأوا القرآن عندما قال: «فانظروا كيف بدأ الخلق» كيف تؤسس الدول وكيف تقوم السلطات وتنشأ الكيانات والأهداف من هذا الإنشاء).
لقد تضاءلت شكاوى انتهاك حقوق الإنسان المرفوعة ضد «إسرائيل» في الوقت الحاضر بشكل كبير، كل ذلك بسبب فصل المهمات الذي تحقق على أرض الواقع (هل فهمتم لماذا تدفع الدول العربية لدعم سلطة عباس، ولا تدفع لدعم حماس؟ لأن السلطة تحرس «إسرائيل»، وحماس تحارب «إسرائيل»، ونحن من يحرس لا من يواجه).
حيث غدت قوات الأمن والشرطة الفلسطينية هي موضع الاتهام والملومة على قمع وسجن وتعذيب النشطاء والمقاومين الفلسطينيين، كذلك استغلت «إسرائيل» عملية السلام المؤطرة في «أوسلو» من أجل صرف أنظار العالم عن ضمها المتدحرج أراضي الضفة الغربية. ذلك وعلى سبيل المثال، كلما دعيت «إسرائيل» للكف عن توسعها في تشييد المستوطنات والحد من نشاطاتها الاستيطانية، تذرعت بأن المستوطنات هي قضية من قضايا الوضع النهائي التي لم يتم الخوض في حيثياتها بعد. لذلك شكل جوهر «أوسلو» خدعة مجانية لـ»إسرائيل». و»أوسلو» هو كواجهة تتخندق خلفها «إسرائيل»؛ من أجل ترسيخ احتلالها للأراضي الفلسطينية، وبشكل لا يمكن الرجوع أو العودة عنه مستقبلاً.
3- السؤال السادس: لقد أخفق عملك الخاص في إثارة الجدل، كما تعرضت للكثير من الهجمات المعادية لك، وبالأخص من أنصار «إسرائيل» في الولايات المتحدة، هل أنت نادم على مواقفك السابقة أو تلك اللغة التي استخدمتها خلال حياتك العملية السابقة؟
جواب فنكلشتاين: أصبحت ناشطًا عندما قامت «إسرائيل» بغزو لبنان سنة 82 وخلال السنوات الـ25 الأولى من نشاطي لم يكترث أحد لصيغة خطابي؛ لأنه لا أحد ينصت لما يقال. نشاطاتي كشاهد يحاول جاهدًا هز مشاعر الناس لا يمكن وصفها إلا كصرخات في فضاء الصحراء الواسع. واللغة التي كنت أستخدمها كانت تظهر للبعض على أنها لون من ألوان التشدد والتعصب، أما الآن فهناك جمهور واسع مستعد للإصغاء، ولذلك ليس هناك حرج في استخدام أي لغة تشاء.
4- السؤال السابع: هل من الممكن دعم حل الدولتين، إضافة إلى حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين إن عادوا إلى وطنهم، ستشكل عودتهم خللًا ديمغرافيًا سيؤدي في النهاية إلى نهاية حتمية لدولة «إسرائيل»؟
الجواب: إن إنكار حق العودة للفلسطينيين حسب القانون الدولي سيكون أمرًا ماكرًا ومخادعًا، وسيكون من النفاق إنكار المشكلات الحقيقية المصاحبة لتنفيذ هذا الحق. (وعندما غزا اليهود فلسطين لم يتكلم أحد عن التغيير الديمغرافي، وعندما هجر اليهود أهل فلسطين لم يتحدث أحد كذلك عن هذا التغيير، أما الآن إذا عاد صاحب الأرض فالعالم كله يتحدث عن هذا التغيير!) ثم تكلم فنكلشتاين عن آلية تتمتع بصفة قانونية لحل عادل لهذه القضية (يظل فنكل يهوديًا يعمل في النهاية لخدمة وبقاء «إسرائيل»، ويكفي أن نلتقي في بعض الطريق).
ثم تكلم عن تشكيل هيئة من مثل كارتر وتوتو وتشومسكي وتقديم توصيات. والكلمة الفصل تبقى للفلسطينيين، ثم تكلم عن دولة في حدود 67 وعاصمتها القدس ككلام الفرقة إياها.
5- السؤال الأخير: هل تعتبر مفهوم يهودية الدولة مفهومًا غير شرعي؟ وهل تعتبر تعريف «إسرائيل» لدولتها كدولة يهودية عائقًا أمام تحقيق حل الدولتين؟
الجواب: قرار التقسيم الصادر عن مجلس الأمن سنة 47 يتحدث عن دولة يهودية وعربية. ولا ينص على إقامة دولة عنصرية تمارس التمييز ضد الأقليات من سكانها. كذلك معاهدة السلام التي وقعتها «إسرائيل» مع مصر 79 لم تتضمن أي إشارة أو اعتراف بيهودية دولة «إسرائيل» ولا اتفاقيات أوسلو 93-95 وخريطة طريق السلام 2003 لا تتطرق لهذا. كانت أول مرة طالبت فيها «إسرائيل» بذلك خلال مفاوضات 2007-2009. وما هذا إلا ذريعة من «إسرائيل» لكسب الوقت، والمماطلة ولعدم التفاوض بشأن التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.
وهذه المطالبة ورقة تفاوض إضافية (إذا أسقطتم حق العودة، أسقطنا المطالبة بيهودية الدولة) والطلب الفلسطيني بحق العودة يستند إلى القانون الدولي، أما يهودية الدولة فتفتقر لأي أسس في القانون الدولي، حتى الولايات المتحدة لا تعترف رسميًا بهذا. من المستحيل على الفلسطينين قبول هذا. (عباس والمنظمة سيقبلون يا عم فنكل).
وهل يمكن أن تكون «إسرائيل» ديمقراطية ويهودية في ذات الوقت، أمر معقد للغاية. الواقع ودون أدنى شك هو أن «إسرائيل» اليوم تقوم باسم يهوديتها بممارسة كل أشكال التمييز العنصري الفظيع ضد الأقليات غير اليهودية من سكانها، وبطرق متعددة ومروعة، إلى حد لا يمكنها معه الادعاء بتطبيقها أي نظرية من نظريات الديموقراطية» أ.هـ.
وبهذه النهاية نختم تلخيص الحوار مع فنكلشتاين واعتبرته جزءًا من سلسلة جريمة السلام العربي، والحديث متصل.


(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news