هل انتهت ثورات الربيع العربي؟
د. احمد نوفل
جو 24 : لقد صبرت الشعوب العربية قبل انتفاضتها على أنظمة القمع والتسلط صبراً يفوق الحد والوصف، وهو صبر معجون بالخوف، بالطبع، فحجم البطش شديد والتعذيب، ولا الذي في أفلام الرعب، وعصابات الإجرام. لكن وصل الشعور بالظلم إلى الحد الذي تفوّق فيه على الشعور بالرهبة، والخشية من البطش، وإذا تشارك الناس في هذا الشعور بطل مفعول الخوف من نفس الخائف، وبطل مفعول التخويف في نفس الذي يمارس الترهيب والتعذيب العنيف. فكان أن كانت انتفاضة الشعب في تونس، البلد العربي الأكثر تغريباً وإلحاقاً بركاب المستعمر والأكثر محاربة للإسلام، والأشد قمعاً وإفساداً، فقد جعلوا تونس مفتوحة لكل ما في الغرب من سلبيات وتفلت من القيم والدين، ولا نزيد في التفصيل. وثبت أن المبالغة في التغريب تأتي بنتائجها العكسية عن قريب. ثم تبعتها مصر وقفزت بذور الثورة عن ليبيا التي كانت بدورها محتقنة من ظلم رهيب وبطش غريب ونهب وتدمير عجيب.. أما مصر فحدث عن مبارك ودوره التدميري ولا حرج.. لقد أرجع مصر نصف قرن إلى الوراء على الأقل وزاد مساحة الفقر وهوامش البؤس وحجم الفساد والنهب المنظم ويكفي أن نذكر حرمان مصر من ثرواتها الاستراتيجية من النفط والغاز وبيعها لإسرائيل بنصف سعر تكلفة الاستخراج، والسكوت عما نهبته من هذه الثروات طيلة سني الاحتلال الاسرائيلي لسيناء.
سقط بن علي ومبارك مثل ورقة خريف يابسة بهبة ريح غير عاصفة وبأقل الخسائر نسبياً وكانت مفاجأة سارة للشعوب.
وكانت هذه السرعة المفاجئة المذهلة في سقوط طاغوتين ضخمين في حجم ظلمهما، مشجعة لتفجر الثورة في مكانين آخرين وبلدين عربيين يعانيان من ظلم حكامهما هما اليمن وليبيا.
وقد اتخذ كل من زعيمي البلدين بلدهما مزرعة عائلية ألحقاها بمملكاتهما الخاصة وتقاسماها مع الأهل والأقرباء، وكانت حرارة غضب الناس تتصاعد يوماً بعد يوم بانتظار الظرف المواتي للانفجار، وهل ظرف ملائم أهم وأنسب من سقوط صنمين استعبدا شعبهما طويلاً بالحديد والنار؟ فكان أن انتفض الشعبان في البلدين، ودفع الشعبان على عكس البلدين السابقين دفعا ثمناً غالياً حتى انزاحت غمامة الشر وغشاوة الظلم وغاشية الفساد والسرقة عن البلدين، وخاصة ما دفعه الشعب الليبي، لكن هون التضحية والتدمير والجراح والعذاب وطول الصبر سقوط الطاغية بالضربة القاضية في ليبيا، وفي اليمن بالإزاحة فقط. وبقي الشعب منقوص الشعور بالفرحة الغامرة التامة في اليمن السعيد.
المهم أن البلدان الأربعة أنجزت ثورتها، أو هكذا استشعر الناس والشعب الذي قام بالثورة. استشعر أنه أنجز ما قام لأجله.
ثم قامت ثورة الشعب السوري. ومظلوميته لا تقل إن لم تزد بمراحل عن مظلومية الشعوب الأربعة التي انتفضت على جلاديها. ولكم فوجئ الناس بأن النظام مستعد للبطش بلا حدود وأن قوى إقليمية ودولية مستعدة لدعمه بلا حدود.. وفوجئ بتقاعس العالم عن نجدته مع أنه أحق الشعوب بها.
وفوجئ أكثر بتقاعس إخوانه العرب عن نصرته أعني دول التخلي عن الأخوة ودول الخذلان للأشقاء ودول التآمر على الشعوب وحقوقها وثوراتها.
فكان أن دفع الشعب السوري من الضحايا بقدر أربعة أضعاف ما دفعت البلدان الأربعة التي سبقته بالثورة. ولا يلوح في الأفق شيء حاسم، أو تباشير فجر صادق، إلا أن يتغمدهم الله برحمة من عنده.
واستطاعت إيران بدهاء شديد أن تحول الحرب إلى حرب طائفية ومعلوم أن هذا النوع من الحروب أخطر الحروب وأكثرها فتكاً وتدميراً وأطولها عمراً، فامتد عمر النظام واستطال الإجرام وما زال يرفع شعار المخادعة: الممانعة والمقاومة. ولا يدري في الكون أحد أين هي الممانعة وأين هي المقاومة.
إنها الباطنية تتستر بشعارات ثورية لتخفي حقيقتها الطائفية.
حجم الثورة المضادة.
لقد انطوت ثورات الشعوب في الربيع العربي على مفاجآت عدة، ولعل أخطر المفاجآت: حجم الثورة المضادة. فكيف تشكلت الثورة المضادة وممن تشكلت؟ ومتى تشكلت؟
خرج الاستعمار وترك وكلاء. ولتفهم الصورة التي وقعت قبل سبعين سنة هي عمر الاستقلالات العربية أو أقل من ذلك أو أكثر، انظر كيف بدأ الخلق كما أمرنا القرآن أن نفعل. كل ظاهرة ارجع كي تفهمها إلى أول تخلقها. ولقد شهدنا جميعاً ولادة كيان عربي حديث ما زال في المهد هو السلطة الفلسطينية، والسلطة في العراق. ونستطيع أن نفهم كيف بدأ الخلق في كل الأنظمة العربية. خرج بريمر وترك جماعة السيستاني الذين انتهوا بالمالكي الذي كان شر خلف لشر سلف. وتأمل ما صنع هذا المالكي بالعراق. لقد أعاده مئة سنة إلى الوراء. انقسم البلد إلى 3 أقاليم منها دولة منفصلة عملياً –عدا- السنة بطبيعة الحال. لكن الأكراد شكلوا دولتهم وجيشهم وأجهزتهم وأمنهم ومطارهم الدولي وبنكهم المركزي وفرقهم الرياضية وعلمهم وبرلمانهم ووزاراتهم..
والشيعة استعملوا ما تبقى من العراق ودمروه ومزقوا نسيجه الاجتماعي والسياسي وأعادوه للعصر الحجري.
ثم تأمل حال السلطة الفلسطينية. فهل تتوقع أن إسرائيل خرجت من مناطق السلطة لتقيم وطناً مستقلاً ودولة ذات سيادة للفلسطينيين ودربت عناصرهم وأمنهم وقواتهم من أجل حماية مصالح الشعب الفلسطيني وكرامة الشعب الفلسطيني؟ هل تتخيل أو تتوهم هذا للخطة واحدة؟ بالطبع لا. لقد دربت عناصر الأمن الفلسطيني لحماية أمن إسرائيل وقمع الشعب الفلسطيني والبحث عن مقاومين، وتدمير أمن الشعب الفلسطيني وترويع الشعب الفلسطيني لئلا يفكر بانتفاضة ضد إسرائيل وليمر تهويد الأقصى بأقل التكاليف.
ضربت لك هذين المثلين لتفهم ما جرى في طول البلاد العربية وعرضها.
هذه هي نواة الثورة المضادة تشكلت مع تشكل الدول، وولدت بخروج الاستعمار لتكون وكيلة مصالح الاستعمار، ولترعى تركة وتحرس أملاك الغائب نيابة عنه وتقمع الشعب لصالحه، وتديم التغريب على خطه ونهجه، ولتستنسخ الأجيال على شاكلته ومراده.
هذه الثورة المضادة كانت تمسك بمرافق الدولة ومفاصلها وتقودها إلى الهاوية والخراب، وتأمل ما صنع مبارك بمصر. وتأمل ما صنع العسكر بمصر، لقد أعادوها إلى الوراء عشرات السنوات.
هذه القوى لم تكن لتسمح بتغيير الواقع الموجود، وهي تحرسه باستماتة وتعتبر بقاءه بقاءها وحياته حياتها واستمراره استمرارها.
لقد شكلت هذه الدول أو المجموعات أخراباً على عينها، ومؤسسات وأجهزة، ودولة في الظاهر وشكلت دولة في الباطن أو الدولة العميقة تحرس دولة الظاهر من أن يمسها سوء أو يهددها خطر. وكان القمع والتخويف والرعب والرهبة والترويع والصدمة والبطش والسجن والقتل هو الوسائل.
ولا تعجب إن قلت لك إن الخطوة الأولى في تعذيب المساجين والسجينات في العهد العراقي المالكي ومن سبقوه من خلفاء المستمر هو الاغتصاب. ليذلوا الشعب ويروعوه. ولقد حدثني عدد من العراقيين ممن تركوا العراق أنهم ما تركوا بلدهم الأحب إليهم من الدنيا إلا من أجل هذا العامل الترويعي القذر البشع.
والعجب أن المالكي يحظى بإجماع إيران وأمريكا وروسيا وإسرائيل والعرب. فهل فهمت المعادلة؟
إنهم يحمون بعضهم وإن تظاهر بعضهم بالتخلي عن بشار. ووالله ما أعتقد للحظة أنهم صادقون.
وما الفرق بين بشار والمالكي أليس كل ما ذكر من وسائل قد فعلها بشار..؟
وحديث الثورة المضادة والربيع العربي موصول.
(السبيل)
سقط بن علي ومبارك مثل ورقة خريف يابسة بهبة ريح غير عاصفة وبأقل الخسائر نسبياً وكانت مفاجأة سارة للشعوب.
وكانت هذه السرعة المفاجئة المذهلة في سقوط طاغوتين ضخمين في حجم ظلمهما، مشجعة لتفجر الثورة في مكانين آخرين وبلدين عربيين يعانيان من ظلم حكامهما هما اليمن وليبيا.
وقد اتخذ كل من زعيمي البلدين بلدهما مزرعة عائلية ألحقاها بمملكاتهما الخاصة وتقاسماها مع الأهل والأقرباء، وكانت حرارة غضب الناس تتصاعد يوماً بعد يوم بانتظار الظرف المواتي للانفجار، وهل ظرف ملائم أهم وأنسب من سقوط صنمين استعبدا شعبهما طويلاً بالحديد والنار؟ فكان أن انتفض الشعبان في البلدين، ودفع الشعبان على عكس البلدين السابقين دفعا ثمناً غالياً حتى انزاحت غمامة الشر وغشاوة الظلم وغاشية الفساد والسرقة عن البلدين، وخاصة ما دفعه الشعب الليبي، لكن هون التضحية والتدمير والجراح والعذاب وطول الصبر سقوط الطاغية بالضربة القاضية في ليبيا، وفي اليمن بالإزاحة فقط. وبقي الشعب منقوص الشعور بالفرحة الغامرة التامة في اليمن السعيد.
المهم أن البلدان الأربعة أنجزت ثورتها، أو هكذا استشعر الناس والشعب الذي قام بالثورة. استشعر أنه أنجز ما قام لأجله.
ثم قامت ثورة الشعب السوري. ومظلوميته لا تقل إن لم تزد بمراحل عن مظلومية الشعوب الأربعة التي انتفضت على جلاديها. ولكم فوجئ الناس بأن النظام مستعد للبطش بلا حدود وأن قوى إقليمية ودولية مستعدة لدعمه بلا حدود.. وفوجئ بتقاعس العالم عن نجدته مع أنه أحق الشعوب بها.
وفوجئ أكثر بتقاعس إخوانه العرب عن نصرته أعني دول التخلي عن الأخوة ودول الخذلان للأشقاء ودول التآمر على الشعوب وحقوقها وثوراتها.
فكان أن دفع الشعب السوري من الضحايا بقدر أربعة أضعاف ما دفعت البلدان الأربعة التي سبقته بالثورة. ولا يلوح في الأفق شيء حاسم، أو تباشير فجر صادق، إلا أن يتغمدهم الله برحمة من عنده.
واستطاعت إيران بدهاء شديد أن تحول الحرب إلى حرب طائفية ومعلوم أن هذا النوع من الحروب أخطر الحروب وأكثرها فتكاً وتدميراً وأطولها عمراً، فامتد عمر النظام واستطال الإجرام وما زال يرفع شعار المخادعة: الممانعة والمقاومة. ولا يدري في الكون أحد أين هي الممانعة وأين هي المقاومة.
إنها الباطنية تتستر بشعارات ثورية لتخفي حقيقتها الطائفية.
حجم الثورة المضادة.
لقد انطوت ثورات الشعوب في الربيع العربي على مفاجآت عدة، ولعل أخطر المفاجآت: حجم الثورة المضادة. فكيف تشكلت الثورة المضادة وممن تشكلت؟ ومتى تشكلت؟
خرج الاستعمار وترك وكلاء. ولتفهم الصورة التي وقعت قبل سبعين سنة هي عمر الاستقلالات العربية أو أقل من ذلك أو أكثر، انظر كيف بدأ الخلق كما أمرنا القرآن أن نفعل. كل ظاهرة ارجع كي تفهمها إلى أول تخلقها. ولقد شهدنا جميعاً ولادة كيان عربي حديث ما زال في المهد هو السلطة الفلسطينية، والسلطة في العراق. ونستطيع أن نفهم كيف بدأ الخلق في كل الأنظمة العربية. خرج بريمر وترك جماعة السيستاني الذين انتهوا بالمالكي الذي كان شر خلف لشر سلف. وتأمل ما صنع هذا المالكي بالعراق. لقد أعاده مئة سنة إلى الوراء. انقسم البلد إلى 3 أقاليم منها دولة منفصلة عملياً –عدا- السنة بطبيعة الحال. لكن الأكراد شكلوا دولتهم وجيشهم وأجهزتهم وأمنهم ومطارهم الدولي وبنكهم المركزي وفرقهم الرياضية وعلمهم وبرلمانهم ووزاراتهم..
والشيعة استعملوا ما تبقى من العراق ودمروه ومزقوا نسيجه الاجتماعي والسياسي وأعادوه للعصر الحجري.
ثم تأمل حال السلطة الفلسطينية. فهل تتوقع أن إسرائيل خرجت من مناطق السلطة لتقيم وطناً مستقلاً ودولة ذات سيادة للفلسطينيين ودربت عناصرهم وأمنهم وقواتهم من أجل حماية مصالح الشعب الفلسطيني وكرامة الشعب الفلسطيني؟ هل تتخيل أو تتوهم هذا للخطة واحدة؟ بالطبع لا. لقد دربت عناصر الأمن الفلسطيني لحماية أمن إسرائيل وقمع الشعب الفلسطيني والبحث عن مقاومين، وتدمير أمن الشعب الفلسطيني وترويع الشعب الفلسطيني لئلا يفكر بانتفاضة ضد إسرائيل وليمر تهويد الأقصى بأقل التكاليف.
ضربت لك هذين المثلين لتفهم ما جرى في طول البلاد العربية وعرضها.
هذه هي نواة الثورة المضادة تشكلت مع تشكل الدول، وولدت بخروج الاستعمار لتكون وكيلة مصالح الاستعمار، ولترعى تركة وتحرس أملاك الغائب نيابة عنه وتقمع الشعب لصالحه، وتديم التغريب على خطه ونهجه، ولتستنسخ الأجيال على شاكلته ومراده.
هذه الثورة المضادة كانت تمسك بمرافق الدولة ومفاصلها وتقودها إلى الهاوية والخراب، وتأمل ما صنع مبارك بمصر. وتأمل ما صنع العسكر بمصر، لقد أعادوها إلى الوراء عشرات السنوات.
هذه القوى لم تكن لتسمح بتغيير الواقع الموجود، وهي تحرسه باستماتة وتعتبر بقاءه بقاءها وحياته حياتها واستمراره استمرارها.
لقد شكلت هذه الدول أو المجموعات أخراباً على عينها، ومؤسسات وأجهزة، ودولة في الظاهر وشكلت دولة في الباطن أو الدولة العميقة تحرس دولة الظاهر من أن يمسها سوء أو يهددها خطر. وكان القمع والتخويف والرعب والرهبة والترويع والصدمة والبطش والسجن والقتل هو الوسائل.
ولا تعجب إن قلت لك إن الخطوة الأولى في تعذيب المساجين والسجينات في العهد العراقي المالكي ومن سبقوه من خلفاء المستمر هو الاغتصاب. ليذلوا الشعب ويروعوه. ولقد حدثني عدد من العراقيين ممن تركوا العراق أنهم ما تركوا بلدهم الأحب إليهم من الدنيا إلا من أجل هذا العامل الترويعي القذر البشع.
والعجب أن المالكي يحظى بإجماع إيران وأمريكا وروسيا وإسرائيل والعرب. فهل فهمت المعادلة؟
إنهم يحمون بعضهم وإن تظاهر بعضهم بالتخلي عن بشار. ووالله ما أعتقد للحظة أنهم صادقون.
وما الفرق بين بشار والمالكي أليس كل ما ذكر من وسائل قد فعلها بشار..؟
وحديث الثورة المضادة والربيع العربي موصول.
(السبيل)