"الصفقة الكبرى".. !!
راكان السعايدة
جو 24 : قراءة أولية..
بالتقييم المبدأي لـ"الصفقة الكبرى"، كسبت إيران، بتوقيعها الاتفاق النووي مع مجموعة (خمسة زائد واحد) رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عنها، وبما يمهد إعادة توصيف دورها السياسي، وإدماجها في المجتمع الدولي.
وكسبت أن تجاوزت مطلبا غربيا رئيسيا، شدد، منذ البداية، على تفكيك برنامجها النووي، فانتهى ذلك التشدد إلى الخضوع والقبول ببقاء هذه البرنامج كاملا مع تعديلات هدفت إلى ضمان سلميته وعدم تحوله إلى برنامج عسكري.
والاتفاق النووي، لا يعني انكفاء المشروع السياسي الإيراني الإقليمي، بل إنه يمنح هذا الدور قوة إضافية، لانه يوفر له دعما ماليا ضخما، ويمنح إيران فرصة كبيرة لتوسيع نفوذها في المنطقة والإقليم.
والقلق، العربي والإسرائيلي، ليس من أن الاتفاق يبقي على إيران عند "العتبة النووية" فقط، بل من توسع دورها وحضورها الإقليمي والدولي، خصوصا وانها تملك أذرعة فاعلة في أغلب الدول العربية.
وهي أذرعة لم تنتجها وتتقارب معها طهران حديثا، بل منذ سنوات طويلة، إذ كان في ذهنها استراتيجية محكمة تضمن تأثيرها ونفوذها داخل دول عربية، وعبر مكونات شيعية أصيلة داخل هذه الدول.
أي إن إيران خرجت، بالاتفاق النووي، من حصار دام نحو ثلاثين عاما، ورغم تكيفها معه، فهي عانت، وتعتقد الآن أن بمقدورها أن تؤسس لانطلاقة سياسية جديدة، تدعمها إمكانات اقتصادية ومالية ضخمة.
والعديد من الدول، التي كانت تقف موقفا معاديا أو محايدا، ولو نسبيا، من إيران، ستعيد تموضعها من جديد، بحكم الأمر الواقع، فالغرب سيتسابق لأخذ حصته من "الفورة" الاقتصادية الإيرانية، ودول إقليمية (تركيا وباكستان) التي راهنت عليها السعودية، بدأت تمد بصرها إلى إيران لأخذ حصتها، وتحتاجان إلى نفط إيران وغازها.
أين أخطأ العرب..؟!
الخطأ الاستراتيجي العربي تمثل في عدم وجود أو تطوير مقاربة تتعامل مع سيناريو توصل الغرب إلى اتفاق مع إيران، لذلك برزت مواقف العرب، إما منافقة وإما مهتزة، وتعبر عن قلق وخشية، لكن دون أدوات فعالة وقادرة على استيعاب التطور الكوني، الذي أتى به الاتفاق النووي.
والخطأ الآخر في المراهنة كليا على الولايات المتحدة، وسط ظن عربي أن أميركا حليف عضوي لها، ولا يمكنها أن تنحاز لتفاهم مع إيران لا يأخذ مصالحها كاملة بالاعتبار، كما أن واشنطن ستأخذ مصالح إيران في سوريا والعراق وهو ما قد ينعكس على حلول مشاكل البلدين.
وبينما تتكىء السعودية، وأغلب دول الخليج، على النفط كمورد رئيسي لموازناتها، وبمقدار يقارب الـ 90%، فإيران، وبسبب الحصار، لا تتكىء على النفط إلاّ بنسبة تقارب الـ 30% فقط، أي أن إيران طورت اقتصاديات متنوعة، ساعدت في تجاوزها قيمة وأهمية النفط، كمورد رئيسي، وهو الآن سيكون رافعة مهمة جدا في تقوية اقتصادها وتوسيع نفوذها.
فنفطها وغازها، قد يكون البديل للنفط والغاز الروسي، بالنسبة لأميركا وأوروبا، وربما هذه واحدة من أهم مصادر القلق الروسي من نتائج رفع الحظر عن إيران، رغم أنهما شريكان سياسيان واقتصاديان لسنوات طويلة.
والخطأ التاريخي العربي، قد يتواصل، وتكون كلفته عالية جدا، إن لم تحسم الدول العربية خياراتها تجاه إيران، أكان بمواصلة التصادم والمواجهة، ولهذه خيارات محددة يجب على العرب تنسيقها وضمان قدرتها على الفعالية والتأثير، أو الانفتاح على طهران، ولهذا أيضا خياراته وأدواته.
بالتجربة، لم تنجح السعودية في تشكيل تحالف عربي سني لمواجهة النفوذ الإيراني، وكانت المعضلة اليمنية، اختبارا بالذخيرة الحية، إذ انفضت باكستان وتركيا، وبشكل مؤكد مصر، وبشكل موارب الأردن والإمارات، ودول المغرب، عن التحالف الذي حاولت السعودية صياغته.
ويبدو أن السعودية أدركت ذلك، وقد تكون زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى روسيا أخيرا واجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأسيسا لنمط سياسي ودبلوماسي سعودي يريد أن يوازن بعض الملفات، خشية أن يكون المطلوب تورط الرياض أكثر وأكثر في ملفات تستنزفها ماليا وأمنيا تمهيدا لأمر ما مقبل.
ولا شك أن الدول العربية لا تملك تقديرا واحدا تجاه إيران، ولا تملك استراتيجية واحدة، ولا يبدو انها سعت إلى ذلك، فلكل دولة حساباتها ومقاربتها الخاصة، وإيران تدرك ذلك جيدا وتملك القدرة على أن تلعب على هذه التناقضات بما يفيد مصالحها.
إيران تدرك ذلك، وتدرك أكثر أن نطاق مصالح أميركا قد لا يتطابق دائما مع مصالح الدول العربية، فنطاق مصالحها غير متماثل مع نطاق مصالح العرب، وقد اختبرت إيران ذلك بتنسيق سياساتها مع أميركا في العراق وافغانستان.
وتعي أيضا، أن أميركا تضع محاربة تنظيم الدولة الإسلامية على رأس أولوياتها، بخلاف السعودية التي تريد تكريس أن الأولوية متمثلة في نفوذ إيران وخطرها.
على هذا الأساس، فإيران تلتقي مع أميركا في شق محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا الالتقاء يساعد على التقريب بين البلدين، وواشنطن تعي من الناحية الواقعية، أن لإيران نفوذا في المنطقة لا يمكن إنكاره ولديها تأثير على الشيعة لا يمكن استئصاله.
وإلى أن يخرج العرب من صدمة الاتفاق النووي، ويبدأوا في تقييم الضرر، ومن ثم بناء مقاربة باتجاه ما، فإيران لديها خياراتها وتعرف ماذا تريد، تماما كما إسرائيل التي ترفع عويلها بهدف أساسي وهو ابتزاز أميركا بمساعدات ضخمة تعويضية عن الاتفاق.
وإسرائيل ستستفيد من الاتفاق بلجوء أنظمة عربية للتحالف معها، بوصفها "الدولة" الأكثر قدرة على مجابهة النفوذ الإيراني، والأكثر تأثيرا على واشنطن لكبح جماح اندفاعها تجاه طهران.
هل سيغير الاتفاق وجه المنطقة..؟
نسبيا، نعم سيغير من وجه المنطقة، ومن فعالية أميركا في المنطقة، وسيعدل من تموضع العديد من الدول، وينقل بعضها من فاعل أساسي إلى ثانوي، وبالعكس، وسيضع إيران قوة أساسية في المنطقة، سياسيا واقتصاديا.
وسيؤسس الاتفاق النووي، لما بعده، وسيمنح إيران قدرا كبيرا من الفعالية لتعزيز نفوذها، وانتزاع دور معترف به، وسيكشف الضعف العربي، وفشله في تصميم استراتيجية مجابهة تحمي دوره ونفوذه، وقد يجد نفسه في حالة انكشاف تام لإيران.
باختصار، إيران كسبت، والرئيس الأميركي باراك أوباما وصل إلى نهاية استراتيجيته تجاه إيران، وهي الاستراتيجية التي كشف تفاصيلها المسؤول الأميركي السابق مايكل دوران في دراسة مطولة أكدت أن أوباما امتلك منذ 2009 استراتيجية للاتفاق مع إيران، وانه لم يكن غبيا ولا مضطربا في سياسته تجاهها.
قد تنتهي "الصفقة الكبرى" إلى تقسيم الإقليم إلى مناطق نفوذ بين إيران وإسرائيل، بعد أن أخذ نفوذ السعودية يتآكل، وفقد حزب العدالة والتنمية التركي قوته بخسارة الأغلبية المطلوبة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو ما من شأنه فرض قيود على سياسة أنقرة الخارجية.
بالتقييم المبدأي لـ"الصفقة الكبرى"، كسبت إيران، بتوقيعها الاتفاق النووي مع مجموعة (خمسة زائد واحد) رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عنها، وبما يمهد إعادة توصيف دورها السياسي، وإدماجها في المجتمع الدولي.
وكسبت أن تجاوزت مطلبا غربيا رئيسيا، شدد، منذ البداية، على تفكيك برنامجها النووي، فانتهى ذلك التشدد إلى الخضوع والقبول ببقاء هذه البرنامج كاملا مع تعديلات هدفت إلى ضمان سلميته وعدم تحوله إلى برنامج عسكري.
والاتفاق النووي، لا يعني انكفاء المشروع السياسي الإيراني الإقليمي، بل إنه يمنح هذا الدور قوة إضافية، لانه يوفر له دعما ماليا ضخما، ويمنح إيران فرصة كبيرة لتوسيع نفوذها في المنطقة والإقليم.
والقلق، العربي والإسرائيلي، ليس من أن الاتفاق يبقي على إيران عند "العتبة النووية" فقط، بل من توسع دورها وحضورها الإقليمي والدولي، خصوصا وانها تملك أذرعة فاعلة في أغلب الدول العربية.
وهي أذرعة لم تنتجها وتتقارب معها طهران حديثا، بل منذ سنوات طويلة، إذ كان في ذهنها استراتيجية محكمة تضمن تأثيرها ونفوذها داخل دول عربية، وعبر مكونات شيعية أصيلة داخل هذه الدول.
أي إن إيران خرجت، بالاتفاق النووي، من حصار دام نحو ثلاثين عاما، ورغم تكيفها معه، فهي عانت، وتعتقد الآن أن بمقدورها أن تؤسس لانطلاقة سياسية جديدة، تدعمها إمكانات اقتصادية ومالية ضخمة.
والعديد من الدول، التي كانت تقف موقفا معاديا أو محايدا، ولو نسبيا، من إيران، ستعيد تموضعها من جديد، بحكم الأمر الواقع، فالغرب سيتسابق لأخذ حصته من "الفورة" الاقتصادية الإيرانية، ودول إقليمية (تركيا وباكستان) التي راهنت عليها السعودية، بدأت تمد بصرها إلى إيران لأخذ حصتها، وتحتاجان إلى نفط إيران وغازها.
أين أخطأ العرب..؟!
الخطأ الاستراتيجي العربي تمثل في عدم وجود أو تطوير مقاربة تتعامل مع سيناريو توصل الغرب إلى اتفاق مع إيران، لذلك برزت مواقف العرب، إما منافقة وإما مهتزة، وتعبر عن قلق وخشية، لكن دون أدوات فعالة وقادرة على استيعاب التطور الكوني، الذي أتى به الاتفاق النووي.
والخطأ الآخر في المراهنة كليا على الولايات المتحدة، وسط ظن عربي أن أميركا حليف عضوي لها، ولا يمكنها أن تنحاز لتفاهم مع إيران لا يأخذ مصالحها كاملة بالاعتبار، كما أن واشنطن ستأخذ مصالح إيران في سوريا والعراق وهو ما قد ينعكس على حلول مشاكل البلدين.
وبينما تتكىء السعودية، وأغلب دول الخليج، على النفط كمورد رئيسي لموازناتها، وبمقدار يقارب الـ 90%، فإيران، وبسبب الحصار، لا تتكىء على النفط إلاّ بنسبة تقارب الـ 30% فقط، أي أن إيران طورت اقتصاديات متنوعة، ساعدت في تجاوزها قيمة وأهمية النفط، كمورد رئيسي، وهو الآن سيكون رافعة مهمة جدا في تقوية اقتصادها وتوسيع نفوذها.
فنفطها وغازها، قد يكون البديل للنفط والغاز الروسي، بالنسبة لأميركا وأوروبا، وربما هذه واحدة من أهم مصادر القلق الروسي من نتائج رفع الحظر عن إيران، رغم أنهما شريكان سياسيان واقتصاديان لسنوات طويلة.
والخطأ التاريخي العربي، قد يتواصل، وتكون كلفته عالية جدا، إن لم تحسم الدول العربية خياراتها تجاه إيران، أكان بمواصلة التصادم والمواجهة، ولهذه خيارات محددة يجب على العرب تنسيقها وضمان قدرتها على الفعالية والتأثير، أو الانفتاح على طهران، ولهذا أيضا خياراته وأدواته.
بالتجربة، لم تنجح السعودية في تشكيل تحالف عربي سني لمواجهة النفوذ الإيراني، وكانت المعضلة اليمنية، اختبارا بالذخيرة الحية، إذ انفضت باكستان وتركيا، وبشكل مؤكد مصر، وبشكل موارب الأردن والإمارات، ودول المغرب، عن التحالف الذي حاولت السعودية صياغته.
ويبدو أن السعودية أدركت ذلك، وقد تكون زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى روسيا أخيرا واجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأسيسا لنمط سياسي ودبلوماسي سعودي يريد أن يوازن بعض الملفات، خشية أن يكون المطلوب تورط الرياض أكثر وأكثر في ملفات تستنزفها ماليا وأمنيا تمهيدا لأمر ما مقبل.
ولا شك أن الدول العربية لا تملك تقديرا واحدا تجاه إيران، ولا تملك استراتيجية واحدة، ولا يبدو انها سعت إلى ذلك، فلكل دولة حساباتها ومقاربتها الخاصة، وإيران تدرك ذلك جيدا وتملك القدرة على أن تلعب على هذه التناقضات بما يفيد مصالحها.
إيران تدرك ذلك، وتدرك أكثر أن نطاق مصالح أميركا قد لا يتطابق دائما مع مصالح الدول العربية، فنطاق مصالحها غير متماثل مع نطاق مصالح العرب، وقد اختبرت إيران ذلك بتنسيق سياساتها مع أميركا في العراق وافغانستان.
وتعي أيضا، أن أميركا تضع محاربة تنظيم الدولة الإسلامية على رأس أولوياتها، بخلاف السعودية التي تريد تكريس أن الأولوية متمثلة في نفوذ إيران وخطرها.
على هذا الأساس، فإيران تلتقي مع أميركا في شق محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا الالتقاء يساعد على التقريب بين البلدين، وواشنطن تعي من الناحية الواقعية، أن لإيران نفوذا في المنطقة لا يمكن إنكاره ولديها تأثير على الشيعة لا يمكن استئصاله.
وإلى أن يخرج العرب من صدمة الاتفاق النووي، ويبدأوا في تقييم الضرر، ومن ثم بناء مقاربة باتجاه ما، فإيران لديها خياراتها وتعرف ماذا تريد، تماما كما إسرائيل التي ترفع عويلها بهدف أساسي وهو ابتزاز أميركا بمساعدات ضخمة تعويضية عن الاتفاق.
وإسرائيل ستستفيد من الاتفاق بلجوء أنظمة عربية للتحالف معها، بوصفها "الدولة" الأكثر قدرة على مجابهة النفوذ الإيراني، والأكثر تأثيرا على واشنطن لكبح جماح اندفاعها تجاه طهران.
هل سيغير الاتفاق وجه المنطقة..؟
نسبيا، نعم سيغير من وجه المنطقة، ومن فعالية أميركا في المنطقة، وسيعدل من تموضع العديد من الدول، وينقل بعضها من فاعل أساسي إلى ثانوي، وبالعكس، وسيضع إيران قوة أساسية في المنطقة، سياسيا واقتصاديا.
وسيؤسس الاتفاق النووي، لما بعده، وسيمنح إيران قدرا كبيرا من الفعالية لتعزيز نفوذها، وانتزاع دور معترف به، وسيكشف الضعف العربي، وفشله في تصميم استراتيجية مجابهة تحمي دوره ونفوذه، وقد يجد نفسه في حالة انكشاف تام لإيران.
باختصار، إيران كسبت، والرئيس الأميركي باراك أوباما وصل إلى نهاية استراتيجيته تجاه إيران، وهي الاستراتيجية التي كشف تفاصيلها المسؤول الأميركي السابق مايكل دوران في دراسة مطولة أكدت أن أوباما امتلك منذ 2009 استراتيجية للاتفاق مع إيران، وانه لم يكن غبيا ولا مضطربا في سياسته تجاهها.
قد تنتهي "الصفقة الكبرى" إلى تقسيم الإقليم إلى مناطق نفوذ بين إيران وإسرائيل، بعد أن أخذ نفوذ السعودية يتآكل، وفقد حزب العدالة والتنمية التركي قوته بخسارة الأغلبية المطلوبة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو ما من شأنه فرض قيود على سياسة أنقرة الخارجية.