"كلمة السر" في تغييرات الموقف التركي.. !!
راكان السعايدة
جو 24 :
أسس التفجير الذي شهدته منطقة سروج الكردية في تركيا لتحولات كبرى في سياسة أنقرة التي يقودها، إلى الآن، حزب العدالة والتنمية، وتحديدا زعيمه الرئيس "رجب طيب أردوغان".
ولأي استغراب، من عدم إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عن التفجير بخلاف نهجه في كل عملياته، وجاهتُه وأهميته، لكن عدم الإعلان من طرف "داعش" لم يمنع السلطات التركية من نسب التفجير للتنظيم.
بكل الأحوال، وبصرف النظر عما إذا كان تنظيم "داعش" هو الذي نفذ التفجير بقرار مستقل منه، أم بتنسيق مع طرف ما، أم نفذه طرف ثالث، فان الحزب ورئيسه "أردوغان" وظفا التفجير لتحقيق هدفين مركزيين رئيسين:
الهدف (1): إعادة خلط أوراق الداخل التركي، بعد أن مني "العدالة والتنمية" بهزيمة انتخابية كبيرة، وصادمة، عندما فشل في الوصول إلى اغلبية في انتخابات مجلس الشعب (276 مقعدا) تمكنه من تشكيل حكومة منفردة، وهو الحد الأدنى الذي سعى إليه "أردوغان" بعد أن كان يطمح إلى أغلبية الثلثين (330 مقعدا) لتغيير الدستور لتغيير نظام الحكم التركي من برلماني إلى رئاسي.. فالمقاعد الـ(258) التي حصل عليها الحزب لا تمكنه من تشكيل حكومة إلاّ بالاشتراك مع حزب آخر.
وفي سياق الهدف (1) فان "أردوغان" وحزبه يريدان توظيف حادثة الانفجار، داخليا لتحجيم كل خصومه، ولتحقيق سلسلة أهداف بينها:
أولا: شطب، ولو مؤقتا، المصالحة مع المكون الكردي، والذي بفوز حزبه "الشعوب الديمقراطي" قلص طموحات "أردوغان" لأن الحزب الكردي سحب من رصيد "التنمية والعدالة" الانتخابي.
ثانيا: يريد "أردوغان" ضرب كل القوى التي تحالفت ضد حزبه، من يساريين وقوميين وما يسمى الكيان الموازي"، وتفاهمات الكرد والعلويين الأتراك، والأهم، إحداث شرخ كبير بين الأكراد المناصرين ل"العدالة والتنمية" والأكراد المناصرين لحزب العمال الكردستاني المعارض وذراعه السياسي حزب "الشعوب الديمقراطي".
ثالثا: أن يعود "التنمية والعدالة" الحامي والمدافع عن القومية التركية، التي اتهم، بانفتاحه عن الكرد، بالتنازل عنها، فأراد "اردوغان" بخطواته الأخيرة، سحق منافسيه وعلى رأسهم حزب الحركة القومية المعارض للمصالحة مع الأكراد، وإحداث التفاف شعبي كبير حول حزبه خصوصا بين الأتراك القوميين.
رابعا: كل هذه الخطوات يريد منها "أردوغان" أن تمهد لانتخابات برلمانية مبكرة تعيد إليه السيطرة على البرلمان، على أمل أن يحقق غايتين: تشكيل حكومة منفردة من حزب "العدالة والتنمية"، وتغيير الدستور للعمل بالنظام الرئاسي لا البرلماني، لكن على الأقل يريد ضمان حكومة تشكل من حزبه دون شركاء.
خامسا: كي يمهد "أردوغان" للانتخابات المبكرة، فهو يؤكد انه لن يقبل حكومة ائتلافية هشة، وهي الحكومة المرجح أن تتم بين "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري"، وعلى الرغم من أن فرصة تشكيل حكومة ائتلافية مسألة صعبة، ولا يريدها "أردوغان"، فهو قد يقبل تشكيل حزبه حكومة أقلية قصيرة الوقت تحضر لانتخابات برلمانية جديدة.
الهدف (2): بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول (5+1) توافقت التقييمات السياسية التركية على أن المنطقة سيعاد صياغتها سياسيا، وربما جغرافيا، وأن تسويات ستتم عبر تفاهمات بين أميركا وروسيا وإيران، وبالتالي أراد "أردوغان" الجلوس على طاولة تسوية أزمات الإقليم وعلى رأسها الأزمة السورية، وكل الأزمات الحيوية بالنسبة للمصالح التركية.
هنا، من المرجح أن التالي حدث، وسيكون له تداعياته:
أولا: أن تركيا شعرت بتقارب أميركي- إيراني سيتصاعد بعد توقيع الاتفاق النووي، وان أوروبا تتحرك لإقامة علاقات مصلحية اقتصادية مع طهران، وأن هذا التقارب سيجعل إيران لاعبا أساسيا في المنطقة، وأن تسوية القضايا الإقليمية لن يكون بعيدا عنها، بل ستكون الشريك الأكبر إقليميا، خصوصا في مناوأة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
ثانيا: ولتقطع أنقرة الطريق على تفرد طهران بالتسويات مع واشنطن، انخرطت في تفاهمات، على عدة ملفات مع الإدارة الأميركية، لتضمن، أي تركيا، أن تكون حاضرة وبقوة في ملفات المنطقة، وأن تكون لاعبا أساسيا لا ثانويا، بحيث تضمن مصالحها خصوصا في سوريا.
ثالثا: التفاهم التركي الأميركي، تم على ثلاثة ملفات: 1- محاربة تنظيم "داعش" وهو الملف الأساسي بالنسبة لأميركا. و2- التغطية السياسية الأميركية لاستهداف "العدالة والتنمية" لحزب العمال الكردستاني، وضرب أي فرصة، عبر العمليات العسكرية وإقامة المناطق الآمنة، لإقامة الحزب الكردي السوري (الاتحاد الديمقراطي) كيانا، في سوريا، مشابها لكردستان العراق. و(3) تفهُّم تركيا لأجندة أميركا في العراق، والتي تريد ضمان مسار آمن لسوريا ينتهي بإبعاد الأسد عن الحكم، وهو ما تريده تركيا، وكان سببا في خلاف أميركي- تركي لسنوات، بسبب تقديم الأخيرة إطاحة الأسد على محاربة "داعش".
رابعا: الملفات الثلاثة، مترابطة وليست منفصلة، أدت إلى تفاهم تركي- أميركي، مكن واشنطن أخيرا من إغلاق بوابة أنقرة بوجه تنظيم "داعش" الذي كان يعتمد لفترة قريبة على الحدود التركية لانتقال "المجاهدين" والسلاح، وكذلك تمكينها من استخدام قاعدة "انجرليك" في عملياتها الجوية.
هذان الهدفان، الانتخابات البرلمانية المبكرة، وإعادة التموضع التركي بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، هي كلمة السر الأساس في تحول الموقف التركي، فـ"أردوغان" سيحقق بعض أهدافه، منها، خصوصا في البعد الداخلي.
لكن حسابات المصالح التي جعلت "أردوغان" يقفز هذه الخطوات الكبيرة، ربما لا تُبعد عن تفكيره احتمالية أن تكون لدى طرف آخر (أميركا مثلا) نوايا مخفية حيال بلاده، قائمة على توظيفها مؤقتا في قضايا محددة بذات الوقت الذي تُجرّ فيه إلى مستنقع سوريا لاستنزافها، داخليا، وإضعاف حزب "العدالة والتنمية" تمهيدا لتمكين العلمانيين والليبراليين من حكم تركيا مستقبلا..
وإذا ما كان "أردوغان" متحسب لهذه الفرضية، فهو بالتأكيد سينسق أجندته بشكل محكم كي لا يتورط، أو يتم توريطه، في متوالية أزمات تنتهي به عبئا على تركيا.
ولأي استغراب، من عدم إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عن التفجير بخلاف نهجه في كل عملياته، وجاهتُه وأهميته، لكن عدم الإعلان من طرف "داعش" لم يمنع السلطات التركية من نسب التفجير للتنظيم.
بكل الأحوال، وبصرف النظر عما إذا كان تنظيم "داعش" هو الذي نفذ التفجير بقرار مستقل منه، أم بتنسيق مع طرف ما، أم نفذه طرف ثالث، فان الحزب ورئيسه "أردوغان" وظفا التفجير لتحقيق هدفين مركزيين رئيسين:
الهدف (1): إعادة خلط أوراق الداخل التركي، بعد أن مني "العدالة والتنمية" بهزيمة انتخابية كبيرة، وصادمة، عندما فشل في الوصول إلى اغلبية في انتخابات مجلس الشعب (276 مقعدا) تمكنه من تشكيل حكومة منفردة، وهو الحد الأدنى الذي سعى إليه "أردوغان" بعد أن كان يطمح إلى أغلبية الثلثين (330 مقعدا) لتغيير الدستور لتغيير نظام الحكم التركي من برلماني إلى رئاسي.. فالمقاعد الـ(258) التي حصل عليها الحزب لا تمكنه من تشكيل حكومة إلاّ بالاشتراك مع حزب آخر.
وفي سياق الهدف (1) فان "أردوغان" وحزبه يريدان توظيف حادثة الانفجار، داخليا لتحجيم كل خصومه، ولتحقيق سلسلة أهداف بينها:
أولا: شطب، ولو مؤقتا، المصالحة مع المكون الكردي، والذي بفوز حزبه "الشعوب الديمقراطي" قلص طموحات "أردوغان" لأن الحزب الكردي سحب من رصيد "التنمية والعدالة" الانتخابي.
ثانيا: يريد "أردوغان" ضرب كل القوى التي تحالفت ضد حزبه، من يساريين وقوميين وما يسمى الكيان الموازي"، وتفاهمات الكرد والعلويين الأتراك، والأهم، إحداث شرخ كبير بين الأكراد المناصرين ل"العدالة والتنمية" والأكراد المناصرين لحزب العمال الكردستاني المعارض وذراعه السياسي حزب "الشعوب الديمقراطي".
ثالثا: أن يعود "التنمية والعدالة" الحامي والمدافع عن القومية التركية، التي اتهم، بانفتاحه عن الكرد، بالتنازل عنها، فأراد "اردوغان" بخطواته الأخيرة، سحق منافسيه وعلى رأسهم حزب الحركة القومية المعارض للمصالحة مع الأكراد، وإحداث التفاف شعبي كبير حول حزبه خصوصا بين الأتراك القوميين.
رابعا: كل هذه الخطوات يريد منها "أردوغان" أن تمهد لانتخابات برلمانية مبكرة تعيد إليه السيطرة على البرلمان، على أمل أن يحقق غايتين: تشكيل حكومة منفردة من حزب "العدالة والتنمية"، وتغيير الدستور للعمل بالنظام الرئاسي لا البرلماني، لكن على الأقل يريد ضمان حكومة تشكل من حزبه دون شركاء.
خامسا: كي يمهد "أردوغان" للانتخابات المبكرة، فهو يؤكد انه لن يقبل حكومة ائتلافية هشة، وهي الحكومة المرجح أن تتم بين "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري"، وعلى الرغم من أن فرصة تشكيل حكومة ائتلافية مسألة صعبة، ولا يريدها "أردوغان"، فهو قد يقبل تشكيل حزبه حكومة أقلية قصيرة الوقت تحضر لانتخابات برلمانية جديدة.
الهدف (2): بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول (5+1) توافقت التقييمات السياسية التركية على أن المنطقة سيعاد صياغتها سياسيا، وربما جغرافيا، وأن تسويات ستتم عبر تفاهمات بين أميركا وروسيا وإيران، وبالتالي أراد "أردوغان" الجلوس على طاولة تسوية أزمات الإقليم وعلى رأسها الأزمة السورية، وكل الأزمات الحيوية بالنسبة للمصالح التركية.
هنا، من المرجح أن التالي حدث، وسيكون له تداعياته:
أولا: أن تركيا شعرت بتقارب أميركي- إيراني سيتصاعد بعد توقيع الاتفاق النووي، وان أوروبا تتحرك لإقامة علاقات مصلحية اقتصادية مع طهران، وأن هذا التقارب سيجعل إيران لاعبا أساسيا في المنطقة، وأن تسوية القضايا الإقليمية لن يكون بعيدا عنها، بل ستكون الشريك الأكبر إقليميا، خصوصا في مناوأة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
ثانيا: ولتقطع أنقرة الطريق على تفرد طهران بالتسويات مع واشنطن، انخرطت في تفاهمات، على عدة ملفات مع الإدارة الأميركية، لتضمن، أي تركيا، أن تكون حاضرة وبقوة في ملفات المنطقة، وأن تكون لاعبا أساسيا لا ثانويا، بحيث تضمن مصالحها خصوصا في سوريا.
ثالثا: التفاهم التركي الأميركي، تم على ثلاثة ملفات: 1- محاربة تنظيم "داعش" وهو الملف الأساسي بالنسبة لأميركا. و2- التغطية السياسية الأميركية لاستهداف "العدالة والتنمية" لحزب العمال الكردستاني، وضرب أي فرصة، عبر العمليات العسكرية وإقامة المناطق الآمنة، لإقامة الحزب الكردي السوري (الاتحاد الديمقراطي) كيانا، في سوريا، مشابها لكردستان العراق. و(3) تفهُّم تركيا لأجندة أميركا في العراق، والتي تريد ضمان مسار آمن لسوريا ينتهي بإبعاد الأسد عن الحكم، وهو ما تريده تركيا، وكان سببا في خلاف أميركي- تركي لسنوات، بسبب تقديم الأخيرة إطاحة الأسد على محاربة "داعش".
رابعا: الملفات الثلاثة، مترابطة وليست منفصلة، أدت إلى تفاهم تركي- أميركي، مكن واشنطن أخيرا من إغلاق بوابة أنقرة بوجه تنظيم "داعش" الذي كان يعتمد لفترة قريبة على الحدود التركية لانتقال "المجاهدين" والسلاح، وكذلك تمكينها من استخدام قاعدة "انجرليك" في عملياتها الجوية.
هذان الهدفان، الانتخابات البرلمانية المبكرة، وإعادة التموضع التركي بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، هي كلمة السر الأساس في تحول الموقف التركي، فـ"أردوغان" سيحقق بعض أهدافه، منها، خصوصا في البعد الداخلي.
لكن حسابات المصالح التي جعلت "أردوغان" يقفز هذه الخطوات الكبيرة، ربما لا تُبعد عن تفكيره احتمالية أن تكون لدى طرف آخر (أميركا مثلا) نوايا مخفية حيال بلاده، قائمة على توظيفها مؤقتا في قضايا محددة بذات الوقت الذي تُجرّ فيه إلى مستنقع سوريا لاستنزافها، داخليا، وإضعاف حزب "العدالة والتنمية" تمهيدا لتمكين العلمانيين والليبراليين من حكم تركيا مستقبلا..
وإذا ما كان "أردوغان" متحسب لهذه الفرضية، فهو بالتأكيد سينسق أجندته بشكل محكم كي لا يتورط، أو يتم توريطه، في متوالية أزمات تنتهي به عبئا على تركيا.