jo24_banner
jo24_banner

السعودية و"حماس": من يوظف الآخر..!!

راكان السعايدة
جو 24 : للانفتاح السعودي على حركة حماس، ممهدات، فقد أسس للتلاقي بعد وفاة الملك "عبد الله بن عبد العزيز"، وتسلم شقيقه "سلمان" الحكم. فرئيس الحركة "خالد مشعل" زار سفارة السعودية في قطر معزيا، وأوج التلاقي تمثل في زيارته الرياض، واجتماعه بمسؤولين فيها.

ولفهم سياق تنامي العلاقة بين الرياض و"حماس"، وإطارها سعوديا، لابد من أخذ أمرين بالاعتبار:

الأول: شرعت السعودية، أخيرا، في اتصالات بمستويات مختلفة مع أطراف في الإخوان المسلمين؛ (التجمع اليمني للإصلاح)، وسبق أن سمحت لرئيس حركة النهضة التونسية "راشد الغنوشي" بالمشاركة في عزاء الملك الراحل، واستقبلت لاحقا القيادي الإخواني اليمني البارز "عبد المجيد الزنداني".

الثاني: بروز تفاهمات بين السعودية مع قطر وتركيا، بما تمثله الأخيرتان من ثنائية أساسية في المحور الداعم لجماعة الإخوان، والند الأساس للمحور الإماراتي- المصري- الأردني، الذي كانت الرياض إلى ما قبل وفاة الملك "عبد الله" في قلبه وأحد أهم مكوناته.

تؤشر تقييمات وتحليلات واقعية، إلى أن السعودية متأثرة بضغوطات لتغيير مقاربتها تجاه الإخوان، بما فيهم "حماس"، أبرزها:

أولا: أراد العهد السعودي الجديد أن يقطع، بدرجة معتبرة، مع العهد السابق، أي أنه أراد أن يفكك، جزئيا، منظومة تحالفات بناها العهد السابق، وتركزت أساسا في أجندة واحدة مع الإمارات والأردن ومصر، فالتغييرات التي جرت في القصر الملكي وعلى مستوى الوزراء إشارات لمقاربة جديدة بين مختلف التحالفات الإقليمية، بينما هي أقرب، ولو نسبيا، إلى قطر وتركيا.. وفي ذهن القيادة الحالية أن حلفاء العهد السابق كانوا أميل إلى استمرار السياسة السعودية ذاتها بما يعنيه ذلك من إبقاء السلطة بين رجال ذلك العهد، لكن ذلك لن يؤثر في مسعى السعودية لموازنة علاقاتها الخارجية مع كل الأطراف.

ثانيا: وبالتبعية للنقطة السابقة، مارست قطر وتركيا، ضغوطها على السعودية للتقرب من الإخوان المسلمين، وتخفيف العداء تجاههم، وبرز ذلك في ضغط مارسته الرياض على القاهرة لخفض تصادمها مع "حماس" بتخفيف اغلاق معبر رفح، والتراجع عن تصنيف "القسام" كتنظيم إرهابي، كما تداولت وسائل إعلام أن السعودية أفرجت عن اعضاء من حماس بعد زيارة "مشعل" لكن لم يصدر عن الرياض تأكيد رسمي بذلك.

ثالثا: بعيدا عن الرغبات القطرية والتركية، على أهميتها، فان السعودية بدا وكأنها توصلت إلى تقييمات ذاتية وغير نهائية، خلصت إلى حاجتها إلى "الإخوان" وضرورة إعادة إنتاج دورهم، كما فعلت ذلك في مجابهتها "جمال عبد الناصر".

واقعيا، تخطط السعودية، وتعمل، على حشد المكونات السنية، دولا وتنظيمات إسلامية (غير "داعش" و"القاعدة") لصد تهديدات وجودية متنوعة تواجهها، متمثلة أساسا، وكأولوية بالنسبة لها، بإيران وقوى شيعية متحالفة معها في اليمن والعراق سوريا، فضلا عن وجود شيعي معتبر داخل منظومة دول الخليج والسعودية ذاتها.

الملاحظة، انه برغم انفتاح الرياض، بحدود، على "الإخوان"، بداية الأمر، إلاّ ان العلاقة بقيت في مستوياتها العادية، فلا هي بالانفتاح الكامل ولا هي بمستوى عداء العهد السابق، لكن تسارعا وتوسعا منضبطا في نطاق العلاقة يتنامى، نسبيا، غداة التصادم العسكري السعودي مع الحوثيين في اليمن.

وبقدر ما يعد الانفتاح السعودي على "الإخوان" علامة بارزة، إلاّ ان الأبرز والأهم، والذي له دلالات، هو الانفتاح الواسع على حماس، واستقبال الرياض وفدا رفيعا ترأسه "مشعل"، والسعودية لم تقدم على هذه الخطوة خارج سياق استراتيجي من حيث:

أولا: إدراك السعودية ان العلاقة بين "حماس" وإيران، علاقة عميقة وقوية، برغم الخلاف على الملف السوري، وأن إيران تستفيد من "حماس"، كما "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة، لكسر الصبغة الطائفية عنها، بوصفهما، أي "حماس" و"الجهاد"، تنظيمات سنية مقاومة، وكسبهما يسهم في نفوذها الإقليمي.

ثانيا: تملك حماس شعبية كبيرة، في (الضفة وقطاع)، وعلى نطاق عربي، وحتى عالمي، وبالتالي فان كسب "حماس" إلى الصف السعودي يمنحها المزيد من الشعبية، ويمنعها عن إيران ويجعلها في حالة انكشاف في الإطار الإسلامي السني.

ثالثا: تدير حماس قوة عسكرية على درجة من الاحترافية، والخبرة في حرب المدن والجبال، وهي قوة تحتاجها السعودية في غير مكان، على رغم نفي "حماس" خوضها معركة السعودية ضد الحوثيين، وتحديدا نفيها ما تسرب عن طلب السعودية 700 مقاتل من "القسام" للانخراط في مواجهة مباشرة مع الحوثيين.

رابعا: يمكن للسعودية أن تقوي علاقتها مع "حماس" بما يساعد "إسرائيل" في الوصول إلى تفاهمات معها، خصوصا وانه كثر الحديث عن هدنة لخمس سنوات، مقابل تخفيف الحصار وإعادة الإعمار، وربما تريد السعودية هذا المكسب للتقارب من "إسرائيل" بوصفها خصما أساسيا لإيران وأداة ضغط على أميركا.

في مقابل فائدة السعودية نتيجة تقاربها مع "حماس"، فان الأخيرة تستهدف تحقيق عدة مصالح في آن:

أولا: "حماس" تحتاج دعم الدوحة وانقرة، وليس بمقدورها ان تتجاوز أي من العاصمتين، وتحديدا من طرف قطر المستضيف والداعم المهم لـ"حماس"، والدوحة ترى في التقريب بين الرياض و"حماس" انتصارا سياسيا وإعلاميا، على خصومها من الدول المعارضة لـ"الإخوان".

ثانيا: تتوقع "حماس" من تقاربها مع السعودية كسب دعم متنوع، بخاصة من الناحية المادية للتعامل مع الضائقة المالية التي تعانيها لتقلص دعم إيران، والأهم، تريد من الرياض أن تمارس ضغطا قويا على نظام مصر ليفتح، بشكل مستمر، معبر رفح ووقف استهدافها، أمنيا وسياسيا وإعلاميا وقضائيا.. فـ"حماس" تدرك أن تأثير الرياض على القاهرة، أقوى بكثير من أي تأثير محتمل لإيران، على الأقل في المراحلة الحالية، لكن في الأشهر المقبلة وبعد ظهور فوائد رفع العقوبات عن إيران بعد توقيعها اتفاقية نووية مع الغرب قد تتغير السياقات.

ثالثا: "حماس" تحتاج إلى غطاء سياسي لأي تفاهمات مع "إسرائيل" بشأن أي هدنة محتملة، والرياض بمقدورها توفير هذا الغطاء لوزنها وثقلها في المنطقة والإقليم، وعلى النطاق الدولي.

بالقراءة الواقعية، يرجح أن "حماس" تتعامل مع السعودية على أساس "تكتيكي"، وأن التقارب بين الطرفين مصلحي مؤقت، فرضته ظروف المنطقة والإقليم، ولا يمكن أن تقدم "حماس" على قطع كامل مع إيران، لإدراكها أن تبدل السياسة السعودية، تجاهها والإخوان، مسألة محتملة وواردة بعد انتهاء الدور الذي تريده منهما، لكن مصالح طهران مع "حماس" استراتيجية طويلة المدى، برغم العتب الإيراني الشديد على سلوك حماس وتقاربها مع الرياض.

والسعودية ذاتها، وإن لم تحسم سياسة راسخة بعد، ولا تزال تقارب التطورات والتحالفات، فهي ليست بوارد إحداث انقلاب كبير في سياستها تجاه "الاخوان" و"حماس"، وإنما تسعى إلى موازنتها قدر الإمكان، في سياق بناء أوسع تحالف ممكن لمناوأة إيران والحد من نفوذها، وبشكل اساسي تهديدها الوجودي للسعودية، وفي أقله تهديدها لنفوذها وزعامتها للعالم الإسلامي والسني تحديدا.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير