2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

حرب الغاز..!!

راكان السعايدة
جو 24 : تنتظر إيران، المالكة لأكبر احتياطي عالمي، بدء إنتاج الغاز، بالطاقة القصوى، لتشعل حربا تنافسية، تلقائية في بعضها ومفتعلة في بعضها الآخر، مع كبار المنتجين. فإيران المغيبة لسنوات عن هذا السوق، بفعل العقوبات الدولية، تخطط لاستثمارات ضخمة تستخرج هذه السلعة من مكامنها، وللانقضاض على شبكات زبائن دول منتجة أخرى، والتأسيس لشبكة أنابيب تنتقي مساراتها بعناية لتحقق جملة أهداف اقتصادية وسياسية.

في العموم، أربعة سيناريوهات تنتظر مستقبل الغاز الإيراني:
أولها: أن تنفتح طهران على كل أسواق الغاز في العالم.
وثانيها: أن تنفتح على كل أسواق العالم مع تركيز أكثر على أسواق بعينها.
وثالثها: أن تذهب بغازها إلى السوق الآسيوي.
ورابعها: أن تركز على السوق الأوروبي.

إن تفضيل أي من السيناريوهات، أو الخيارات، يعتمد بكليته، على استراتيجية إيران السياسية، وطبيعة حركتها، وبأي الاتجاهات، وأي التحالفات تفضل. فالغاز، كما النفط، هو عند إيران أداة سياسية تحقق من خلالها النفوذ والدور وأداة اقتصادية تحسن مالية الدولة لدعم القاعدة الشعبي والحلفاء والوكلاء.

السيناريو الثاني، أي سيناريو الانفتاح على أسواق العالم مع تركيز منتقى على أسواق بعينها، هو الأقرب للواقع، لأن ذلك يساعد إيران في تصميم مسار سياسي، مصلحي، طويل المدى، ومثل هذا المسار سيعني لها، بالضرورة، خفض فرص تصادم مصالح قوي بينها وبين روسيا.

وإيران المتأكدة من أن غازها يغري عديد الشركات، لا تنشغل بمسألة استقطابها، ولا يشغلها أين تسوق غازها، أو أي الاسواق متاحة لها، فهذه مسألة يمكن التعامل معها لكثرة الراغبين بالشراء واتساع نطاقهم.. فما يشغلها هو كيف تدير هذا الملف سياسيا، دون أن إصابة العلاقة مع روسيا بالعطب؟.

وروسيا، بالحسابات الإيرانية، حليف يتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن يعتمد عليها في أي منزلق أو مأزق. وطهران التي خبرت موسكو في مسار العقوبات الدولية، وخبرتها في الأزمتين السورية والليبية، وخبرت دورها في الاتفاقية النووية، لا يمكنها أن تسير في مسار تصادمي معها، بل ستكون معنية بنوع من التكامل والتعاون بينهما، وبما يبقي موسكو ذخرا استراتيجيا لطهران.

فإيران، ليس بمقدورها، الركون إلى تفاهمات عميقة مع أميركا، في المديين، القريب والمتوسط، جراء ميراث من العداء بينهما، وهو ميراث يصعب التخلص منه في زمن قياسي، بل هو المؤسس الفعلي والذي يجعل من فرص التصادم بين إيران وأميركا مسألة واردة، وفي أقله لن تكون العلاقة بين البلدين متينة إذا ما تصدت واشنطن للنفوذ الإيراني الإقليمي أو لم تمنحها مساحة حركة إقليمية كبيرة، أو لم تتوصلا إلى تفاهمات حول مجمل الملفات في صفقة كبرى وشاملة.

وروسيا وإن امتلكت أوراقا مهمة لإيران، فهي، أي روسيا، ستكون قلقة ومعنية أيضا بالحفاظ على حصتها في سوق الغاز الأوروبي، مع ما يتطلبه ذلك من إدامة التقارب مع طهران، وإقناعها بالتركيز على سوق الغاز الآسيوية بدل الأوروبية، وربما هذا ما يفسر عرض شركة (غازبروم) الروسية الاستثمار في الغاز الإيراني، فهي، وكأنها، تريد أن تدخل شريكا له تأثيره على القرار الايراني واتجاهاته بشأن الغاز.
وهذا العرض يرجح انه قام على أساس تقييم روسي ألا مصلحة لها بترك إيران لشركات أوروبية وأميركية قد يكون من بين أهدافها التأثير سلبا على صادرات غاز موسكو إلى العالم، وأوروبا تحديدا.

ولا شك أن إدراك إيران لحساسية روسيا تجاه التلاعب بمستقبل غازها، يجعل من آسيا خيارا إيرانيا مفضلا، أقله في المرحلة الأولى، فالقرب الإيراني- الآسيوي، جغرافيا، وكبر حجم التبادل التجاري مع هذا المحيط، يشجع طهران أن تجعل تركيزها بهذا الاتجاه، فسوق الباكستان والهند والصين واليابان، فضلا عن دول في المشرق العربي، واعدة وقادرة على ابتلاع كميات كبيرة من الغاز الإيراني، لكن ذلك لا يعني أن إيران لن تمد ذراعها الغازي إلى أوروبا، بما لا يضر بصادرات روسيا إلى هذا السوق، وإنما قد تنافس صادرات دول أخرى لها حصة في السوق الأوروبي.

إذن، فالواقعية السياسية تقول أن التعاون لا التصادم سيكون أساس العلاقة بين إيران وروسيا، على الأقل في المديين القريب والمتوسط، بعكس العلاقة القطرية- الإيرانية المتنافرة في أكثر من ملف، أهمهما السوري واليمني، وهو تنافر وتصادم قد يجعل إيران تفكر جديا في استهداف زبائن الدوحة وأهم المستوردين لغازها، فإيران تريد حصتها من الزبائن، ولن يكون دخولها إلى السوق بلا أضرار حقيقية تصيب بعض كبار منتجي الغاز، بما فيهم أميركا التي قد تجد أن صادراتها من الغاز إلى آسيا معرضة لمنافسة شرسة من إيران.

لذا يتوقع أن تكون لأميركا وأوروبا، حسابات مختلفة عن الحسابات الإيرانية الروسية، فالطرفان، أي أميركا وأوروبا، ينظران إلى غاز إيران بوصفه كاسر محتمل لهيمنة روسيا على السوق الأوروبية. ويلاحظ أن أكثر الشركات اندفاعا ورغبة في الاستثمار بالغاز الإيراني هي الشركات الأوروبية، فهو فضلا عن كونه استثمار رابح، من جهة، فهو، من جهة أخرى، يمنح أوروبا فرصة كي تنوع خياراتها وبدائلها من الغاز، وعلى نحو بات ملحا بعد أزمة أوكرانيا، الممر الأساسي لغاز روسيا نحو أوروبا.

كسر هيمنة روسيا على ثلث مستوردات أوروبا من الغاز، ليس الهدف الأميركي الوحيد، فالأخيرة تريد أيضا إدماج طهران في الاقتصاد الأوروبي، والعالمي، لربط إيران بشبكة مصالح عنكبوتية قد تساعد في تغيير سياساتها الخارجية، كما أن واشنطن تخطط لتفاهمات مع طهران تضمن ألا يمس دخولها سوق الطاقة مكانة الدولار الأميركي المهيمن على تسعير الغاز والنفط بفضل اتفاق تاريخي بين أميركا والسعودية.

وبصرف النظر عن أي تفاهمات محتملة بين واشنطن وطهران، فالأخيرة ترى أن الواقع الإقليمي يفرضها شريكا لا يمكن لأميركا تجاوزه، وستجعل، أي إيران، من الغاز أداة أساسية تلاعب من خلالها أميركا وتخدمها بنفس الوقت، وفي أقله تخدمها في كسر هيمنة دول الخليج، خصوصا السعودية وقطر، على الطاقة وضرب وحدة موقفها.
فإيران تضع في حساباتها النفاذ إلى عُمان والكويت، وربما الإمارات لمدها بالغاز، وعلى حساب قطر، فالأنبوب المخطط مده من إيران إلى عُمان لن يكون هدفه، فقط، مد مسقط بالغاز، بل قد يكون طريقا إلى الهند، التي يرجح انها أحد الأسواق المستهدفة إيرانيا، وبالتالي فإن أنبوب إيران- عُمان لن يقل أهمية عن الأنبوب الذي يراد له أن ينطلق من إيران إلى الهند والصين عبر افغانستان وباكستان.

والاتجاه الآخر، والإضافي، المرجح أن يدور في التفكير الإيراني أن تمد أنبوبا يمر بالعراق وسوريا إلى المتوسط، وقد تكون لبنان جزءا منه، مع خيار أن تعتمد تركيا ممرا لإنبوب يصل إلى أوروبا. وربما هذا ما يفسر بعض التحدي الذي تخوضه إيران في سوريا، فدمشق طريق أنبوب غاز محتمل.

وإذا تعذر في ظل سورية موحدة، فهي ستكون معنية بنفوذ على الساحل السوري يمنع قطر من أن تمد أنبوبا تستهدف أوروبا من ورائه، وهي- قطر- التي كانت اقترحت في العام 2010 مثل هذا الأنبوب الذي رفضه الرئيس "بشار الأسد" خدمة لروسيا، لكنه قد يسمح بمروره لفائدة إيران، وسيسعى إلى تنسيق ذلك مع روسيا.. وربما الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري يصيب في أحد أهدافه هذه الغاية.

إن شبكة الأنابيب التي تفكر بها إيران، وتأمل أن تقيمها، تستهدف نقل غازها لكل الاتجاهات، بهدفين، الأول بيعه وتوسيع حصتها من الزبائن، والثاني، وهو الأهم، أن تربط دولا في الإقليم وخارجه بغازها، ومثل هذا الربط يعني أن إيران تريد أن تهيمن وتؤثر في سياسات هذه الدول، وأقله جعلها توازن سياساتها في كل شأن يتعلق بإيران.

والقيد الذي يمكن أن يغل يد إيران عن التلاعب بمستقبل طاقة الغاز في العالم، أن تعمل ضمن منتدى الدول المصدرة للغاز، فكل من روسيا وقطر يعنيهما أن تنضوي الفعالية الإيرانية في مجال الغاز تحت مظلة المنتدى، فعلى طاولته يمكن للدول الثلاث المهيمنة على ما يقارب نصف احتياطي الغاز العالمي، أن يضمن لهم تنظيم سوقه بدون تنافس أو تصادم، وربما تكون قطر أكثر هذه الدول رغبة في رؤية إيران تنسق نشاطها الخاص بالغاز ضمن المنتدى على أمل أن تحمي حصتها من سطوة إيران.

لكن إيران قد لا تقبل أن يفرض عليها المنتدى سياسة محددة لقطاع الغاز تشمل قطر، فطهران تقبل أن تنسق مع روسيا والعراق لعبة الغاز، وربما مع النرويج ونيجيريا، فهي، وبعد غياب لسنوات تقبل في حالة واحدة أن تنسق من خلال منتدى الغاز وهي الحالة التي تكون قد ضمنت حصتها كاملة من السوق، وهي ترى نفسها كالدب الضخم يمكنه أن يدخل إلى الحلبة ويخرج كل الدببة الصغيرة منها، كيف لا وهي تملك نحو من 18% من الاحتياطي العالمي لطاقة الغاز.

المحصلة، أن إيران التي تحتاج إلى خمس سنوات أو أكثر قليلا لإنتاج غازي بكميات كبيرة، وتحتاج بنية تحتية تفوق المائة مليار دولار، ستختار مناطق آسيا والمحيط الهادي سوقا لغازها، ولن تزاحم روسيا على أوروبا، وإنما ستزاحم دول منتجة أخرى، بينها قطر، وفي أي مكان، وحتى لو دخلت إيران السوق الأوروبية فهي ستنسق ذلك مع موسكو، لاستهداف حصص دول أخرى لغازها سوق في أوروبا.

وإيران كذلك ستحرك غازها لغايات سياسية، بهدف تحقيق النفوذ الذي تسعى إليها. وما لديها من طاقة هائلة، وخطوط أنابيب تسعى إلى إنشائها، كلها تساهم في مد نفوذ طهران باتجاهات إقليمية وعالمية، والإقليمية تحديدا ستكون الهدف الإيراني الأساس، لليهمنة والإلحاق واختراق تنسيقات إقليمية وتفكيكها من الداخل، خصوصا إذا كانت هذه التنسيقات تستهدف مقاومة وصد الطموحات الإيرانية بالتأسيس لنفوذ واسع في محيطها.

وهذا من بين ما يدفع الدول المنتجة للغاز إلى توقع حرب تنافسية شرسة مع إيران، على الحصص والزبائن، وربما هذا الدول، بما فيها روسيا، تتحسب لدخول إيران سوق الغاز، وتحاول وضع تقديرات وفرضيات لنتائج هذا الدخول وسبل مجابهته والحد من آثاره.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير