jo24_banner
jo24_banner

الصراع في المجتمع الأردني (2)

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

لقد استطاعت الفئة الثانية من طبقة السلطة الممثلة بالحكومة والنخب السياسية المخلدة، والنخب الاقتصادية المسيسة أن تحوز على النصيب الأعظم من ثروة المجتمع الاردني على حساب الطبقة الثانية ( طبقة المحكومين)،التي صار لزاما عليها أن تعاني معاناة تتمظهر بعدة أشكال ومواقف ومناسبات جراء ذلك. لقد حازت على ذلك دون جهد انجازي يتناسب ولو مع بعض ما حازت عليه هذا إذا كان هناك أي جهد يذكر.


لقد استغلت هذه الطبقة سلطاتها القانوينة بحكم المواقع التي أُوكلت اليها بشكل يكاد أن يكون دائماً، ولقد مكنتها تلك السلطة من احتكار هذا القدر اللامحدود من الحيازات والمكتسبات المادية والمعنوية، مع أن قوتها السياسية العامة ونفوذها المرتبط بذلك، ربما لم يكن له أساس في الأصل إلا عامل الصدفة المتمثل بتواجدها العرضي أو (المقصود) بالقرب من الفئة الأولى من طبقة السلطة كمايستقر في قناعة الأردنين. إن من عادة الضمير الجمعي العام، واللاشعور الشعبي أن يلتقط مثل هذا الخلل البنيوي إذا ما حل في المجتمع، ويتفاعل معه بطريقة تظل في مراحلها الأولى ضمن المسموح.

وغالباً ما يأخذ هذا التفاعل شكل الرفض المكبوت أو الاستغراب الإغترابي، غير المعَبَّر عنه بشكل علني، لكن مثل هذا الأمر قد لا يطول حتى يأخذ هذا الشعور وتلك الحالة، طريقها إلى أن تتجسد عملياً على شكل احتجاجات شعبية ودعوات إلى العدل والإنصاف. ذلك أن شعور الإنسان أي إنسان، بضرورة العدل كقيمة أخلاقية عليا، هو شعور غريزي لا تخلو منه الطبيعة الإنسانية مهما اختلفت مواقع الافراد الطبقية.... لكن المصلحة هي التي تدفع البعض إلى ان يتجاهل قيمة العدل والعدالة وهي المصلحة نفسها التي تدفع بالبعض الآخر (ضحايا الظلم) إلى المطالبة بتحقيق هذا العدل ورفض الظلم وانجاز العدالة.


لقد اعتادت طبقة السلطة في المجتمعات غير الديمقراطية مثل المجتمعات العربية عموماً ، والمجتمع الأردني على وجه الخصوص؛ أن تدير الدولة بمنهج يجيز للمجتمع أن يعطي من لا يستحق بمعيار الجدار الفردية، ويحرم أو يقصي أو يستبعد من يستحق بمعيار هذه الجدارة ومعيار القدرة على الانجاز . وهذا بحد ذاته ظلم اجتماعي غير مبرر ولا مفهوم لتناقضه الصارخ مع المصالح العامة فئوية كانت أو وطنية ومثل هذا الظلم يعتبر تاريخياً المحرك الاساسي للصراع فالثورات،إذا ما توفرت لهؤلاء قوى تقوم بمهمة التوعية والتنوير يكون أثرها حاسماً عليهم إذا ما كانت هذه القوى منظمة ومدربة . ولا تخلو المجتعات الانسانية عادة من بعض هذه القوى، بصرف النظر عن درجة تطور هذه المجتمعات أو تخلفها.


وإذا ما اعتبرنا ان المجتمع الأردني ضمن مجتمعات العالم المتخلفة، فذلك يعني أن المجال فيه متاحاً لمثل هذه القوى التي تعمل في مجال التنوير وإيقاظ الوعي الشعبي العام. وقد بدأت بوادر ذلك بالظهور ممثلة بقوى المعارضة رغم تنوع منطلقاتها، واختلاف رؤاها الاجتماعي السياسية. فالظلم قد وقع وعم، ونزل إلى مادون خط الفقر ما يقارب ثلاثة أرباع هذا المجتمع. ولقد انقسم الناس في هذا المجتمع ازاء هذه المشكلة العويصة إلى: فئات تدرك هذا الظلم وتعيه، وهم المثقفون والمتعلمون والمدربون سياسياً بصرف النظر عن مستويات تعليمهم النظامية؛ وفئات أخرى تشعر بذلك، لكنها لاتملك ادوات التعبير عنه. وهنا يأتي دور قوى التنوير الفاعلة لتقوم بدورها التوعوي، وبفعلها الفاعل نحو هذه الفئات. إن ذلك لو حدث، لا حكمت الطبقة المحكومة (قوى الشعب المختلفة) قبضتها على مفتاح الحل لمشكلاتها وعلى الآليات اللازمة للتعبير عن هذه المشكلات واقتراح حلولها، تمهيداً للمواجهة الجماعية مع طبقة السلطة لتنفيذ ذلك سلمياً إن أمكن.وتقف على رأس هذه المشكلات كأولوية أولى دون شك مشكلة الظم الإجتماعي الذي يعد من مخرجات التصنيف الطبقي سالف الذكر المنحاز بكينونته كلها ومن الأساس لصالح الطبقة الأولى : طبقة السلطة .

أما عن امكانيات نجاح هذه المواجهة الجماعية أو فشلها؛ فذلك ربما يتأثر بالعديد من العوامل منها:مدى رسوخ القناعة لدى مكونات الطبقة المحكومة بأنها (فعلاً مظلومة) مع قناعة أخرى موازية بأن الطبقة الأولى طبقة السلطة (الحاكمة) هي الظالمة لها بالضرورة،وليست الأقدار الغيبية ولا الصدف. ثم مدى الجديّة في مواجهة ذلك، والمدى الذي يمكن ان تذهب إليه من حيث التضحية ودفع الثمن. وقد يساعدها في ذلك ادراك دقيق لوحدة المصالح والمصير، على إعتبار ذلك هو الرابط الجامع لمكونات هذه الطبقة المظلومة على تنوع منطلقاتها ورؤاها السياسية، ثم إدارتها الدقيقة لمقدار الأضرار التي قد تلحق بها إذا ما نجحت طبقة السلطة في اختراقها فكرياً أو مسلكياً مع خطة محددة لإحتواء آثار ذلك.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير