jo24_banner
jo24_banner

الصراع في المجتمع الأردني "3"

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

إن الطبقة المظلومة إذا ما وعت أو أدركت مصالحها وأهمية وحدتها في مواجهة طبقة السلطة؛ لا يصير مقبول منها بعد ذلك، أو من أي من العناصر والفئات المحسوبة عليها؛أن تتماهى على مستوى التصرفات حتى الفردية منها، مع قيم وأساليب حياة طبقة السلطة فذلك يعني لو حدث (وقد حدث مع الكثيرين وخاصة المتعلمين) أنها طبقة مخترقة وهشة تابعة ومنفعلة، بل ومغتربة عن ذاتها ومصالحها مما يقلل من قدرتها على مواجهة طبقة السلطة، بل ويقدم مبرراً كافياً لتلك الطبقة لأن تتجاهل ليس مطالبها فحسب، بل ووجودها برمته.فنحكم على حركتها ومواجهتها الجماعية المفترضة بالفشل.وكأنها تكون بذلك قد تحالفت مع طبقة السلطة دون أن تقصد (ربما)وصارت تعمل ضد ذاتها وضد مصالحها، فلا تنجح في اصلاح أو ثورة لأنها لاتكون مؤهلة لذلك من الاصل وساعدت بذلك على استمرار الجمود المتخلف . كما أن إمكانية النجاح أو الفشل في المواجهة الصراعية قد تتأثر بالإضافة إلى ما سبق بمدى قدرة كل طبقة على اختراق الطبقة الأخرى عبر نقاط ضعف يمكن أن توجد في بناء كل منهما.


و بالإحالة إلى ما حدث في المجتمع الأردني حتى الآن، نرى أن حالة الصراع بين هاتين الطبقتين قد انتقل من حالة الشعور المحبط والصراع الساكن إلى صراع علني واضح، من السذاجة تجاهل ذلك كحقيقة واقعة. لكن هذا الصراع ما زال يجري بينهما ضمن اطار (المسموح). حيث تحاول فيه طبقة السلطة ان تخترق المكونات الاجتماعية للطبقة الثانية(طبقة المحكومين) وكان أمامها مجال لذلك احسنت استغلاله ، تمثل بضعف الإلتزام المبدأي بقضية الإصلاح السياسي صراعياً لدى الكثيرين من الأفراد والفئات بحكم التطلعات المصلحية لدى البعض، والرغبة لدى البعض الآخر في التماهي مع طبقة السلطة (المصدر الوحيد للهيبة الاجتماعية وفق قناعاتهم التقليدية التي ما زالت كما يبدو منتمية إلى ثقافة اجتماعية في طريقها إلى الزوال) وهي القناعة التي توحي لهم بأن لا يعتبرون أنفسهم منخرطين على المستوى التعبوي بالعملية الصراعية كلها . كما تتمثل نقاط الضعف أيضاً بوجود ثغرات تستطيع طبقة السلطة أن تنفذ من خلالها وتحقق اختراقاً ناجحاً، واهم هذه النقاط، غياب التجانس الفكري المتمثل بالتعبئة الفكرية الموحدة والتجانس الاجتماعي بين المكونات الشعبية لتلك الطبقة وبخاصة الفئات الأكثر وعياً وتعليماً التي انتقلت الى مرحلة المصارحة بالمعارضة والاحتجاج.


فالجبهة الوطنية للاصلاح – على سبيل المثال – وهي الاطارالجامع الافتراضي لقوى المعارضة المتمثلة افتراضياً لكل فئات الشعب المكونة للطبقة المحكومة أو المظلومة، تعاني وبشكل واضح من غياب هذا التجانس. وهذه حالة تجعل من الصعب تحقيق التوافق بين مكونات هذه الجبهة، على شكل التغيير المطلوب للواقع الاجتماعي القائم (والمعترض عليه) والمختل. ناهيك عن صعوبة التوافق على شكل منظور محدد لإقامة منهج جديد لإدارة الدولة؛يكون بمثابة البديل الأصلح للمنهج القائم.أضف إلى ذلك :أزمة الثقة المتبادلة بين مكونات هذه الجبهة، وحالة عدم اليقين في جديّة الكثيرين؛وبخاصة بعد أن نجحت طبقة السلطة في استقطاب البعض ممن طرحوا أنفسهم كقيادات شعبية ضمن جبهة المعارضة المطالبة بالإصلاح. فكانت تلك ضربة موجعة وناجحة وجهتها طبقة السلطة ضد الإطار الجامع لقوى المعارضة الشعبية ابتلعتها الاخيرة على مضض وأشعرتها ربما بالخجل . كما نجحت طبقة السلطة في إثارة الشك بين مكونات هذا الإطار على مستوى النوايا. فقد استخدمت طبقة السلطة آلية التركيز وباهتمام مبالغ فيه على طرف دون باقي الأطراف.المكونة لذلك الإطار بهدف الإيحاء بثقل الوزن الى حد يثير لدى الأطراف الأخرى التحسس الذي ينتهي عادة إلى الشك بأن في الأمر صفقات، كما حدث مع جبهة الإخوان المسلمين أثناء التفاعل المدروس لحكومة عون الخصاونة مع قوى المعارضة، حيث نجحت طبقة السلطة في زراعة الشك لدى الأطراف الأخرى من الجبهة الوطنية للإصلاح بأن الحكومة تتعامل وكأنها لا ترى في المعارضة إلا الإخوان المسلمين؛ مما أثار حفيظتهم وساد الشك داخل ذاك الإطار الجامع لقوى المعارضة .. وكان ذلك اختراقاً حكومياً ناجحاً .

لقد شجّع هذا النجاح طبقة السلطة في أن تحاول اختراق هذا الإطار مرة أخرىن وذلك بالوصول إلى الروافد القبلية للقوى المتحركة شعبياً. فجات زيارات الملك لشيوخ العشائر او بعضها في هذا السياق. لكن حصيلة هذه المحاولة لم تأتِ وفق التوقعات . ذلك أن طبقة السلطة اعتادت خطأ أن تنظر إلى كل قبيلة وكانها ممثلة بالشيخ ....فأغدقت على شيوخ العشائر فيما مضى وعلى أبنائهم بطريقة أثارت ضغينة باقي فروع العشيرة أو باقي عشائر القبلية على الشيخ و على الفرع الذي ينتمي إليه من العشيرة. لقد تجاهلت طبقة السلطة في مسعاها هذا حقيقة عطلت هذا المسعى عن أن يحقق أهدافه ومراميه الإختراقية، وأعني بها حقيقة أن شيخ العشيرة أو القبيلة في الأردن لم يعد يمثل من عشيرته أو قبيلته سوى فرعه الذي ينتمي إليه منها فقط أو بعض هذا الفرع ،اما باقي فروع العشيرة أو القبيلة فهي في صراع مع الشيخ وفرعه اندلع منذ أواخر الثمنينات في مختلف مناطق الأردن القبلية. بل إن مجمل فروع العشيرة التي تعد بالعشرات أحياناً التي قد تشكل كل منها عشيرة فرعية؛ تعتبر الشيخ تابعاً لطبقة السلطة وحليفاً لها.

إذا صح هذا التحليل(وكل الشواهد تؤكد صحته) ربما تكون اتصالات رأس الدولة ممثلاً لطبقة السلطة، ليست بذات فائدة مقارنة بالتوقعات منها . بدليل الحضور المحدود جداً لأفراد العشيرة المستهدفة بالزيارة ، ليقتصر هذا الحضور على فرع الشيخ أو جزء فقط من هذا الفرع وبعض المدعوين من قبل الحكام الإداريين، وبعض من يدفعهم مجرد الفضول لحضور المناسبة إلى جانب أبناء الشيخ وأقاربه المقربين جداً ، وأصدقائه الشخصيين واصهاره ، أما باقي فروع العشيرة وقد يعد أفرادها بالآلاف فلا علاقة لهم بكل ذلك، بل إن سلبيتهم نحو الشيخ هي سلبية بالضرورة تجاه طبقة السلطة وكل من يمثلها ناهيك ان حضور الكثيرين ممن يحضرون يقع في باب المجاملة التي تفرضها أدبيات اجتماعية يحترمها الأردنيون عادة وليست مؤشراً على ضمان الولاءأو الانحياز للسلطة في صراعها مع الطبقة المحكومة، ولا أدل على ذلك من اختلاف ما يقال أمام جلالة الملك، عما يُقال بعد مغادرته كما يروي المشاركون.

نخلص إلى القول إن طبقة السلطة لم تنجح هذه المرة في اختراق بعض الروافد الشعبية لإطار المعارضة الجامع. وتقضي الحكمة بأن لا يبنى أمل كبير على مثل تلك الزيارات للعشائر الأردنية ، بل إن الحكمة والموضوعية العلمية تقضي أن نصرح بحقيقة هامة نلمسها بوضوح وهي أن العشائر الأردنية بالمجمل قد حسمت أمرها كما يبدو وانحازت للمعارضة.بكل حواسها باشتثناء فروع الشيوخ أو جزء من هذه الفروع فقط ، التي لا تمثل وزناً في غياب الفروع الأخرى العديدة التي تتكون منها كل عشيرة أردنية هذه حقيقة تمثل الواقع الجديد لمجتمع الأردن ، وهي تقضي بضرورة إعادة النظر بكثير مما صار في عداد المسلّمات تقليدياً واعتبارها أساليب عتيقة صارت بالية في مجال االتعامل مع المكونات الشعبية والاجتماعية لهذا المجتمع.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير