الكتاب ودوره في نهضة الأمة
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل
أقيم في عمان قبل أسبوع من الزمان معرض للكتاب استمر أسبوعاً، وقد دعيت لإلقاء كلمة في هذا التجمع الثقافي السنوي. فكانت هذه الكلمات وهذه الورقات، أسأل الله أن يكون فيها بعض الحض على صحبة الكتاب ومداومة النظر في الكتاب، والتشجيع على القراءة والاطلاع، فمعركتنا بالدرجة الأولى معركة عقول وعلم وثقافة وفكر وتكنولوجيا وإبداع، واقتصادنا الذي هو حياتنا كذلك علم واطلاع ومعرفة وخبرات متراكمة واستفادة من تجارب الأمم.
وهل غريب على أمة اقرأ أن تجدد صلتها بهذا الشعار الخالد: "اقرأ"! وهل عجيب من أمة قامت حياتها على الكتاب أن توثق صلتها بالكتاب؟ على كل حال هذه كلمتي وهذا نص المحاضرة أضعها في هذا المقال لا للتكرار، لكن للأهمية فيما أرى.
2- افتتاح الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. الحمد لله جعل أعظم نعمه على عباده نعمة العلم فقال: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان)، الحمد لله أن جعل أول الوحي على النبي الأمي في القوم الأميين في الزمن الأمي في العالم الأمي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).
وصلى الله وسلم وبارك على صفوة الخلق النبي الأمي الذي علمه ربه فصار معلم البشرية الأول، ورضي الله عن أصحابه مصابيح الهدى وأقمار الدجى، وبعد.
فهذه عمان تزدهي بزينة الدنيا بالكتاب، وتقيم في ربوعها معرضاً لزهور الأفكار وورود العقول وثمرات الأذهان، وهي أجمل ما في الدنيا من جمال، وعمان اليوم بمعرضها زينة المدن تزينت بأجمل زينة في الدنيا، وأجمل جمال بالكتاب فحشدت المليون كتاب، وبعد.
3- التظاهرة الثقافية أهم التظاهرات
هذا ربيع الثورات والتظاهرات، ولعل أهم الثورات والتظاهرات هو الثورة الثقافية والتظاهرة الثقافية، وأعلم أن ظلال مصطلح الثورة الثقافية ظلال قاتمة، وليس العيب في المصطلح، وإنما العيب في "بهدلة" المصطلح ومن ابتذل المصطلح و"مرمط" المصطلح! ليست الثورة الثقافية حرقاً للكتب، كما صنعت الثورة الثقافية في الصين على يد الماويين.
ولا ما صنعت ليبيا زمن القذافيين أو القذاذفة، ولا ما صنع أبطال المعارك "الدون كيشوتية" في تمبكتو وطرابلس وبنغازي وفي باميان وغيرها.
وإنما الثورة الثقافية التي نعني تجديد الإقبال على الكتاب، واقتناء الكتاب والاعتناء بالكتاب، ومطالعة الكتب، ونعيد الوهج والألق والبريق وماء الحياة الذي كان في الكتاب وللكتاب، هذه ثورتنا الثقافية، لا حرقاً ولا نسفاً!
4- حاجة "الربيع العربي" إلى الرشد والرشد في الكتاب
قد يعيد الناس إنتاج ما ثاروا عليه ورفضوه وغيروه، ثم تكون المأساة أن يكرروه، وهذا في الحياة مشاهد مكرور.
ولا أريد أن أشير إلى الاقتتال في أفغانستان بعد طرد الروس، ولا إلى الصراعات في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي.
فما الذي يمنع تكرار إنتاج المأساة؟ أزعم أنه "الكتاب" ففيه الرشد، شريطة أن يؤخذ الكتاب بحقه، فالكتاب حكيم ويحتاج في قراءته إلى حكمة، من هنا قال الله عن مهمة محمد صلى الله عليه وسلم: (ويعلمكم الكتاب والحكمة..)، والحكمة هنا بالقطع هي أحسنية فهم الكتاب، فإن لم نحسن فهم الكتاب أعدنا إنتاج الدكتاتورية لكن بصبغة دينية، وأعدنا إنتاج العصبية والتخلف بعباءة دينية، وحاشا لمقام الدين أن يكون قناعاً للتخلف والعصبية والدكتاتورية!
5- وخير جليس في الزمان كتاب
لقد شرّقت هذه الكلمة وغربت، وسارت في الدنيا كالريح، وربما ما عرف الزمان أمة احتفت بالكتاب احتفاء هذه الأمة بالكتاب، ولا اعتنت بالمكتبات اعتناء هذه الأمة بالمكتبات.
وهل روى الزمان كالجاحظ رجلاً يستأجر مكتبة الورّاق ليبيت فيها فلا ينام الليل حتى يطلع عليه النهار، وهو يقرأ في الكتب ويطالع فيها! وهل عجيب على أمة أول وحيها اقرأ ألا تكون كذلك؟ بل العجيب أنها تغيرت وتحولت وتخلفت عن ذلك. وآن لغربة الكتاب بيننا أن تنتهي، أليس من العجز المعيب والمشين أن يقول ديان عن أمتنا: إنّا نعلم أنها أمة لا تقرأ. يعلق على أنه خاض حربين بذات الخطة المنشورة في كتاب مذكراته فقيل له: أما كنت تخشى أن يتوقعوا خطتكم ويعدوا لها خطة مضادة، فقال ما قد ذكرت أنا لا نقرأ! وأليس من المهين أن تطبع "إسرائيل" بقدر ما تطبع دول العالم العربي مجتمعة من الكتب؟!
آن ألا يمتشق القلم ليكتب إلا كل حاذق متقن مِفَنٍّ مثقف متمكن مطلع متعمق دائب مجد مبدع، حتى لا يساء إلى الكتاب ولا يشوه بهاؤه وجماله ويعكر صفاؤه ورونقه.
6- جهد وزارة الثقافة وأمانة العاصمة مشكور
هذا ليس مديحاً، ولا يعني أننا بلغنا غاية المنى، فبيننا وبين ذلك مسافات شاسعة، لكن أن تطبع الكتب في بلد فقير –أو هكذا يعتقد- ويباع الكتاب ذو الخمسة دنانير بخمس وثلاثين قرشاً كأننا دولة نفطية، هذا بحد ذاته مشكور. فموازنة المواطن مستنزفة لا تحتمل تخصيص شيء إلى جانب الخبز والفول، والدواء، وأقساط المدارس، وفواتير الكهرباء والماء وأنواع التليفونات والنت! مع أن موازنة تقتطع للكتاب أعدها أولوية الأولويات، فالفكر قبل الخبز أحياناً، بل دواماً، ولو فعلنا الفكر لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، وما الذي صنعته كوريا غير ثورة تعليمية فنهضت هذه النهضة الأسطورية وتعثرت دولنا العربية نفطية وغير نفطية؟ نهضت الشوارع عندنا وما نهضت المصانع ولا المزارع المتقدمة، نهضت الأبراج والعمارات وما نهضت الأفكار والتقنيات! الفكر والإبداع أعظم موارد الوفرة والثراء والرخاء والازدهار.
7- أمانة العاصمة وزراعة الحدائق
أحسنت أمانة العاصمة بزراعة عدد من الحدائق في العاصمة عمان! وإني أعد كتاباً تقرؤه حديقة تزرعها في أرض عقلك! وهل تتصور بيتاً تحيط به مساحة جرداء؟ أقول وهل تتصور عقلاً كله صحراء صفراء؟ الكلمة تقرؤها والكتاب تقرؤه حدائق ذات بهجة تستنبتها في مساحات عقلك.
لقد أبدع الله تعالى البديع سبحانه أبدع فينا أجهزة محدودة الحاجات، فالطعام تكفيه أي الإنسان منه لقيمات والباقي حشو. والماء تكفيك قارورة من نصف لتر في اليوم.
لكن غذاء العقل وطاقته الاستيعابية ليس لها حدود! ولذلك علمنا مولانا أن نقول: "وقل رب زدني علماً"، وما علمنا أن نطلب زيادة مال ولا زيادة رتبة؛ لأن بالعلم مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة. (ومن أوتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب).
(السبيل)
أقيم في عمان قبل أسبوع من الزمان معرض للكتاب استمر أسبوعاً، وقد دعيت لإلقاء كلمة في هذا التجمع الثقافي السنوي. فكانت هذه الكلمات وهذه الورقات، أسأل الله أن يكون فيها بعض الحض على صحبة الكتاب ومداومة النظر في الكتاب، والتشجيع على القراءة والاطلاع، فمعركتنا بالدرجة الأولى معركة عقول وعلم وثقافة وفكر وتكنولوجيا وإبداع، واقتصادنا الذي هو حياتنا كذلك علم واطلاع ومعرفة وخبرات متراكمة واستفادة من تجارب الأمم.
وهل غريب على أمة اقرأ أن تجدد صلتها بهذا الشعار الخالد: "اقرأ"! وهل عجيب من أمة قامت حياتها على الكتاب أن توثق صلتها بالكتاب؟ على كل حال هذه كلمتي وهذا نص المحاضرة أضعها في هذا المقال لا للتكرار، لكن للأهمية فيما أرى.
2- افتتاح الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. الحمد لله جعل أعظم نعمه على عباده نعمة العلم فقال: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان)، الحمد لله أن جعل أول الوحي على النبي الأمي في القوم الأميين في الزمن الأمي في العالم الأمي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).
وصلى الله وسلم وبارك على صفوة الخلق النبي الأمي الذي علمه ربه فصار معلم البشرية الأول، ورضي الله عن أصحابه مصابيح الهدى وأقمار الدجى، وبعد.
فهذه عمان تزدهي بزينة الدنيا بالكتاب، وتقيم في ربوعها معرضاً لزهور الأفكار وورود العقول وثمرات الأذهان، وهي أجمل ما في الدنيا من جمال، وعمان اليوم بمعرضها زينة المدن تزينت بأجمل زينة في الدنيا، وأجمل جمال بالكتاب فحشدت المليون كتاب، وبعد.
3- التظاهرة الثقافية أهم التظاهرات
هذا ربيع الثورات والتظاهرات، ولعل أهم الثورات والتظاهرات هو الثورة الثقافية والتظاهرة الثقافية، وأعلم أن ظلال مصطلح الثورة الثقافية ظلال قاتمة، وليس العيب في المصطلح، وإنما العيب في "بهدلة" المصطلح ومن ابتذل المصطلح و"مرمط" المصطلح! ليست الثورة الثقافية حرقاً للكتب، كما صنعت الثورة الثقافية في الصين على يد الماويين.
ولا ما صنعت ليبيا زمن القذافيين أو القذاذفة، ولا ما صنع أبطال المعارك "الدون كيشوتية" في تمبكتو وطرابلس وبنغازي وفي باميان وغيرها.
وإنما الثورة الثقافية التي نعني تجديد الإقبال على الكتاب، واقتناء الكتاب والاعتناء بالكتاب، ومطالعة الكتب، ونعيد الوهج والألق والبريق وماء الحياة الذي كان في الكتاب وللكتاب، هذه ثورتنا الثقافية، لا حرقاً ولا نسفاً!
4- حاجة "الربيع العربي" إلى الرشد والرشد في الكتاب
قد يعيد الناس إنتاج ما ثاروا عليه ورفضوه وغيروه، ثم تكون المأساة أن يكرروه، وهذا في الحياة مشاهد مكرور.
ولا أريد أن أشير إلى الاقتتال في أفغانستان بعد طرد الروس، ولا إلى الصراعات في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي.
فما الذي يمنع تكرار إنتاج المأساة؟ أزعم أنه "الكتاب" ففيه الرشد، شريطة أن يؤخذ الكتاب بحقه، فالكتاب حكيم ويحتاج في قراءته إلى حكمة، من هنا قال الله عن مهمة محمد صلى الله عليه وسلم: (ويعلمكم الكتاب والحكمة..)، والحكمة هنا بالقطع هي أحسنية فهم الكتاب، فإن لم نحسن فهم الكتاب أعدنا إنتاج الدكتاتورية لكن بصبغة دينية، وأعدنا إنتاج العصبية والتخلف بعباءة دينية، وحاشا لمقام الدين أن يكون قناعاً للتخلف والعصبية والدكتاتورية!
5- وخير جليس في الزمان كتاب
لقد شرّقت هذه الكلمة وغربت، وسارت في الدنيا كالريح، وربما ما عرف الزمان أمة احتفت بالكتاب احتفاء هذه الأمة بالكتاب، ولا اعتنت بالمكتبات اعتناء هذه الأمة بالمكتبات.
وهل روى الزمان كالجاحظ رجلاً يستأجر مكتبة الورّاق ليبيت فيها فلا ينام الليل حتى يطلع عليه النهار، وهو يقرأ في الكتب ويطالع فيها! وهل عجيب على أمة أول وحيها اقرأ ألا تكون كذلك؟ بل العجيب أنها تغيرت وتحولت وتخلفت عن ذلك. وآن لغربة الكتاب بيننا أن تنتهي، أليس من العجز المعيب والمشين أن يقول ديان عن أمتنا: إنّا نعلم أنها أمة لا تقرأ. يعلق على أنه خاض حربين بذات الخطة المنشورة في كتاب مذكراته فقيل له: أما كنت تخشى أن يتوقعوا خطتكم ويعدوا لها خطة مضادة، فقال ما قد ذكرت أنا لا نقرأ! وأليس من المهين أن تطبع "إسرائيل" بقدر ما تطبع دول العالم العربي مجتمعة من الكتب؟!
آن ألا يمتشق القلم ليكتب إلا كل حاذق متقن مِفَنٍّ مثقف متمكن مطلع متعمق دائب مجد مبدع، حتى لا يساء إلى الكتاب ولا يشوه بهاؤه وجماله ويعكر صفاؤه ورونقه.
6- جهد وزارة الثقافة وأمانة العاصمة مشكور
هذا ليس مديحاً، ولا يعني أننا بلغنا غاية المنى، فبيننا وبين ذلك مسافات شاسعة، لكن أن تطبع الكتب في بلد فقير –أو هكذا يعتقد- ويباع الكتاب ذو الخمسة دنانير بخمس وثلاثين قرشاً كأننا دولة نفطية، هذا بحد ذاته مشكور. فموازنة المواطن مستنزفة لا تحتمل تخصيص شيء إلى جانب الخبز والفول، والدواء، وأقساط المدارس، وفواتير الكهرباء والماء وأنواع التليفونات والنت! مع أن موازنة تقتطع للكتاب أعدها أولوية الأولويات، فالفكر قبل الخبز أحياناً، بل دواماً، ولو فعلنا الفكر لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، وما الذي صنعته كوريا غير ثورة تعليمية فنهضت هذه النهضة الأسطورية وتعثرت دولنا العربية نفطية وغير نفطية؟ نهضت الشوارع عندنا وما نهضت المصانع ولا المزارع المتقدمة، نهضت الأبراج والعمارات وما نهضت الأفكار والتقنيات! الفكر والإبداع أعظم موارد الوفرة والثراء والرخاء والازدهار.
7- أمانة العاصمة وزراعة الحدائق
أحسنت أمانة العاصمة بزراعة عدد من الحدائق في العاصمة عمان! وإني أعد كتاباً تقرؤه حديقة تزرعها في أرض عقلك! وهل تتصور بيتاً تحيط به مساحة جرداء؟ أقول وهل تتصور عقلاً كله صحراء صفراء؟ الكلمة تقرؤها والكتاب تقرؤه حدائق ذات بهجة تستنبتها في مساحات عقلك.
لقد أبدع الله تعالى البديع سبحانه أبدع فينا أجهزة محدودة الحاجات، فالطعام تكفيه أي الإنسان منه لقيمات والباقي حشو. والماء تكفيك قارورة من نصف لتر في اليوم.
لكن غذاء العقل وطاقته الاستيعابية ليس لها حدود! ولذلك علمنا مولانا أن نقول: "وقل رب زدني علماً"، وما علمنا أن نطلب زيادة مال ولا زيادة رتبة؛ لأن بالعلم مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة. (ومن أوتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب).
(السبيل)