jo24_banner
jo24_banner

بشائر النصر في سوريا (2)

د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل: تجربة سابقة
تكلمنا في الحلقة السابقة من هذا الموضوع في جواب بعض الأسئلة، وتكلمنا عن ثنتين من البشائر، ونواصل في هذه سؤالاً والحديث عن بعض البشائر الأخرى، أما السؤال فهو: أليس قد جربنا الصراع مع هذا النظام سنة 82، وعرفنا ما كانت النتائج فما الجديد والمختلف؟
أقول النصر حتمية من الحتميات القدرية، ونصر المؤمنين تعهد قطعه الله على نفسه، إذ قال: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) فإن فات النصر في معركة فلن يفوت في نهاية الصراع وفي الجولة الأخيرة من هذا الصراع لأنه دائماً: (والعاقبة للمتقين).
على أنه لا يفوت النصر إلا لأسباب، هذه سنن الله، كما جرى في أحد، فات النصر لأسباب، ثم تواصل النصر إلى الفتح الأعظم، هذا في حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ثم تواصل في عهد أتباعه الصديق والفاروق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين وبعد ذلك.
على أن الواقع والوقائع مختلف ومختلفة جداً بين الليلة والبارحة، ففي البارحة كانت ثورة جماعة على النظام، أما الآن فهي ثورة مجتمع كامل وشعب برمته، وفي الوضع الأول يمكن أن ينفرد النظام بتنظيم فيسحقه، ولكنه لا يستطيع سحق شعب وقهر إرادته إذ إنه: إذا الشعب يوماً أراد.. فلا بد أن يبلغ المراد.
2- تجربة ثورات الشعوب في «الربيع العربي» سوى سوريا
لقد انتصرت ثورات الشعوب في كل بلدان «الربيع العربي» التي خرجت على محتكري السلطة محتقري الشعب، ونجحت كلها في الإطاحة بالجلادين، وأحلت محلهم من ترتضيه من القيادات، ما تخلف النصر عن شعب ولا عن بلد، فهل يتخلف النصر عن أحق شعب وأحق بلد، بالنصر والظهور والتمكين؟ الجواب لا. والسؤال: لم تأخر النصر عن سوريا أكثر من غيرها؟ والجواب: أن بلدان البدايات كانت المفاجأة فيها صاعقة للداخل والخارج، فكان السقوط سريعاً، ولاحظ أن كل بلد كان أصعب من الذي قبله؛ بمعنى أن قوى الاستكبار في الخارج وقوى العمالة في الداخل اكتسبت بعض الوقت للتدبر والتخطيط المضاد وتنظيم الصفوف، وتحشيد الدعم الخارجي والداخلي.
أضف إليه أنه في سوريا جرى تجنيد الطائفة كلها في الجيش والأجهزة الأمنية والوزارات السيادية والطبقة المستفيدة التجارية، فهذه عقّدت المسألة، وجرى تحشيد كل من يدعمون «إسرائيل» ويخشون أن تدور عليها الدوائر إذا اكتملت حلقة البلدان المحيطة بالكيان! فقامت تدافع عن هذا الكيان بكل ما أوتيت من أساليب ومكر ودهاء وقوة وخبرة وتجييش وأموال ودعاية وإشاعة وإمكانات.
3- بدء الانشقاق في الطائفة العلوية
هذا النظام القذر الذي يدعي العروبة والثورية والمقاومة، ما هو إلا نظام طائفي متخلف، جر طائفته معه، لتخوض معركته الخاسرة ضد شعبه ووطنه وأمته، وكان يمكن أن تدفع الطائفة ثمناً غالياً جداً لهذا الانحياز لو ظلت إلى نهاية المطاف تنحاز إلى هذا المجرم. ولكن انشقاقاً أول قد بدأ في الطائفة وهو مبشر ومؤشر على ما بعده من انشقاقات ستتزايد. من قبل ذلك كانت انشقاقات، ولكنها ذات طابع فردي ومعزول غير متصل بسياق اجتماعي، ونسق منتظم، أما الآن فيبدو أن الأمر مختلف. ولعل من أبرز الانشقاقت الفردية: الفنان والفنانة سليمان، أما الذي حدث أخيراً فهو حدث جاء عقب حدث اختطاف علويين على يد علويي النظام، فقام أقرباؤهم في القرداحة يطلقون النار على أقرباء الأسد في البلدة نفسها، ووقع عشرات ما بين قتلى وجرحى، وربما بقي الأمر مرشحاً إما للاستمرار أو للتصعيد. فالطاغية مهما حاول مع طائفته، تأبى أنانيته وطبيعته العدوانية والمستأثرة إلا أن تخص المقربين منه، على حساب باقي الطائفة، ولذلك إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولا بالمناصب، ولا حتى بالتحيز الظالم والمحاباة، ستقع حتماً مظالم بمعنى: لم أعطيت هذا من أقربائك ما لم تعطني؟ أأن كنت غير قريب منك؟ فتقع الاختلافات، ومن ثم تبدأ الطائفة بالتفكير: هذا يجرنا إلى المحرقة من أجل مجموعته المقربة وامتيازاته وأسراته، فلماذا ندفع دماءنا دفاعاً عنه وعن مجموعته؟ القائد غير الأخلاقي لا يمكن أن يجمع حتى عصابته المقربة منه! أبى الله أن يجتمع الناس على مثل هذا الناقص!
4- مجازر النظام جردت النظام وعرّت النظام
ارتكب النظام السوري مجازر فظيعة لترويع الناس وقمع ثورتهم، لكن تجري الرياح بما لا يشتهي الأسد. إن حالات الاغتصاب، والخطف وطلب الفدية، وهدم المنازل، وحرق الدور، والعدوان على المساجد، وذبح الأطفال، وبقر البطون، وشدْخ الرؤوس، واستخدام القنابل العنقودية والطيران الحربي، وراجمات الصواريخ.. إلخ كل ذلك استخدمه النظام، مع لعب ورقة الطائفية، وفزاعة القاعدة، لإرهاب الناس، والعالم من وراء الناس، وإرساء معادلة، إما النظام وإما المذابح التي لا تنتهي، والعدوان والحريق الذي لا يتوقف عند حد، ولكن هذا السلاح انقلب إلى ضد ما أراد الساحر القاتل، لقد انقلب السحر على الساحر، والمكر على الماكر، والتدبير على الشاطر!
وظل العالم المتواطئ يزعم أنه لا يعرف ولا يستطيع أن يعرف من هو الذي يرتكب المجازر، أهو النظام أم الثوار، والعالم المتواطئ أعلم منا جميعاً بأخلاق النظام التابع له، لأن هذه هي تربية الغرب لعملائه. ألم يستخدموا جميعاً سياسة العصا الغليظة والبلطجة والشبيحة والترهيب؟ أليست هذه هي الوصفة السحرية لإخضاع الشعوب؟ أليست سياسة حبيبكم مبارك وحبيبكم عباس في فلسطين وكل حبايبكم في كل مكان؟ فكيف لا تعرف غراسكم؟ هذه الشجرة الخبيثة من تلك البذرة الخبيثة، والثمرة الخبيثة من الشجرة الخبيثة، فلا تتغابوا! نحن نعرف أساليبكم، إن الذي يرتكب المجزرة عن طريق السكين والساطور هو الذي يرتكب المجزرة عن طريق القنابل العنقودية وبراميل TNT.
فهل عرف العالم المجرم من هو المجرم الذي يرتكب المجازر، وإذا عرف فماذا هو فاعل. أقول: مع كل هذا التواطؤ، فإن حجم الإجرام طغى على الإخفاء والاحتواء! لقد جردت المجازر النظام من أي غطاء أخلاقي إن كان له يوماً مثل هذا الغطاء! وأصبح بهذه المجازر عبئاً على القوى التي تسنده؛ لأنها جزء من هذه الجريمة، إن كانت إيران أو روسيا أو حتى حزب الله!
والقوى التي تزعم أنها تقدمية ويسارية وقومية وعروبية ومناضلة وإلى آخر الشعارات والتسميات أو الأقنعة والتقنيات المستخدمة في التخفي والتضليل والتعميات، أقول هذه القوى كذلك وبعضها كان يظن به الوطنية فتكشفت عن انتهازية رخيصة متعامية متجاهلة تدفن رأسها وتكشف سوءتها!
5- سنن الله في المجتمعات
لفتنا القرآن العظيم إلى سنن الله في الكون والمجتمعات واستقراء التاريخ لاستخراج مثل هذه السنن، وقد ذكرها في ستة عشر موضعاً من القرآن الكريم، نصفها مكي ونصفها مدني.
وطلب منا في كل مرحلة يحزبنا فيها أمر أن نلتفت إلى هذه السنن كلما حزبتنا ودهمتنا وضربتنا الأحداث والنوب (بدون ألف).
هذه السنن رأيناها تتحقق في المجتمعات ويتحقق تأويلها ولا تتخلف، وقد أخبرنا الله أنك لن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً؛ مما يعطي هذه السنن ثباتاً واطراداً ومنهجية.
فكلما اتسم قوم بسمة من أهلكوا أو عذبوا نالهم واحد من الجزاءين، وليس أحد أحسن من أحد إن تساوت الفعال، ومن هنا قال القرآن: (أكفاركم خير..) فهل أصاب العقاب كفار الأمم السابقة فلماذا ينجو كفاركم؟
لقد صدق قول الله في الشين والشين أعني شين تونس وشين مصر ثم عقدة العقد العقيد المعقد، فهل عند المنشار الفشار البوشار تأمين شامل ضد السنن الإلهية والمؤاخذة الربانية والأخذ الإلهي؟ ألم يقل القرآن: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
هذا على صعيد معسكر العدو، أما على صعيد الذات فقد حق النصر بإذن المقتدر من خلال الوعد الإلهي أيضاً لمعسكر الأولياء والثوار والمجاهدين وذلك قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لقد غيّر الشعب ما بنفسه وننتظر وعد الله أن يغير الله ما بقومنا وشعبنا. إن أطراف المعادلة الربانية من جهتيها قد تحققت واستوجبت، ونحن على ثقة تامة بوعد الله ولو كره لافروف وكل من لف لفه ولف لفة من لفات عمائم العمى والتعمية والضلال والإضلال، يقيننا أن نصر الله أقرب مما نتوقع.
وندعو الله في هذه العشر المباركة المقدرة عند الله أن يجعل عيدنا عيدين: عيد الأضحى وعيد النصر لمن ضحى بأبنائه.
ويا غارة الله جدّي السير مسرعة لأخذ (فاجرهم) يا غارة الله
اللهم نصرك لشعب سوريا العظيم وقهرك لعدوهم اللئيم


(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير