2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

المعارك الدونكيشوتية

د. احمد نوفل
جو 24 : دون كيشوت.. أو دون كيخوتة.. قصة ألّفها الإسباني الأندلسي «سرفانتس» وهي أشهر قصة على مستوى العالم عبر التاريخ، ولم تطبع قصة بقدر ما طبعت الدون كيشوت.

ثم صارت قصة دون كيشوت مثلاً يضرب لكل معركة خيالية أو وهمية، لأن بطل قصة سرفانتس كان يخرج كل يوم على حماره ومعه مرافقه أو مساعده يقاتل طواحين الهواء، أي الأعداء الوهميين، وبالطبع هو يترك الأعداء الحقيقيين والمعارك الحقيقية.

أقول هذا بين يدي حديثي عن بعض نماذج المتدينين يخوضون معارك من هذا القبيل، مسقطين من الاعتبار الواقع وظروفه والتباساته واعتباراته.

كالذين يؤلفون الكتب في الرد على المعتزلة، ولا اعتزال ولا معتزلة! وحتى إن كان لفكرهم بقية وجود، فهناك مليون خطر على الدين والأمة والعقيدة مقدم على المعتزلة والرد عليهم.

ومن هذا القبيل ما قرأناه في الصحف أمس أن بعض متديني المغرب طمسوا نقوشاً أثرية في جبال الأطلس، وما صنعه من قبلهم جماعة طالبان في قصف تماثيل منطقة تسمى «باميان» التي فتحت زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتركها على حالها وظلت على وضعها حتى حكم طالبان. وعرضت عليهم اليابان ثلاثين ملياراً مقابل قص هذه التماثيل ونقلها إلى اليابان فأبوا، وكانوا بذلك يستطيعون حل مشكلة بلادهم، ولقد مررت ببستان سلمان الفارسي وقد قطعت أشجار نخله بالبلدوزر وأشعلت فيها النيران ومنها شجرة زرعها النبي بيده، هل كان سيعبد النخل؟

وهناك حالات بائسة من نماذج وصور المعارك الدون كيشوتية، فأن تحارب طالبان باكستان جيش باكستان، ويقتلون منهم كل يوم وبالعكس، فما النتيجة وما المصلحة ومتى ينتهي مثل هذا القتال؟ وأن يقتل من أئمة المساجد في العراق على يد التكفيريين، ودعك من الشيعة، قرابة ألف وأربعمئة إمام، فماذا نسمي هذه المعارك أو هذه الجرائم بالأحرى؟

وحتى قتال الشيعة في العراق وتفجير مواكبهم وحسينياتهم، فهل المراد أن ينتهي الشيعة من الوجود؟ إن وجودهم بدأ مع بدء التاريخ الإسلامي، وبدء تشكل الفرق والمذاهب والملل والنحل في تاريخ هذه الأمة، وقد بدأ هذا من بعد الراشدين، بل في زمانهم إن أردنا الدقة. أليس قد ادعى قوم منذ عهد الصديق أن علياً -بعامل النسب- أحق بالخلافة؟ وليس أحد قط قطعاً أحق بها من الصديق، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون والواقع الشاهد والنتائج والتاريخ والعقل والمنطق والسياسة والكياسة كل ذلك يأبى.

وما جرى في تمبكتو مثال على هذه المعارك، فقد طمس ثلاثة آلاف أثر، بل هدمت من الأضرحة الأثرية تعتبر معالم هندسية على العمارة الإسلامية في مالي، ولن نتجادل في طمس الأوثان ومعالم الشرك، فما يجادل في هذا أحد، لكن ما الذي نعده من هذه المعالم وما الذي لا يعد، وهل هذا هو الوقت أوليس هذا هو الوقت؟

هذه هي القضية، ولماذا حرق قرابة سبعمئة ألف مخطوط من التراث الإسلامي بقطع النظر عن مضمونها ومحتواها؟ ألسنا نجتهد طيلة ثلاثة عشر قرناً في رد فرية حرق عمر مكتبة الإسكندرية، وما حرقها المسلمون يقيناً! ولماذا لم يحطم عمر تمثال أبي الهول يا طالبان؟

وهل معركتنا مع الجيش المصري حتى نقتل منهم سبعة عشر نفراً في وقت إجابة الدعاء وهم ذاهبون لتناول طعام إفطارهم؟! بأي داع يقتل هؤلاء ولمصلحة من؟ ألمصلحة الإسلام؟ هذا أبعد ما يكون، ألمصلحة فلسطين؟ وهذا كذلك، وبدليل أنه لولا حكمة المصريين لوقعت الأمور في أسوأ مواجهة بين المصريين والفلسطينيين فلمصلحة من؟ إنه لا مستفيد إلا «إسرائيل»، فيا من تخوضون المعارك الدون كيشوتية باسم الإسلام حيناً، وباسم الوطنية حيناً. تروَّوا قبل أن ترووا الأرض من دمائنا!

والمعارك مع الجيش اللبناني والدرك اللبناني التي دمر نتيجتها مخيم نهر البارد وهجر وشرد كل أهله وما عاد وضعهم إلى ما كانوا عليه ولن يعود أبداً، فلمصلحة من كان القتال؟ هل نفعتم الإسلام أم نفعتم شعب فلسطين؟ وقد أسأتم إلى الإسلام إذا استخدمتم اسمه «فتح الإسلام» وقاتلتم في غير المكان الصحيح ولا الزمان الصحيح ولا المعركة الصحيحة، ودمرتم معيشة الشعب الفلسطيني في هذا المخيم المنكوب، فأين العقول؟ ولماذا بعد الثورات العربية التي نجحت في تونس ومصر وليبيا واليمن نشطت بعض العناصر بتوجيه من بعض القيادات بأن يفتحوا المعركة مع المجتمعات، والدول الناشئة في ظل تجربة استلام الإسلاميين الحكم، فالتقيتم أنتم والعلمانيون والجهات الخارجية في محاولة إفشال هذه التجربة، فلمصلحة من؟ ألمصلحة الإسلام؟ ألمصلحة الثورة الشعبية والربيع العربي وأنتم تظهرون بعملكم أن الثورات فشلت وما حققت مرادها، وأن الاقتتال الداخلي صار أسوأ من عهد «شين العابثين» و»غير المبارك» و»غير الصالح» و»أبي العقد»! لو عقل الناس وتفكروا لعلموا أن لا مصلحة لا للإسلام ولا للأمة في كثير من التحركات.

وفي الصومال عندما فجر انتحاري نفسه في سبعين خريجاً من كلية الطب فأرداهم قتلى وجرحى ومثلهم لا يجتمع في مجتمع متقدم متطور، لمصلحة من ما يجري في الصومال؟ ومن تقاتلونهم كانوا معكم في الثورة على الظالمين، بل هم من أسسوا المقاومة! هل لا تصلح الأمور إلا بكم شخصياً أو تنظيمكم؟ فما فرقكم عن الأنظمة التي تزعمون أنكم تقاتلونها؟ أليسوا يحملون نفس النظرة والفكرة؟

ولمصلحة من تصدر فتوى «شيطانية» بتكفير الجيش المصري والأمن المصري، ولم نسمع مثلها في عهد «باراك مبارك»؟

هذا الفكر التكفيري يبعث من القبور ليجاء به إلينا في هذه الأيام أبعد ما نكون حاجة إليه. وهل ننسى يوماً أن قاتل علي رضي الله عنه قتله في المسجد عند تكبيرة الإحرام إماماً بالناس في الصلاة، وهو يصيح في المسجد -أي القاتل-: فزت ورب الكعبة!؟ هل هذا الفكر الذي يقتل علياً وهو يعتقد أنه أقصر الطرق إلى الفردوس، يمكن أن يجتمع عليه المسلمون وأن ينهض بهم ويرتقي بهم بين الأمم؟ وإذا كنا لا نصل إلى كعب علي فما حكمنا في نظرهم؟ وإذا كان المسلمون المؤمنون من الفرقة الناجية حمولة «كوستر»، فما رأيكم أن نقيم على الباقين حد الردة؟ يا قومنا. يا من تحملون هذا الفكر تفكروا مَن وراءه ومَن وراءكم؟ تفكروا. هل فيه مصلحتنا وتطور حياتنا؟ هل هو ما نحتاجه؟ إن من قتل ابن خباب ابن الأرت وامرأته معه وهي حامل متم لا يتورع عن قتل أي أحد. أمثل هذا الفكر يمكن أن يصارع حضارة غربية؟ أمثل هذا الفكر يمكن أن يحمل دعوة ويبشر بها في العالمين؟ أمثل هذا الفكر يمكن أن يحمل دعوة ويبشر بها في العالمين؟ أمثل هذا الفكر الضيق يتسع للمسلمين ويسعد المسلمين؟ هل يمكن أن نتعايش معاً إذا حملنا هذا التفكير، وهذا النمط من تصور الأشياء؟ هل نحاور حضارات وفلسفات وأفكاراً ومذاهب ومللاً ونحلاً شتى بمثل هذا النمط من العقول؟

وإن أنس لا أنس بعض المفتين المفتونين في بريطانيا، ممن أفتى أن من أطاع قوانين الكفر فهو كافر وضرب لذلك مثلاً بوضع حزام الأمان! هل حزام الأمان من قوانين الكفر؟

وأحد «القادة» الذين تطاردهم أمريكا وتطلبهم ممن كانت الفضائيات والدوريات تجري معه المقابلات يومياً وهو شكلاً ومضموناً أحسن المصدات عن سبيل الله والتنفير من الإسلام، وقد كان المسجد الذي يديره مأوى للمطلوبين ومهربي المخدرات، وهو الذي كان يقول ونشرتها «الجارديان» على الصفحة الأولى وهو مقيم في بريطانيا، ويعيش من المعونة الاجتماعية: بريطانيا بالنسبة لي دورة مياه أقضي حاجتي فيها وأمضي! هل يليق أن نخاطب الشعب الإنجليزي بهذه اللغة؟

وأحد هؤلاء «القادة» كان يعقد المؤتمرات التي قد يصل عددها إلى عشرين ألفاً ثم تحول «الفكر» الذي كان يحمله إلى فكر ثان وثالث ثم استقر على فكر التكفير! هل هذه التحولات طبيعية أم موحى بها أم كل ذلك مخطط؟ الأمر أعقد مما قد يبسط البعض. والموضوع يحتاج إلى جولات، لكن ليست دون كيشوتية!


(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير