jo24_banner
jo24_banner

العالم العربي على مفترق الطرق

د. احمد نوفل
جو 24 :

ما بعد «الربيع العربي».
لم تكن أمريكا لتسكت عن التغيير الذي يجري في العالم العربي، ولم تكن أمريكا لتستسلم بهذه السرعة وبهذه البساطة، ولكنها أيضاً أذكى من أن تناطح مباشرة إرادة شعوب صممت على التغيير، فطأطأت رأسها للعاصفة، وانحنت مؤقتاً للريح، واستعدت للجولة الثانية بعد أن خسرت الجولة الأولى وفقدت «خيرة» عملائها، خاصة مبارك والشين والقذافي وصالح. فقامت تحشد قواها التي زرعتها عبر عهود السادات ومبارك التي استمرت أكثر من أربعة عقود. وكانت خلالها طليقة اليد، طليقة الإرادة، تجند وتعد الخلايا النائمة ليوم الواقعة أو الوقيعة. أمريكا لا يمكن أن تسمح بديمقراطية حقيقية تأتي بالمخلصين للسلطة، وهي التي رعت وحرست كل دكتاتوريات المنطقة والأنظمة الشمولية في المنطقة، وهؤلاء هم الذين كانوا يقومون بحراسة «إسرائيل» وحراسة مصالح أمريكا في العالم العربي، فكيف تضحي بهم وتسكت على إسقاطهم؟ من الغفلة الظن أن أمريكا رضخت وركنت وصمتت ورضيت بالتغيير فهي دولة واقعية تتكيف مع الواقع والوقائع! وهي مع الواقعية تؤمن بقدرتها على إعادة العجلة إلى الوراء.
وهي ذات خبرات وتجارب في التلاعب بالدول والشعوب وقلب اتجاهات الثورات، فلا تستسلم لكل هذا بسهولة، وهي تعلم أن لها أتباعها والموالين لها والمؤتمرين بأمرها، وما أكثرهم من فلول نظام مبارك، ومن عناصر أجهزته العميقة، كما يقولون في مصطلحاتهم، ومن الليبراليين جدداً وقدامى، ومن اليسار المتأمرك، ومن.. ومن..
والبعض قد لا يكون بالضرورة عميلاً، لكن التقت مصلحته مع مصلحة أمريكا، والعجيب أن دائرة المصالح المتقاطعة تعددت وتوسعت، فالتقت إيران و»إسرائيل» وأمريكا والفلول والرجعية العربية، وكثير من التقدميين العرب! وتصوروا أن التقدميين العرب يديرون معركتهم من مشيخات النفط التي هي –تقليدياً- مركز الرجعية العربية!
وقد لاحظ جل المراقبين أن الذين يسيرون في المظاهرات أغلبهم فتية صغار السن في حدود خمسة عشر (teen agers) على رأيهم! وتفسير ذلك، فيما أرى يسير، أنهم يجندون من هؤلاء ويدفعون لهم مبالغ زهيدة مقابل التخريب، الذي ينسجم مع الحقد الطبقي الذي يختزنونه، للفقر الذي يعيشونه.
وأما من يديرون المعركة فهم الثالوث عمرو موسى والبرادعي وصلتهما بقوى الاستكبار واضحة، ولقاء عمرو موسى مع تسيبي بات مكشوفاً! وثالثهما الصباحي الناصري ظاهراً.
-معركة مفتوحة ولا أخلاقية
إن الذين يخوضون المعركة مع مرسي، يخوضون معركة مفتوحة ضده، ولا تحكمها قواعد ولا أصول ولا قيم ولا ضوابط ولا أخلاق. ولذا تجد أن التراشق في اتجاهين متضادين، أعني أن من يرشقونه يناقضون بعضهم وأنفسهم؛ فبعضهم يصفه بفرعون والمتأله، ولم يصفوا مجلس العسكر بهذا عندما استأثر بكل الصلاحيات والسلطات، وجعل الرئيس المنتخب مثل «شكوكو» أو «أراجوزات» مسرح الأطفال، لم يعترض معترض؛ لأن مجلس العسكر يسير في ركب «إسرائيل» وأمريكا وينفذ أجنداتهم، لذا فلا اعتراض عليهم!
وعندما حل أربعة قضاة أو نحو ذلك مجلس الشعب المنتخب من اثنين وثلاثين مليوناً لم يعترض معترض، وهم قد عطلوا الحياة النيابية وحلوا السلطة التشريعية، فتغولت السلطة القضائية التي هي من فلول نظام مبارك، تغولت على السلطتين التشريعية والتنفيذية ولم يعترض أحد!
ولجنة الدستور اعترضت لخلو لجنة صياغة الدستور من بعض الأقباط والليبراليين ومن إليهم، والحقيقة أنهم انسحبوا ليتوصلوا إلى هذا القول.
وأما الإعلام الذي كان يؤلّه مبارك ويصفه بالملهم والعبقري، وهذه الوثائق من مجلاتهم وجرائدهم أحتفظ بها، وهي في المتناول الآن عبر التقنية الحديثة، هؤلاء المرتزقة الذين كانت مقالاتهم ورسومهم الكاريكاتورية تنضح بالحقد على الإسلام والاستهزاء بقيمه والحجاب وباللحى، وبكل ما يمت إلى الدين وإلى المتدينين. ولست أتكلم عن مشاهير المتأمركين كسعد الدين إبراهيم وعبد الرحيم علي محمود وغيرهم كثير، فهؤلاء محروقون، لكن ساحة الإعلام تعج بكتاب وكاتبات ومقالات تصور أن مرسي خرب مصر ودمر اقتصادها وفكك مجتمعها! وأما الذي دمر –حقيقة- كل ذلك وهو مبارك، فقد كنتم تسبّحون بحمده.
أما الدستور فعود إليه، فمن الكتاب من يصف إعداده بطبخة الحصى لا تنضج ولا تنتهي! وبعضهم يصفه بـ»البليلة السليق» فعجباً، كيف تكون لمرسي كل هذه الإنجازات الحقيقية وأهمها المليارات العديدة التي استقدموها لمصر من قطر وتركيا كاستثمارات أو ودائع في البنوك، أقول كيف تكون له كل هذه المنجزات، وخاصة في محاولة حل أزمة المحروقات المفتعلة من الفلول، وحل أزمة النظافة في القاهرة وقد تكدست الأزبال كالجبال فيها!
وعلى ذكر الإعلام نذكر نتفاً عن السينما المصرية التي يُنيف عمرها على المئة سنة، فالآن يثيرون زوبعة على فيلم «الملحد» تأمل العنوان! وفيلم «تحت النقاب» يتكلم مخرج الفيلم «جرجس»؛ أي قبطي لإثارة فتنة! يتكلم عن ثلاث منقبات واحدة راقصة، والثانية تعمل في ملهى ليلي، والثالثة في الدعارة!
فإذا تكلم أحد عن السينما والرقابة قيل: يا لضيعة الإبداع، ويا لخسارة السينما المصرية التي لها تاريخ مشرف في صناعة النجوم! ولماذا تكثفت أفلام تتحدث بشكل سافر فاضح عن الشذوذ؟! لماذا الآن؟ وهل هذا الموضوع يخدم المجتمع؟ ومن أفلام السبكي للإنتاج السينمائي فيلم بعنوان «عبدة موسى» يزين البلطجة والدم والعنف.
وحجة السبكي: الجمهور هو الحكم! إذا نجح الفيلم فهذا جواز مروره! وبعد هذا لا يهم الدمار الأخلاقي الذي يحدثه والخراب القيمي والذوقي! والحديث يطول!
أما كلمة الحق التي يراد بها أبطل الباطل فاستقلال القضاء! وكيف يتغول هذا القضاء على سلطتين بلا رادع؟ وهل القضاة نزلوا من السماء -على رأي أنيس منصور في كتابه «الذين هبطوا من السماء»- هل هم معصومون كأئمة الشيعة؟ إيه الحكاية يا خلق هوه؟!
وبعضهم يدعي النزاهة والموضوعية، فبينما يقول مرسي إنه أنجز من أهداف الثورة أكثر من نصفها أو 60%، يقول بعضهم إن ما أنجز لا يصل 10%، بل هو 6%. ولو سلمنا لهم هذا القول، فإن إنجاز 6% من إصلاح الخلل في ثلاثة أشهر مؤشر مبشر، فدعوا الرجل يكمل مدته ولا تعيدوا انتخابه. ثم لم لا تصبرون شهرين على الحد الأقصى حتى يتم إقرار الدستور وتجري الانتخابات، وتقلص صلاحيات الرئيس من جديد؟ ثم لم لا تحاورون بالحسنى دون حرق وتخريب؟ هل التعبير عن رأي سياسي لا يتم إلا بحرق القاهرة كما جرى في حقب متلاحقة؟
فأين ادعاء حب مصر والغيرة على مصر؟ وشفيق يتكلم! كيف؟ ألست أنت صاحب وقعة الجمل التي اتهمتم بها «حماس»؟! ألست ملاحقاً في قضايا فساد؟ ألست رجل مبارك الخالص المخلص له، وكنزه الاستراتيجي الذي خبأه لليوم الأسود؟ ألست أحد الصناديق السوداء لأسرار مبارك؟ ألست في دبي تعلن الحرب مع الإمارة العظمى التي أعلنت الحرب لا على مرسي، وإنما على المسلمين، بل على الإسلام ذاته؟!
- على مفترق الطرق
قبل حوالي سبعين سنة من الآن كتب المرحوم ليوبولدفايس أو محمد أسد كتابه القيم «الإسلام على مفترق الطرق»، ويقصد بعنوانه إما أن يصعد باتجاه دوره الحضاري، والمقصود أهل الإسلام بالطبع، وإما أن يظل الدور الحضاري له معطلاً، وتظل أمته أو شعوبه تابعة للغرب كما هو واقع الحال!
واليوم نقول إن الأمة على مفترق الطرق؛ إما أن ينجح مشروع التغريب، وتعطيل دور الأمة وعرقلة نهوضها الحضاري، وتعطيل مشروع دمقرطة النهج السياسي للحكومات لتظل ترسف في أغلال الفردية والشخصية والعِزَب والضيعات، ومقولة فرعون في مصر منذ قديم الأعصر: «أليس لي ملك مصر؟!»، وإما أن تنهض الأمة فتزرع قمحها وتأكل مما تنتج أرضها، وتلبس مما تصنع مصانعها، وتقود السيارات التي تخرج من مصانعها، وتحافظ على ثرواتها، فلا لطش ولا نهب ولا تبديد ولا تكديس تريليونات في البنوك الأجنبية. وأخطر من كل ذلك أن تتحرر فلسطين وأقصاها ومسراها، إن تم التحول الصحيح أو أن يتعطل كل ذلك إن تعطل التحول.
- لما يجري في مصر ما بعده فإياكم أن تسقط الراية
إنهما مشروعان يتصارعان، وتوجهان متناقضان، ونحن نقف على مفترقهما، وثورات «الربيع العربي» الآن تقف على تقاطعهما، فإما أن تخدع الجماهير بشعارات الزيف والتضليل والتهريج، وإما أن تحافظ على المد الثوري الذي بدأت به الثورات العربية التي يسميها المرتزقة «الخريف العربي».
وختاماً أقول: هذا التغيير محروس من الله، وبخاصة في مصر المحروسة! هذه أقدار تريد أن تمهد الطريق لتحرير المسرى، وانتكاس هذا المد الثوري إعاقة للتحرير، فحاشا أن يكون ذلك.
صحيح أنني قلقت جداً، لكنني في النهاية مطمئن إلى أن التغيير قدري ماض إلى غايته لن يعطله لا شفيقة ومتولي ولا عمرو موسى و»إسرائيل»! وما حدث امتحان لصبر المؤمنين، أيصبرون؟ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
(السبيل )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير