هل من مجال للتفاهم (أيهّا الأردنيّون)؟؟؟؟**
لا أظن أن طبقة السلطة الفاسدة التي أدمنت على احتكار السلطة لزمن طويل ، هي مؤهلة لأن تـُـصلح ذاتها بذاتها. ذلك أن الفساد الانحرافي ،أو الانحراف الفسادي (سمه ما شئت) ؛يكون قد تغلغل ليصل إلى المكونات النفسية والشخصية لمفرداتها. ويصبح المكوّن الرئيسي للذهنية ومنهج التفكير ، وكذلك للوجدان والمشاعر والإدراك .وعليه نقول أن للفاسدين ثقافة فرعية خاصة بهم وبمرور الزمن تنمط هذه الثقافة عقليات الفاسدين شكلا ً ومضمونا ً. بحيث تغريهم هذه العقلية بممارسة الاستبعاد الاجتماعي، الذاتي فيعزلوا أنفسهم عن الناس ليعيشوا مع ذواتهم بأبراجهم العاجيّة المعزولة ، مع وهم يلازمهم بأنهم (الأعلون) وباقي الناس هم (الأسفلون) . بل إن كل الناس بنظرهم يصبحون أدوات أو وسائل لا أكثر يستخدمونهم بما لديهم لقضاء مصالحهم بينما هم (طبقة السلطة) عن كل عُزم (بعيدون) .
يقول علماء النفس ، أن الذي يمارس سلوكا ً انحرافيا ً لمدة طويلة لا يعد قادراً على الشعور به؛ تماما ً كما لا يستطيع الجالس في محل لبيع العطر أن يشم رائحة العطور كما شمّها حال دخوله المحل . ومع مرور الزمن يدخل مرحلة تبلد الحس ، فمرحلة الاستجابة الإدمانية حيث يصبح بحالة إغراء شديد لممارسة فساده وانحرافاته ، ولا حياة ممكنة دون ذلك بنظره . لقد مرّ ما يزيد على النصف قرن وفئات من طبقة السلطة ترتع بخيرات البلد المكدود ، والمنكوب بهم وهي مدة كافية لترسيخ دوافعهم ورغباتهم في (الخلود ) وقد تمظهر ذلك واقعيا ً وقد حصل ؛ وإلا ما معنى أن يفكّر البعض منهم ، ويقوم البعض الآخر منهم بتوريث مناصبهم وامتيازاتهم السلطوية كلها لأبنائهم دون خوف ً من أحد ولا حياء من أحد ؟! بعد أن احتكروها لأنفسهم كل هذا الزمن الطويل ...بل أن البعض منهم قد تطاول إلى درجة أنه صار يعتقد بأنه مثل "الملك " ولا فر ق .... فالملك يورث لأبنائه ، وهم لماذا لا يورثون لأبنائهم؟؟ ويعتقدون أن الناس غافلون عنهم وعن الفرق بين الحالتين .
فالملك عندما يورث ينفذ استحقاقا دستوريا ً ، وليس لهم ولا لأبنائهم مثل هذا الحق ؛ والملك قد يجامل مؤقتا ً كما هي عادة الإنسان في التعامل مع من يحيطون به ، وعندما يراهن ً على بقية من حياء إن وجدت لديهم ... لكنهم تصرفوا بطريقة ينطبق عليها قول الشاعر مع تعديل:
" لقد أفهمت لو جاملت حيا ً ولكن لا حياة لمن تجامل "
هي المكابرة وغرور السلطة إذن أو ربما هي الألفة المزمنة التي (تزيل التكليف) وإذا ( ما زال التكليف تساوت الرتب) كما نقول في أمثالنا الشعبية وكما توهّم المتوهمون .
إذن ليس من السهل التوافق مع من صار هذا حالهم وإعادتهم إلى وعيهم والتزام حدودهم.. فالمسألة إدمان سلطة، وهي كالإدمان على المخدر وأشد.
يقول علماء الطب النفسي: لكل إدمان علاج إلا الإدمان السياسي أو (إدمان السلطة) فلا علاج له . فهو كالغرغرينا في الجسم يُتلف الأعضاء ويفقدهالإحساس ، ولا علاج حينها سوى البتر .إن إدمان السلطة يُفقد المدمن حسّه بالمسئولية تجاه من يتسلط عليهم . ويذهب بضميره ، فلا يرى في الغير ما يستحق ولو كان ذاك الغير أصلح منه وأكفأ . بل وصنف البعض إدمان السلطة فيضعه ضمن عائلة (جنون العظمة) كأحد أشكالها أو مستوياتها . وكلما تفاقمت بمرور الزمن أنتجت آثاراً جانبية(مخاوف، وأوهام ، وشك ) بكل الناس بل وكره لهم في نهاية المطاف ويصير بين نارين : نار الرغبة الطاغية في الخلود بالسلطة ونار الخوف من فقدانها جرّاء تهديد الناس . فقد صارت جزءا ً من ذاته يملكها وتملكه ولا يرى نفسه بدونها إلا ميتا ً أو فليموت الآخرون فيكون هذا قراره الأخير .في هذه المرحلة يصبح تحت رحمة نزعة عدوانية قاتلة يغيب عن مجالها تماما ً العقل أو التعقل . فلا يعود صالحا ً للحل، ولا يعود مستقبلا ً له .
وعليه فإن إمكانية التفاهم مع طبقة السلطة إذا أدمنت على السلطة في أي مجتمع هي ضرب من إضاعة الوقت بل ذلك شيء من الجهل وسوء الفهم ، والظن بإمكانية الالتقاء مع مفردات هذه الطبقة بمنتصف الطريق هو كذلك . فهم كالمدمن على المخدر يريد المخدر فقط ، ولا يريد الحديث ولو كان عن علاجه . فكيف إذا كان لأخذ المخدر منه ؟؟؟ فالتوافق مستحيل .. هذه هي القاعدة في عموم الأحوال ... لكن .. ولأن لكل قاعدة استثناء فالمرجو أن نكن نحن الاستثناء في بلادنا هذه الأيام ... وعليه أتساءل : هل التفاهم ما زال ممكنا ً ... علم الطب النفسي يقول لا . وكذلك تؤكد طبقة السلطة مؤخرا ً؛عندما تمخضت كل هذا المخاض وولدت ذلك القانون (للانتخابات) الذي سيكون مثيرا ً للجدل والسخط والرفض كما نرى بل وربما كانت صياغته وصفة مثالية للشحن والتفجير ... ربما لم يكن هذا القصد ، لكن الفعل ومنتج الفعل يشير إلى ذلك . فالخائف جيدا ً يستعجل الخلاص ويبدو أن الناس بطبقة السلطة في طريقهم إلى اختبار مصداقية المثل (إذا ما انحرت ما بتصفى ) إن صح ذلك فذاك منطق الخائفين وشر (الأعداء) أخوفهم.
نحن قوم نميل بطبعنا إلى السلم وإلى تبسيط ما استعصى من الأمور ، ولا تسمح لنا أخلاقياتنا ولا ديننا بان ندير ظهورنا لبعضنا البعض في مسائل حلّها ضمن خبراتنا ومعارفنا، فنحن من أكثر المجتمعات العربية تعليما ً أليس كذلك؟؟؟ وعددنا محدود ، ونعرف بعضنا بعضا ً أفراداً وجماعات ، ونترابط بأواصر القرابة والنسب والمصاهرة وكلها صلات للرحم . جيشنا من أبنائنا وأخوتنا ولا مرتزق واحد بينهم . وكذلك أجهزتنا الأمنية المسكونة بهاجس المحافظة على استقرارنا وراحتنا وأعمالنا؛وبحياد تام دون انحياز، وبهذه الروح تُصان الأوطان .
هناك الكثيرون أخطأوا بل وفشلوا في خدمة الوطن فخذلوا أنفسهم وأبناءهم وأسرهم وذويهم كما خذلونا وخذلوا الوطن ... وخذلوا رأس الدولة ... والحل باستبعادهم ... هم فقط مع جزاءات عادلة لغاية العبرة وليس الانتقام ، بهذا يكون الحل ... وليس بالضرورة بخلخلة الوطن كله. وهو حل يقع ضمن صلاحيات رأس الدولة قد لا يكون كاملا ً بالضرورة بنظر الجميع لكنه هو ما يجمع عليه الجميع وهو بالتأكيد سينهي معظم المشكلة إن لم يكن كلها ولأمد ربما يطول . وما اطرحه كحل ليس جديدا ،، بل ويتحدث به أيضا ً أردني نظيف هو الأخ الفاضل بروفيسور عبد الرزاق بني هاني الذي أميل إلى أن أراه صاحب (العجيبة ) أليس ب(عجيبة) أن يدخل هذا الرجل الى طبقة السلطة ويظل رغم ذلك نظيفا ً ؟؟؟!!! نعم ،نعم ... هي الأردن، هي بلادنا يا عبد الرزاق التي ما كانت يوما ً إلا ولاّدة .
أ.د. إدريس عزام