الشبح الذي حلّ اللغز **
في مشوار الحياة كثيرا ً ما أواجه لغزا هنا ولغزا ً هناك ، لا أجد له تفسير .آخر هذه الألغاز هو" السر ّ في غرامنا وهيامنا بالبحر الميت " مع انه الميت الوحيد من بين بحار الكوكب كلها حسب معلوماتي الجغرافية .
أنظُروا إلى الأردن كم هي واسعة .... ومتنوعة بيئيا ً ، فيها الصحراء والبادية ، والجبال الخضراء ، والجبال الجرداء ، والمدن ... عفوا ً [ التلال الحجرية والأسمنتية الصناعية ] والمزارع ، والوديان وخلافه . و أنظُروا الفنادق ، وما تقدمه من لزوميات الفندقة "والسبهللة".كل هذا لا يعجب السلطة ولا النخب "المتسلوطة "كي يجلسوا فيها ليتباحثوا "عفوا ً ليعرطوا أو يهرفوا" إلا أن ينزلوا أو يهبطوا إلى البحر الميت .. طيب : من (شو بتشكي ) جمال عجلون الحلوة جنة الله في أرضه التي من الممكن أن تصبح بترول الأردن ، و(مال ) البادية التي ترد الروح لولا (شوية هالغبرة )؟وسهول اربد والرمثا وحوران إجمالا ً بفصل الربيع جنّة ، وممكن يُبنى فيها فنادق وعلى (كيف الكيف) وهذه يمكن الجلوس فيها و شم الهوا أيضا ً ، وصحارى الجنوب وأجواء الطفيلة معشوقة التفاح ، أيضا ً مناسبة .
كل هذا لا يعجب ، فقط لا نريد إلا الهبوط إلى البحر الميت ربما يساعد ذلك في إنعاشه مع أن قلبه قد توقف من أمد طويل . نعو إلى حكاية النزول .. كل البشر يميلون إلى الصعود وهنا نحن نميل إلى النزول ودائما ً أتساءل لماذا نحن في هذا النازل دائما ً ؟ لماذا النازل والنزول هو خيارنا يا سادة ؟؟....وإلا بماذا تفسرّون غرامكم في البحر الميت ؟؟ حتى (دافوس) (جرجرتوه ) للبحر الميت وكأنه لا يوجد غير هذا المكان تجلسون فيه .. العدو من أمامكم ، والجبال خلفكم ، وما بقى إلا طارق بن زياد يخطب فيكم ....
ألا يمكن أن يكون في خياركم هذا أحد أسباب غضب الله علينا ؟ فكلنا سمعنا ما يروى أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان إذا مرّ من تلك المنطقة من العقبة وحتى البحر الميت أسرع فجأة فلا يستريح لها حسّ النبي وطالما لا نستريح إلا بها فيبدو أن أحاسيسنا تعمل على بوصلة مناقضة للبوصلة التي تعمل بها أحاسيس الأنبياء . وربما لهذا علاقة بحلول غضب الله علينا فكان أن ضربت علينا المسكنة والفقر ... على أي حال .. أنا أعترف ، بأنني عاجز عن فهم سر ّ غرامنا بالحر الميت مع أنه ميت.. وخلوات ، مؤتمرات ، وحلقات ، وتجمعّات ، وإعلان تأسيس أحزاب كرتونية وهيئات شبابية (ما حدا شاف خيرها من شرّها).... كلّه في البحر الميت . على أي حال هذا كله مفهوم وإذا فيه ضحك فعلى ذقوننا نضحك . لكن ما لا أستطيع أن أفهمه هو المسكين "دافوس"ومؤتمراته ... كل مدة ومدة وإذا بدافوس قد انعقد ...وين ؟ في البحر الميت؟؟!!! طيب شو دعوا على رأي أهلنا في العراق ...ماكو مكان غير هالميت ؟؟؟ ما في (حيّ) مناسب في قرية ، مدينة نجلس فيه ونأتمر إلا الميت ؟؟ .
بصراحة أشغلني الأمر ؛ وفكرّت ُطويلا ً على أن أعثر على تفسير للأمر فلا أجد ...مرة أقول لنفسي يا عمي تحت أهدا ، ثم أغيّر رأيي عندما أتذكر أن كل فنادق الدنيا هادئة !! فأقول ...آه ربما قلّة دين ؟!يعني عمدا ً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لأنه ما أحبها .. فنأتي نحن للتعويض عليها ؟؟!! ثم أجدني أتراجع فأقول لا لا ، لو قلّة دين ما كان الإخوان المسلمين يسرحون ويمرحون في ديارنا وحدهم من سنين ؛ فأغيّر رأيي ...وذات ليلة ، وبينما أنا على هكذا حال أطوف بأفكاري في كل مجال ، وأضرب أسداسا ً بأخماس لأجد جوابا ًعن هكذا سؤال ..أخذتني سـِــنــَـــةٌ من نوم إذ فجأة هويت في ما يشبه هدأة النائم نوما ً (قريقعاويا ً) يعني لا (بالغافي ) ولا باليقظان ، أكاد أسمع البعض ولا أسمع كل ما يدور حولي من كلام ... هي برهة أكاد أسمع وينطفي السمع برهات ... وهكذا .. حتى دخلت من النوم حالة يسمونها حالة الأحلام...وإذ بي أرى فيما يرى النائم ، نفسي وقد وقفت أمام شبح ابيض لا أكاد أن أبصر له رأس لعلوّه عن الأرض أما رجلاه فلا تصيبان من الأرض إلا ما تصيبه أقدام المشنوق ...وكان كلّه نور .سألته من أنت وتصنعّت رباطة الجأش ...فقال : أنا من سيحل ّ لك المعضلة ..معضلة ماذا سألته ؟ فقال : معضلة هيامكم بالبحر الميت وغرامكم بمؤتمر دافوس ؟!!!قال هكذا أما أنا فكأنه انتشلني من بئر سحيق لشدة ما غمرَتني السعادة . قلت هات ما عندك يا أخا الأحلام .. فقال : أما البحر الميت فلأنه بالنسبة لكوكب الأرض (حفرة ) ولها جناحان يمتدان مئات الكيلو مترات شمالا ً وجنوبا ً ... فقاطعته أدخل في الموضوع فالأجنحة لا تهمّني ولو كان له أجنحة لطار بها وارتفع وما ظل ّ أسفل سافلين كل هذه القرون . فاستأنف قائلا ً : وأنتم تعشقون الحفر لا لأنكم لا تعانون صعود الجبال فقط ، بل لأنكم اخترتم أن تعيشوا أبد َ الدهر بين الحفر.! تساءلت شو سيّد شبح قارئ أبو القاسم الشابي كما يبدو ... تجاهل ولم يرد فقال : من أجل ذلك أنتم دائما ً تبحثون ن الحفر فأنتم أحوج خلق الله لها ... حتى تدفنوا بها قراراتكم ، وتوصياتكم ، وملفاتكم ...وكل غراب البين ، فلا يستطيع أحد أن يطّلع عليها فلا يستفيد منها أحد وهذا هو المطلوب عندكم مفهوم ؟ سألني .. فأجبت مرتعشا ً : مفهوم .. وسرعة خاطفة سألته طيّب ودافوس ؟؟أجاب : يا سلام ؟ ألَست َ من هذه البلاد يا بني آدم ؟ قلت نعم ! قال: ألا تقولون بلهجتكم عندما تريدون إخفاء شيء أو القضاء على ملا محه وأثره كي لا يراه أو يصل إليه مخلوق ...ألا تقولون (أُدُفــْــســـُــهْ) قلت : نعم ... قال هو ذا فكل من يتفندق في البحر الميت تحت (طاقية خفا ) اسمها لجنة ، مؤتمر ، حزب ، حلقة ، طاولة مستديرة ، تجمّع ، وكل شعيط أو امعيط أو نطاط الحيط ...كله كله يصير (دافُس)والدافس (بكسر الفاء)يا أخي من حفر للشيء حفره (ودفــَـســَــهُ ) فيها ، فيكون قد طمره ُ وأهال عليه التراب ، فلا يعود له وجود أو فائدة ....وأردف : شو أنت ما بتعرف عربي وعامل حالك متعلّم ؟؟فانتفضّت ُ فجأة وبرشاقة تفوق (فزّة ) المرحوم ارخميدس من الحمام ،وقلت والله صحيح ...ومعقول ... وسبحان الله لكل مسمّى من اسمه نصيب ...(دافس) بضم الفاء أو كسرها لا يهم فالدفس معروف ونحن قوم (دفاسون ) حتى الشمس دائما ً نسعى (لدفسها )نغطيها لأننا نعشق الحفر والظلام والدفس . وطالما أن البحر الميت قد وفّر علينا تعب الحفر لأنه محفور (ربّاني)يعني جئنا ووجدناه محفور جاهز وهو حفرة الأرض كلها فلا يظل علينا إلا الطمر (أي الدفس) وهذه مهمّة سهلة . فما علينا إلا أن نقول ونقول ونقول ...ثم نكتب ونكتب ... ثم من (يجب)نأخذ مئات (اليجبات) ومن ينبغي (آلاف الينبغيات)وبرشاقة غزلان بوادينا نلقي بها في الحفرة الربانيّة (للدفس )فندفسها فيها ولا مين شاف ولا مين درى ... وعليه إذن ....فالمكان مناسب جدا ً للنيّة ...وهنا تنهدّت وقلت الحمد لله الآن صارت واضحة ...لكنه استرسل يقول : أما جبال عجلون التي ببالك وأنا عارف بتفكر بمين ، صحيح أنها يمكن أن تحوّل إلى جنّة سياحية وتصبح بترول الأردن ، وكذلك البادية وسهول حوران ( أهراء روما القديمة )، حتى أكوام الحجارة والإسمنت التي تسمّونها مدن مثل المدعوّة عمّان ، يمكن الجلوس فيها كمان . وهات يا حكي ويا ورق ، شغلة سهلة وما بدها ....لكن المشكلة أن هذه مناطق مرتفعة ، والمرتفع مكشوف ومن الصعب أن تدفسوا فيها شيء أو تخفوه عن عيون الناس ... بل وفضيحة كذلك لذلك وطلبا ًللستر حكمتم على أنفسكم بالانحدار للحفرة تحت ففي الحفرة تختبئون وفيها تدفسوا ما تريدون فلا يراكم ولا يسمعكم أحد ، فلا عن أي نتائج بعد ذلك تــُسألون ! ولهواة الآثار لو فكروا بالعثور على المنجزات الورقية فلا بأس أن يهبطوا هناك فيزيحون الطمر عن المدفوسات شريطة أن يحتفظوا برباطة الجأش فلا يصعقون إذا ما وجدوا أن كل ما قلتوه ، أو فعلتوه هو هناك في الحفرة . قال ذلك وفجأة اختفى ، أما أنا فقد اختليت بنفسي وصرت أهذي وكأني أوجه الكلام لنا جميعا ً ....فأقول طالما أن الأمر هكذا ، وكما فسّر أبو الأشباح إذن : خلصونا بلا (تعالم) وبلا تثاقف (وبلا تناخب ) ... لو كان في بلادنا علماء ومثقفين ونخب سياسية وغير سياسية ، حقيقيين وليس ممثلين ، لما صار الحال هو الحال ، كواقع يغني عن أي سؤال .
حتى ناخبين حقيقيين ما عاد عندنا .يا بشر ، عندما نسأل أهلنا وقرايبنا (عشان نعرف بس للعلم لا أكثر ) مين بدكو تنتخبوا ؟ بقولو :الإخوان المسلمين !وعندما نسألهم ليش بدكو تنتخبوا الإخوان المسلمين ؟؟؟ فيردّون بصوت مبحوح (من لذعة غماس الشاي الساخن ) : جماعة عندهم دين!! وإذا كررنا السؤال : طيب وباقي الناس والأحزاب ما عندهم دين ؟؟؟ فيسكتوا... وعليه .. فأنني وبصراحة أدين الموقف الرسمي والموقف الإعلامي لأنهم لم يعلنوا للناس صباحا ً ومساء ً أن الانتخابات القادمة يا ناس هي لانتخاب نواب للبرلمان ، وممكن يصيروا وزراء ، ورؤساء حكومات ... أما انتخابات الأئمة وخطباء المساجد لكل من مسجد الشهيد المؤسس والجامع الحسيني والمسجد الأقصى والمسجد الأموي ... فقد أجلناها 5 سنوات على الأقل فهذا واجب على الدولة نحو الشعب ، علاوة على أنه يؤشر على وجود تقصير إعلامي خطير .
وختاما ً ..أختم كلامي بالقصيد الشبحي فأقول :
ريتك يـ بو الأشباح من زمان هلِّيت
وخلّيتنا نعرف هالمدفـــُـوس ْ مين دافـْـسـُـه ْ
من زود علمك والعقل على النبي صلّيت
وأشهد ْ بإنــّـك ْ فهيم ْ ... هذا إشي حاســُـه ْ
وليتك يــ بو الأشباح عن صاحبك ما تونّـــيت ْ
من يوم دافوس م َ انعقد ْ وراسك وين داسُّــه ْ ؟
لو كنت ْ مثلي بشر ْ وِكاد ْ كان فزّيت ْ
يوم الـنــُخب ْ (تكرفتوا) على النبي حارسه ْ
والكل (يهذْوِلْ هـَـذْوَلِه ْ) بفراشي ما غطّيت ْ
أتقلب ْ عـِـدِّي صويب ْولحمي بحجر ْ هارسـُـه ْ
الناس بقولوا الشبح ْ بقدر يزّم ْ البيت ْ
وين المراجل يا شبح وسـُــرّاق الوطن حارســُه ْ
عــُفنا الحفايرْ والبحر ْ والله وربّ البيت
من يوم دافوس (مادَفــَسْ) والفقر صار لابــســُه ْ
عَتبان ْ وكلّي عَـتــَب ْ ،معقول ما دريت ؟
لمّا الحــَفْرْ تحت الوطن خلخل لنا ساسـُه ْ
وين الوفا للصديق ؟ ماعاد سُمعه ْ وصيت
لزوم (تنجدنا) ب (شبايح) عوض ْ بدل ناسـُهْ
تراني رافض ْ حُجج(وأعذارْ) لو طقيّت
(وما تقولّي )البحر مات ْوانقطعت ْ أنفاســُــه ْ
من يوم عقدك يـ دافوس خير ْ الوطن ْ نعيت ْ
وصاحبي الشبح (قلّي )الفقر بيدك غارســُــهْ
همّي ثــِــقـــِــل ْيـ (الربُــعْ) ومن زود الهم غنيت ْ
(وكاد ْ) ما فيه صلاح هذا إشي لامــســُــه ْ
لو زاد همّك (غـَــنيلــُــه ْ)، حسب المــَــثـــَل ْ ساويت
جلمود همّك يا وطن جبل ْ عــَــصدري ْكابـــســُه ْ
صحيح إلك ْيا شبح ْ راسي أنا وَطِّيت ْ
قاهرني جنس البشر ْخصوصا ً ذول أنجاســـُـــه ْ
لو لي أمل ْ بالنّاس والله ما جـَظــِّيت ْ
من هالوطن (أتفه جربوع)تعرَّمت ْ إكياســــُـــه ْ
عاثو فساد بزعرنة وألقاب ْ بعد وصــِـيت ْ
والبعض غزا الديرة وشاغل بخرابها راســــُــه ْ
لو يرجع بي َّ العـُمـــر ْ عشرين آه يا ريت
ل ... خلّيت كل من حرث ْ ما يحرث غير مارســُــه ْ
نشامى الأردن !وينكو؟ الرخــَــم ْ دَش ْ البيت ْ
(عجيانكو) (هللي ) بالحوش .... ما تخلو الذيب حارســـُــه ْ
أ.د. إدريس عزام