ماذا يجري في تونس ومصر؟/2
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- تمهيد
قلت في مقالة قديمة: إن أمريكا صاحبة خبرات في إفشال الثورات فاحذروها! وأنها تنحني لعاصفة الثورات مؤقتاً، ثم تنقض عليها في هجمة مرتدة من خلال جيش العملاء وفلول النظام التابع لها.
وقلت في المقالة السابقة تحت هذا العنوان: ماذا يجري.. قلت إن أمريكا والصهيونية لم تكن تلعب طيلة عقود حكم العهود البائدة من الأنظمة العربية التابعة الفاسدة. وإنما كانت تربي جيوشاً من العملاء. ونحن أيام كنا نزرع ونفلح الأرض كنا نعلف البغال سنة لنحرث عليها شهراً. وهؤلاء العملاء كذلك تعلفهم أجهزة المخابرات الدولية دهراً لتحرث عليهم شهراً ولتدمر ثورة وقطراً. وقلت إنهم يوظفون علم النفس الاجتماعي في تهيج الرأي العام وصناعته وتوجيهه.
وقلت إن الأنظمة التي جاءت بها الثورات ورثت تركة مثقلة لا يمكن إصلاحها بين عشية وضحاها. ولا أكرر فأنتقل للحلقة الثانية.
2- التدخل السافل السافر من فرنسا في تونس
يصف وزير خارجية فرنسا حزب النهضة بأنه فاشي قاتل دموي، ويقول: إن صناديق الانتخابات يجب أن تأتي بعلمانيين يحسنون قيادة البلاد.
كشفت فرنسا عن وجهها القبيح، وأنها هي من يعبث بأمن تونس ومعها بالطبع أمريكا والصهيونيةـ، وما القوى الفوضوية هذه إلا أذرع تنفيذية لهذه القوى تأتمر بأمرها.
ولا ننسى أن فرنسا نفسها عندما جاءت الصناديق بالإسلاميين في الجزائر في التسعينيات قالوا: سنعيد احتلال الجزائر إذا فاز هؤلاء واستلموا السلطة.
الديمقراطية إذاً مسموح بها إذا أتت بالليبراليين والعملاء الغربيين والمستغربين والقوى العلمانية التي ربيت على عيونهم، فإن أتت بغيرهم فالانقضاض هو الحل والاستئصال والفوضى الخلاقة بزعمهم، والخراب.
بان الصبح لذي عينين، يا من تريدون أن تروا ضوء النهار، هذه حقيقة ما يجري، وهذه حقيقة المعركة.
أوليس هذا تدخلاً في الشأن الداخلي؟ ولماذا بعض القوى العلمانية في تونس تستنجد بفرنسا كما استنجد بعض أضرابهم في مصر بـ»إسرائيل» أن تنقذهم من مرسي، يستنجد علمانيو تونس بفرنسا أن تنقذهم من حزب النهضة.
3- قتل بلعيد.. وفن الإخراج
قبل قتل بلعيد بيوم أو يومين كانت «بي بي سي» تجري معه مقابلة، شن فيها هجوماً عنيفاً على حزب النهضة وما ترك وصفاً سيئاً إلا استخدمه، ليقال إذا اغتيل إنه اغتيل نتيجة لتصريحاته ضد حزب النهضة. ومن عرف الغنوشي وحزب النهضة يعرف العقل العظيم الذي يحمله الغنوشي والطبيعة السلمية الهادئة عنده. وقد عرفته منذ أوائل السبعينيات قدمته لمحاضرة وعلقت عليه، وقد لفت نظري عمق متميز قليلاً ما نرى له نظيراً. وزرته في منفاه في لندن وجلسنا على الأرض في بيت أجرد وأكلنا الطعام البسيط جداً، فقد كان الرجل يعيش دون الكفاف. واكتوى بنار الغربة وعنف نظام الحبيب بورقيبة و»بنعلي» من بعده. هذا الرجل لا يمكن أن يكون حزبه وراء هذا الاغتيال؛ لأنهم الخاسر الأول بل الأوحد. والرابح الأول القوى الاستعمارية والليبرالية التي تريد سرقة الثورة، وكيف حكمت زوجته العظيمة أن الغنوشي شخصياً مسؤول عن قتل زوجها كما زعمت؟
ولقد حملت صحف العالم العربي وتونس أولاً حملة شرسة على الإسلاميين حتى بعض كتابنا هنا ونحن لسنا في المسألة، ولاحظوا التوقيت المشبوه أن الأمن المصري يسحل مواطناً في ذات التوقيت، ثم فتوى من الشيخ المجهول بجواز قتل المعارضة. فاكتملت الحلقات حتى يقال هذا هو بالتأكيد العمل الإسلامي!
وهذه هي عقلية الإسلاميين -وكذبوا والله- فالمسلم جمال داخله، وما القبح والإجرام إلا عند الذي انفصل عن الله والإيمان به وبلقائه، وما بعض أدعياء التدين إلا عناصر مخترقة من الجهات إياها لتلويث صورة الإسلام وصورة الجهاد والمقاومة.
ولقد حذرنا من اليوم الأول من تشويه صورة المقاومة في سوريا عن طريق بعض العينات المتدينة المخترقة! وحصل ما توقعنا. فالقتل والسحل هذا عملهم هم، واختصاصهم وخبرتهم، فلا تخطئوا. ثم إذا رأيت جريمة كاملة فاعلم أن وراءها الموساد. من قتل الشقاقي؟ اثنان على دراجة. ومن قتل علماء الذرة في إيران واحداً وراء الآخر؟ دائماً اثنان على دراجة. ولا يمسك أي طرف خيط. ومن قتل بلعيد؟ اثنان على دراجة.
يريدون أن تشتعل تونس بالفتنة والخراب فيصنعون الأجواء ويهيئون المناخات لذلك. وكذا في مصر قد يقتل غداً شخص بوزن البرادعي فيقال: من قتله؟ إنهم المسلمون!
4- الغطاء السياسي
كان نظام مبارك مجرد واجهة، مجرد قناع، يختفي تحته الموساد و»سي آي أيه» تعيث في القطر المصري تخريباً وترويعاً وتدميراً ونهباً منظماً، وكذا نظام بنعلي في تونس.
والآن «انقلع» نظام الطاغوتين، فجيء في مصر بعمرو وحمدين والبردعة ليكونوا مجرد الواجهة التي كان يمثلها المخلوعون أو المخلوعان من قبل. هؤلاء يعقدون مؤتمراً صحفياً كل كم يوم! واتركوا باقي الشغل علينا نحن جماعة الأوباش والشوشرة والفوضى.
وليس معنى قولي أن الغطاء أو الواجهة ليس مسؤولاً أو لا يطيب له، لا لم أقصد هذا لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يطيب له فقد كان يطيب لحسني ما يجري وإن كان بكل التفاصيل لا يدري. والبرادعي وعمرو وحمدين يطيب لهم ما يجري، وإن كان تخطيطه وتنفيذه فوق مستواهم وفوق قدراتهم، لكنه يطيب لهم لأنهم جناة ثمراته. وفي تونس فإن القوى العلمانية هي الغطاء السياسي الذي يمارس تحته المخربون كل ما في وسعهم من إجرام وتدمير.
وغداً إذا سقطت هذه الحركات هل سيحكمون تونس ومصر بخير مما كانت عليه زمن حسني والزين؟
5- الحصار السياسي.. مؤتمر القاهرة نموذجاً
ما زال العالم العربي يأتمر بأمر الخارج، هذا أمر مفروغ منه، فإذا أراد هذا الخارج أن يحاصر نظاماً أو أن يضيق عليه أو أن يهمشه، فإنه تجري محاصرته. وهل تذكرون عندما كان مبارك يدعو إلى مؤتمر «طق حنك» في شرم الشيخ كان العرب بقضهم وقضيضهم يسارعون إليه، وذلك ليصنعوا منه قائداً مهيباً ركناً من أركان السياسة في المنطقة، بل في العالم كما كانوا يوهمون مبارك وكل عتاولة العرب عواجيز وشباناً كانوا يسيرون وراءه! بينما في مؤتمر القاهرة لم يحضر تقريباً أحد!
إنه الحصار السياسي بأمر المايسترو الذي يريد أن يبرز هذا النظام كنظام فاشل معزول مقطوع الصلات ترفضه القوى العربية المعتدلة والمعتدلة جداً! وترفضه القوى الدولية، فهو إذاً نظام حان أوان التخلص منه؛ لأنه دخل في وقت الموت السريري السياسي وانتهاء الصلاحية!
وفي حلقة قادمة –بإذن الله- نكمل هذا الموضوع ما يجري في مصر وتونس، وكيف أن الخارج إذا تبنى فأراً جعله فيلاً، وإذا عادى فيلاً صيّره فأراً فإلى اللقاء.السبيل
قلت في مقالة قديمة: إن أمريكا صاحبة خبرات في إفشال الثورات فاحذروها! وأنها تنحني لعاصفة الثورات مؤقتاً، ثم تنقض عليها في هجمة مرتدة من خلال جيش العملاء وفلول النظام التابع لها.
وقلت في المقالة السابقة تحت هذا العنوان: ماذا يجري.. قلت إن أمريكا والصهيونية لم تكن تلعب طيلة عقود حكم العهود البائدة من الأنظمة العربية التابعة الفاسدة. وإنما كانت تربي جيوشاً من العملاء. ونحن أيام كنا نزرع ونفلح الأرض كنا نعلف البغال سنة لنحرث عليها شهراً. وهؤلاء العملاء كذلك تعلفهم أجهزة المخابرات الدولية دهراً لتحرث عليهم شهراً ولتدمر ثورة وقطراً. وقلت إنهم يوظفون علم النفس الاجتماعي في تهيج الرأي العام وصناعته وتوجيهه.
وقلت إن الأنظمة التي جاءت بها الثورات ورثت تركة مثقلة لا يمكن إصلاحها بين عشية وضحاها. ولا أكرر فأنتقل للحلقة الثانية.
2- التدخل السافل السافر من فرنسا في تونس
يصف وزير خارجية فرنسا حزب النهضة بأنه فاشي قاتل دموي، ويقول: إن صناديق الانتخابات يجب أن تأتي بعلمانيين يحسنون قيادة البلاد.
كشفت فرنسا عن وجهها القبيح، وأنها هي من يعبث بأمن تونس ومعها بالطبع أمريكا والصهيونيةـ، وما القوى الفوضوية هذه إلا أذرع تنفيذية لهذه القوى تأتمر بأمرها.
ولا ننسى أن فرنسا نفسها عندما جاءت الصناديق بالإسلاميين في الجزائر في التسعينيات قالوا: سنعيد احتلال الجزائر إذا فاز هؤلاء واستلموا السلطة.
الديمقراطية إذاً مسموح بها إذا أتت بالليبراليين والعملاء الغربيين والمستغربين والقوى العلمانية التي ربيت على عيونهم، فإن أتت بغيرهم فالانقضاض هو الحل والاستئصال والفوضى الخلاقة بزعمهم، والخراب.
بان الصبح لذي عينين، يا من تريدون أن تروا ضوء النهار، هذه حقيقة ما يجري، وهذه حقيقة المعركة.
أوليس هذا تدخلاً في الشأن الداخلي؟ ولماذا بعض القوى العلمانية في تونس تستنجد بفرنسا كما استنجد بعض أضرابهم في مصر بـ»إسرائيل» أن تنقذهم من مرسي، يستنجد علمانيو تونس بفرنسا أن تنقذهم من حزب النهضة.
3- قتل بلعيد.. وفن الإخراج
قبل قتل بلعيد بيوم أو يومين كانت «بي بي سي» تجري معه مقابلة، شن فيها هجوماً عنيفاً على حزب النهضة وما ترك وصفاً سيئاً إلا استخدمه، ليقال إذا اغتيل إنه اغتيل نتيجة لتصريحاته ضد حزب النهضة. ومن عرف الغنوشي وحزب النهضة يعرف العقل العظيم الذي يحمله الغنوشي والطبيعة السلمية الهادئة عنده. وقد عرفته منذ أوائل السبعينيات قدمته لمحاضرة وعلقت عليه، وقد لفت نظري عمق متميز قليلاً ما نرى له نظيراً. وزرته في منفاه في لندن وجلسنا على الأرض في بيت أجرد وأكلنا الطعام البسيط جداً، فقد كان الرجل يعيش دون الكفاف. واكتوى بنار الغربة وعنف نظام الحبيب بورقيبة و»بنعلي» من بعده. هذا الرجل لا يمكن أن يكون حزبه وراء هذا الاغتيال؛ لأنهم الخاسر الأول بل الأوحد. والرابح الأول القوى الاستعمارية والليبرالية التي تريد سرقة الثورة، وكيف حكمت زوجته العظيمة أن الغنوشي شخصياً مسؤول عن قتل زوجها كما زعمت؟
ولقد حملت صحف العالم العربي وتونس أولاً حملة شرسة على الإسلاميين حتى بعض كتابنا هنا ونحن لسنا في المسألة، ولاحظوا التوقيت المشبوه أن الأمن المصري يسحل مواطناً في ذات التوقيت، ثم فتوى من الشيخ المجهول بجواز قتل المعارضة. فاكتملت الحلقات حتى يقال هذا هو بالتأكيد العمل الإسلامي!
وهذه هي عقلية الإسلاميين -وكذبوا والله- فالمسلم جمال داخله، وما القبح والإجرام إلا عند الذي انفصل عن الله والإيمان به وبلقائه، وما بعض أدعياء التدين إلا عناصر مخترقة من الجهات إياها لتلويث صورة الإسلام وصورة الجهاد والمقاومة.
ولقد حذرنا من اليوم الأول من تشويه صورة المقاومة في سوريا عن طريق بعض العينات المتدينة المخترقة! وحصل ما توقعنا. فالقتل والسحل هذا عملهم هم، واختصاصهم وخبرتهم، فلا تخطئوا. ثم إذا رأيت جريمة كاملة فاعلم أن وراءها الموساد. من قتل الشقاقي؟ اثنان على دراجة. ومن قتل علماء الذرة في إيران واحداً وراء الآخر؟ دائماً اثنان على دراجة. ولا يمسك أي طرف خيط. ومن قتل بلعيد؟ اثنان على دراجة.
يريدون أن تشتعل تونس بالفتنة والخراب فيصنعون الأجواء ويهيئون المناخات لذلك. وكذا في مصر قد يقتل غداً شخص بوزن البرادعي فيقال: من قتله؟ إنهم المسلمون!
4- الغطاء السياسي
كان نظام مبارك مجرد واجهة، مجرد قناع، يختفي تحته الموساد و»سي آي أيه» تعيث في القطر المصري تخريباً وترويعاً وتدميراً ونهباً منظماً، وكذا نظام بنعلي في تونس.
والآن «انقلع» نظام الطاغوتين، فجيء في مصر بعمرو وحمدين والبردعة ليكونوا مجرد الواجهة التي كان يمثلها المخلوعون أو المخلوعان من قبل. هؤلاء يعقدون مؤتمراً صحفياً كل كم يوم! واتركوا باقي الشغل علينا نحن جماعة الأوباش والشوشرة والفوضى.
وليس معنى قولي أن الغطاء أو الواجهة ليس مسؤولاً أو لا يطيب له، لا لم أقصد هذا لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يطيب له فقد كان يطيب لحسني ما يجري وإن كان بكل التفاصيل لا يدري. والبرادعي وعمرو وحمدين يطيب لهم ما يجري، وإن كان تخطيطه وتنفيذه فوق مستواهم وفوق قدراتهم، لكنه يطيب لهم لأنهم جناة ثمراته. وفي تونس فإن القوى العلمانية هي الغطاء السياسي الذي يمارس تحته المخربون كل ما في وسعهم من إجرام وتدمير.
وغداً إذا سقطت هذه الحركات هل سيحكمون تونس ومصر بخير مما كانت عليه زمن حسني والزين؟
5- الحصار السياسي.. مؤتمر القاهرة نموذجاً
ما زال العالم العربي يأتمر بأمر الخارج، هذا أمر مفروغ منه، فإذا أراد هذا الخارج أن يحاصر نظاماً أو أن يضيق عليه أو أن يهمشه، فإنه تجري محاصرته. وهل تذكرون عندما كان مبارك يدعو إلى مؤتمر «طق حنك» في شرم الشيخ كان العرب بقضهم وقضيضهم يسارعون إليه، وذلك ليصنعوا منه قائداً مهيباً ركناً من أركان السياسة في المنطقة، بل في العالم كما كانوا يوهمون مبارك وكل عتاولة العرب عواجيز وشباناً كانوا يسيرون وراءه! بينما في مؤتمر القاهرة لم يحضر تقريباً أحد!
إنه الحصار السياسي بأمر المايسترو الذي يريد أن يبرز هذا النظام كنظام فاشل معزول مقطوع الصلات ترفضه القوى العربية المعتدلة والمعتدلة جداً! وترفضه القوى الدولية، فهو إذاً نظام حان أوان التخلص منه؛ لأنه دخل في وقت الموت السريري السياسي وانتهاء الصلاحية!
وفي حلقة قادمة –بإذن الله- نكمل هذا الموضوع ما يجري في مصر وتونس، وكيف أن الخارج إذا تبنى فأراً جعله فيلاً، وإذا عادى فيلاً صيّره فأراً فإلى اللقاء.السبيل