jo24_banner
jo24_banner

إفعلها يا بشار الأسد

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

ولعلها (صِفّين) يا بشار . وكأن اليوم هو الأمس ، لقد سالت دماء العرب كما تسيل اليوم ، المكان هو المكان ، والأسباب ذات الأسباب ، لكن القادة مختلفون . كان هناك معاوية أحد كتبة الوحي ، وكان بالمقابل من كان فتى الإسلام ، وصار بعد هو الإمام ، علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذراع الأيمن لرسول الله محمد صلى الله عليه و سلم ، وباب مدينة العلم كما وصفه رسول الله ، ووالد سبطيه الكريمين ، و زوج الزهراء فاطمة بنت محمد. 
لقد تباينت وجهات النظر ، ولعب الناس بالأمر ، واحتكم الفريقان للسلاح .
تماماً كما اليوم أنتم في سوريا . و سالت الدماء على أرض صِفين . كل رأى الحق بصفّه ، وإحقاق الحق والعدل كان الهدف . و لو جاز للبعض أن يتساءل حول موقف معاوية ؛ فلا أحد يمكن له أن يتساءل حول موقف علي ... فقد كان فوق الشبهة دون شك ، ميزة انفرد بها دون غيره من الناس . فهو الرجل الذي ما أن رأى غزارة الدم بين صفوف الأخوة المتقاتلين في صفين ؛ ما تردد للحظة ، وقبل التفاوض مع خصمه معاوية ، وحقن الدماء . فبدأ وكأنه يتمنى أية ذريعة لذلك . فجاءته كما أحب ، القرآن العظيم وقد رُفع أمامه على رؤوس الرماح حاجزاً بين الفريقين.
وأنّى لرجل مثل علي ، أن يعاند كرامة القرآن ؟!!! فكأن صاحب الفكرة وقد دخل إلى الامام من نقطة ضعف افترضها فيه ، وكان محقاً .. كيف لا ، وصاحب الفكرة داهية عربي ؛ حب عليّ الشديد للقرآن العظيم كانت نقطة ضعفه، فكان مشهد القرآن وقد رُفع أمامه على أسنة الرماح سداً عظيماً لا يملك الامام إلا أن يخشع أمامه باحترام ... وفَعَلْ . وجنح لحوار السلام مع معاوية ، وتحمل غضب الكثيرين جراء ذلك . لكنه آثر حقن الدماء على أي نصر أو غنيمة عسكرية أو مكسب دنيوي زائل .
وبعد ذلك ، كان هو الرجل ذاته ، الذي أغمد بن ملجم خنجره المسموم في خاصرته وهو ساجد في صلاته داخل المسجد ، فقبض على الجرح باليد ، وحاول باليد الأخرى جاهداً ، أن يمنع ابنه محمد بن علي الذي شب باندفاعة الشباب ليشق القاتل نصفين ، وكان قوي البنية شديد البأس شدّه قائلاً .. على رسلك يا محمد .. لقد فزت . لقد فاز عليّ إذ أيقن أنها الشهادة دفاعاً عن العدل والحق ، كما رآه هو ، ميتة خير ألف مرة من أن يموت على فراشه ، لقد استنتج الخير من الشر ، وحال دون أن تكون مذبحة داخل المسجد لو كان للقاتل أعواناً ، أو هكذا افترض الامام . كفّ يد ابنه محمد عن قتل قاتل رآه بأم عينه وقد أغمد الخنجر بخاصرة أبيه وهو ساجد ، قاوم محمد لكن غلبه منطق الامام ، وقوة ساعده التي جذبته بقوة إلى الأرض ليجلس ليقول له : لا تقتله يا بني قبل أن يُسأل لماذا ، وكيف ، ويقر ، ولعل الامام قد افترض بالرجل أن يكون أداة أو مجبر ، وفي ذلك ما قد يخفف عنه العقوبة التي ينبغي أن تجري في مجاريها الشرعية .. وهذا ما كان .. وهدأت ثورة الشاب وانشغل بأبيه وكانت الضحية واحدة وبقرارها ، ولم يصب أحد من المصلين غير الامام بسوء .. لقد أسس الإمام علي بذاك المشهد المؤثر القاعدة لما ينبغي أن يكون عليه القائد الرشيد من الاستعداد للتضحية بالنفس إذا ما كان في ذلك حقن لدماء كثيرة .
هكذا تصرّف الرجل الذي عشت يا : د. بشار في أسرة تتكنى باسمه وتنتمي إلى هذا الاسم مذهبياً كما تقولون ، فلما لا تقتدي به ؟ وتوقف القتال ولو من طرفك فحسب ؟ وتحاور أو تعلن أمام العالم استعدادك للحوار حتى مع أكثر الناس كرهاً الى نفسك ؟ إذا كان في ذلك حقن لدماء سوريا ،إذا كانت عزيزة عليك ؟ سوريا تستحق التضحية.
يقولون لو استقال الدكتور بشار أو غادر لأي سبب وبأي شكل ؛ لتوقف النزيف السوري . إفعلها مقتدياً بأبي الحسن الامام علي ؛ ذلك لن يعيبك بل العكس ، ستحفظ لك كمكرمة في عقول الأجيال ، على انك آثرت حقن الدماء على كل المناصب الدنيوية الزائلة ، مع انه كان يمكن أن تستمر في القتال آجالاً طوالاً لو أردت .. إفعلها واتكل على الله واطلب منه الصفح والمغفرة رغم كل شيء ... وستجد من العرب كثيرون من سيقدر ذلك ، ومن يحفظ لك ولأطفالك أمنهم وحياتهم ولا تعتب ولا تغضب كثيراً عليهم فلعلهم كما افترض الإمام علي مجبرين !! . فالعرب يقدرون غالباً وبحس فطري جبلوا عليه ؛ قيمة من يتصدى لفتنة ويضحي من أجل ايقافها ، ويدركون بحسّهم عبثية الاهتمام بمن كان السبب ، ومن كان الجاني ، ومن كان الضحية ، لأنهم دائماً مع السلم والصلح إذا صار أمراً واقعاً ...هكذا فطرهم رب السموات والأرض ، وبسهولة يتناسون المقدمات والأسباب ، والجناة والضحايا حتى ولو لم ينسون ذلك فعلاً .
لا تسمع لهذا الرجل أو ذاك من غير العرب والمسلمين ، فأنت شاب عربي مسلم شريف تقاتل شباباً عرباً مسلمين افترض انهم شرفاء مثلك . لاتدري كيف تحركوا ، ومن حركهم ، ولا ينبغي أن يشغلك ذلك . إن وقْف نزيف سوريا الجريحة وأمن أطفال سوريا وأعراض اخواتك السوريات أولوية لا تساويها أولوية أخرى وليتسامى الجميع عن التفصيلات ولتذهب كل مناصب الدنيا الى الجحيم ، فالحياة طالت أم قصرت ما هي سوى لحظة سرعان ما تنقضي .
فالوقت ليس وقت اتهامات ولا عصبيات ، إذ لا بشر على الأرض مؤهل لأن يفصل فصلاً تاماً بين الحق والباطل.. هذه من حقائق الوجود . الوقت وقت العقل ، عقل الإمام علي ، والضمير الحاكم لفعل الحاكم إذا كان رشيداً كالإمام علي ، الذي شد على جرحه بعد أن طُعن بيد ، ومنع باليد الأخرى ابنه محمد من أن ينقض كالأسد على طاعن أبيه وقد رفع السيف ليشقه نصفين هكذا يفهم الإمام .. الدنيا .. وهكذا تصرّف .. فهل في الوجود عاقل يمكن أن يعد ذلك نقصية في الإمام ؟؟!
إفعلها إذا كانت سوريا عزيزة عليك ، فهي عزيزة على كل العرب والمسلمين ، إفعلها واجعل السوريات من اخواتك يشعرن بالأمن على حياة أطفالهن . إفعلها لعل في نفوس شباب سوريا بقية حنين إلى اهزوجتهم الخالدة .
إفعلها وردد معهم ان استطعت : سوريا يا ذات المجد . وزينوا المرجة ، والمرجة لينا ، شامينا فرجة ، وهي مزينا .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير