خروج الملك عن النص.. وجهة نظر
نُشر مقال بجريدة الدستور وأُعيد نشره بموقع jo24 بتاريخ 20/03/2013وتحت عنوان – عقدة الإعلام الاجنبي - قال الكاتب ما نصه: " رؤساء تحرير اليوميات والكتاب الصحفيون جلسوا مع الملك مراراً فلم يبوحوا بسر ولم يثرثروا ولم يؤذوا البلد" انتهى الاقتباس ، وكأنه عاتب على تجاوز الاعلامي الاردني لصالح الاعلامي الاجنبي. الكاتب قصد أن يتحيز لصالح الاعلامي الاردني مقارنة بالأجنبي فالاردني يستر ولا يفضح والاجنبي يثرثر ويفضح ، الاردني لا يُؤذي البلد، الاجنبي لامانع لديه أن تُؤذى ، ولا تعنيه أية أضرار قد تنشأ عن مزاولته لمهنته
يعني باختصار ان الكاتب يؤمن بمقولة " ما بغطي على العين غير جفونها" فلماذا يُعطى كل هذا الدعم وكل هذه الثقة للاعلامي الاجنبي ، مع ان الاعلامي الاردني احرص على مصالحنا الوطنية. أعتقد ان هذا ما قصده الكاتب ... وهي وجهة نظر بالمناسبة لها مسوغاتها لكن للمسألة وجه آخر ربما غاب عن ذهن الكاتب او انه تجاهله عن قصد ، وهو إن لهذه الاسباب كلها التي ذكرها استحق الاعلامي الاجنبي تلك الحظوة وذلك التقدير الذي حظي به ويحظى به عادة ، ليس من قِبَل الملك فحسب ، بل ومن قِبَل كل مثقف أردني ... أسألوا أي مثقف ( ليس بالضرورة حاملي الشهادات والدرجات والألقاب العلمية ) ، أعني المثقفين الحقيقين- مع احترامي لكثيرين من حاملي الشهادات والالقاب العلمية – أسألوهم : بمن تثق أكثر .. بالاعلامي الاردني ام بالأجنبي. من الموضوعية والعقلانية ان لا تفاجأون إذا ما حظي الاجنبي بثقة اكبر لدى هؤلاء !!! أما الاسباب كما نراها ، فهي الاسباب التي اعتبرها الكاتب ( ميزات بالاعلامي الاردني وعيوب بالاجنبي ) .
فالاعلامي الاجنبي يمثل حقيقة ان الاعلامي والسكوت نقيضان. فمن لديه القابلية للسكوت وعدم الثرثرة لا يناسب الاعلام والاعلام لا يناسبه ،هذه حقيقة... والتذرع بالاسرار الوطنية ربما أو مصلحة البلد ... غير مُقنِعة ... فالتشهير بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون ، ليس بناء على ما قال بل بناء على ما فعل بثبوت الدليل ، لم يؤثر على الرئيس ولا على نظرة الشعب له ولا على المصالح الأمريكية العليا .
عندما يجتمع الملك باعلامين يُحدثهم عن الاردن وليس عن أحوالهم الشخصية وغرامياتهم ومن حق الاردنيين أن يعرفوا ذلك ومن واجب الاعلاميين المدعوين أن ينشروا ذلك للمواطن ، فهذا حقه عليهم وواجبهم نحوه... أما السكوت بحجة الستر وعدم الأذى فلا معنى له الا التخلي عن الواجب ومغادرة الاخلاق المهنية وغيابها تماماً عن الاعلامي الساكت . وربما هذا ما يعرفه الملك كما نعرفه .... وربما لأجله يفضل كما يفضل أردنيو اليوم أن يتحدث للأجنبي ويحمّله الرسالة (الأمانة) ، لأنه من المؤكد سيقوم بواجبه وينشرها وهذا ما حدث .
لماذا افترضتم ان ما قام به الملك خاطئا؟؟ لماذا لا تفترضون أنه قصد ان يصل ما يقوله للناس،فأنتم لا توصولون وتسكتون؟ فما قاله وجهة نظر بعيوبٍ نعاني منها كأردنيين يعرفها هو كما نعرفها نحن ، فما الخطأ في أن يتحدث بها الملك علناً أمام العالم؟ على افتراض انها عقبات مُعيقة للتطور السياسي وزوالها من حياتنا افضل ؟ لماذا لا تعتبر هذه شجاعة أدبية وسياسية؟ باستثناء ما قد يمس مشاعر الآخرين خارج الأردن؟ رغم إمكانية أن تفهم حتى هذه ضمن منظور سياسي يستهدف سياسات أشقائنا العرب وليس أشخاصهم، التي لا ينبغي أن تُرضي كل الناس ولمن يراها انتهازية أو فاشلة حرية ان يقول رأيه بذلك .... ولينشر ذلك من ينشره !!!!! لماذا لا تكون الامور هكذا ؟؟؟؟ وتفهم ضمن هذه الابعاد والمقاصد؟؟؟ .
أخشى ان تكون المشكلة اعمق من ظاهرها، وتتعلق بالقالب الفولاذي الذي فرضته طبقة السلطة المزمنة المقولبة طيلة 60 عاماً على النظام الأردني والشعب الاردني. فهم لا يريدون خروجاً عن المألوف وهو اخفاء الحقائق عن الشعب والتعمية على الناس وتزيف وعيهم وعدم مصارحة احد بعيوبه (لأنه وزن ثقيل)، وعدم الاختلاف مع اي زعيم عربي أو فصيل سياسي خوفاً على مصالح الأردن(الهشّة) ...... ذلك كان قالب ظلامي ، وما قاله الملك خروج عليه وكسر له وكأنه خروج عن النص ... وهذا لمصلحة الوطن وضرورة من ضرورات التغيير !!! لماذا لا نفترض أن الملك لم يقصد (كما اظن) أن يفضح او يستر على أحد اوعلى جهة ، فقد نطق بما يراه ويؤمن به بشفافية؟؟؟ ولو قصد الفضيحة او الستر لما تطرق ناقداً الى تصرفات عائلته واخوانه وغيرهم وهم اولى بالستر لو كان الأمر عاطفياً، وعلى من غضب لنفسه أن يتذكر الحكمة القائلة " من ساواك بنفسه ما ظلم " .
أقول ذلك موضوعياً والتزاما مني باستحقاقات مهنتي كاكاديمي مُدرّب جيداً كما اظن ، والموضوعية فرض على الأكاديمي وليست سنة. أما سياسياً ، فانا لا اتفق من حيث المبدأ مع منهج الحكم والادارة الذي طُبق في الاردن منذ اوائل الخمسينات وحتى اليوم بمقياس ما وصلت اليه حال البلد، وليس بأي مقياس معياري آخر عاطفي كان أو أيدلوجي ، لماذا لا نرحب بأي خروج عن القالب ( التعتيمي ) الجامد؟ إن لمثل هذا الخروج معنى تغييري هو الأفضل للمصلحة الوطنية العليا، وبشكل خاص إذا ما صدر ذاك الخروج عن الملك .
واخيراً أقول للكاتب، الا يكون سكوت الاعلامي الأردني وعدم نشره لما يقوله الملك بحذافيره، مسألة ربما لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، بقدر ما قد تكون طاعة لتوجيهات مؤسسات (ما دون ملكية) هي التي صنعت القالب..... إذا كان ذلك كذلك ؛ فإن السكوت في هذه الحالة إذن هو : إما خوفاً من .. أو طمعاً في ... أو مُداراةً ل...، وكلها مجتمعة لا تعني سوى تقصير عن الواجب أو التخلي عن أخلاقيات المهنة ؟! ومن اجل ذلك ربما يفضل الملك ونحن معه ان يتحدث لمن يوصل الرسالة ولا يخفيها، هذا ما أراه. مع احترامي للمخالفين.