الى روح الشهيد ميسرة أبو حمدية
هي الشهادة يا ميسرة ..... لم تعد بجسدكَ طاقة على التحمّل .... لقد عجنوه عجناً بالحديد ونار الكهرباء ..... سنوات وسنوات ، حتى تعترف ..... فلم تعترف .... فأبَّدوكَ بالعذاب ..... حتى تلاشت بقايا الجسد .أما روحك فقد تعاظمت فوق العَظَمَةْ.....وازدادت عزّةً فوق عزّتها، فلم تَلِنْ قناتك ، ولم تهتز ارادتك ..... لقد كنت معجزة أذهلت الأعداء ، ومنارة عز يهتدي بها الوطنيون وأحرار الأمة في الحاضر والمستقبل.
في يومك يا ميسرة .... ناح الأذانُ وأعولَ الناقوسُ فالليلُ أكدرُ والنهارُ عَبوسُ...
لقد ناحت عليك الأردنيّات يا ميسرة ، وناح الأردنيون .... لما بلغهم خبر الرحيل... على قلَّةِ ما جادت به وسائل إعلامهم الرسمية .... شقيقات لك وأشقاء شرق النهر كما غَرْبَهْ اشتعلت بعروقهم حرقة الدّم.... فبالدّم والدين معك مرتبطون.... ولا بأوراق واختام يعترفون.... لقد هَوَتْ شجرةُ حياتكَ إلى الأرض مُخْضَرَّة ترفض الجفاف كشكل آخر للجفا، والتَمَعتْ بأوراقها خُضرة بدت وكأنها بشير ، لأن أزهارها كانت مبتسمة وهي تهوي ، لكنها ابتسامة العاتب على أمةٍ يُقال أنها تمتد من المحيط الى الخليج ، وتزعم أنها تنتمي إليك، كما تنتمي أنت اليها ، أما أنت : فقد كنتَ صادق الانتماء ،وأدّيتَ الامانة بالأفعال، اما هي فقد تنكّرتْ للعهد ،وأخلَفَتْ معك الوعد ، وبَخَلتْ عليك حتى بالأقوال. لقد كنتَ صادقاً يا ميسرة مع الله ومع فلسطين ، ومع امّتك ، فكنت ممن قال فيهم رب العزّة " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ...." .
لقد أَوفيتَ بالعهد ، أما نحنُ فلا ... لقد خذلناك في سجنك وقد أبَّدوك في العذاب .... وخذلناك بمرضك وقد احتجتَ الدواء....وبخلنا عليك حتى بالكلام والتدخل الجاد .... بخلنا عليك بأي شيء ، أما أنت فقد أعطيت لحياة هذه الأمة كل شيء... بدأت بالجسد فقدّمته راضياً، وانتهيت بالروح التي رَفَضَتْ أن يستمر هذا الجسد يتلظى بعذاب لا تحتمله الجبال لسنين طالت كثيراً. فرأتْ أن تُنَفِّذ أمرَ الخالقْ وتَرْجع الى ربها راضية مرضية ، لتترك هذا العالم لأولئك الذين اشتروا دنياهم بآخرتهم..... فبئس التجارة كانت تجارتهم ، وبئس العمل ما يعملون .
لقد ضربت بحياتك للعالم مثلاً كيف يكون القائد، وكيف يكون المجاهد ، وكيف يكون الدفاع عن الأوطان عقيدة وفعلا ..... لقد وضعت جسدك يا ميسرة سنداناً لمطارق العدو تتناوب عليه بالليل والنهار ،وأبتْ روحك الا الصمود ولو ذاب الجسد لقد عجنوه عجناً بآلات التعذيب، تحت وَهْم أن تضعف، او تنفرج شفاهك عن كلمة تنفع الاعداء هناك وتضر بها أخا لك في الجهاد هنا أو هناك ...فأبيت حتى يَئسوا فهيهات هيهات أن يضعف العظماء مثلك ... وهيهات هيهات أن يَصْغُرون!!!!!
لقد كنت عظيماً في حياتك يا ميسرة ، عظيماً في (حفلات) تعذيبك عظمةً تصاعدت الى آفاق يستحيل على بشر غيرك بلوغها ... بل وتسامت حد السماء ... حتى اكتملت بصمتك الأبدي وقد عَزَمْتَ بإذن الله أن تُرجَع الروح الى باريها. بعد ان لم يعد في جسمك طاقة على تحمل العذاب ، وألم المرض الذي تحالف مع العذاب عليك .
أما أنت: فلم تجد منا ولو حليف واحد، ولو شقيق واحد، لقد تركوك ..... تركوا اللواء القائد ميسرة وحيداً في ظلمة سجن انفرادي لسنوات طوال دون حليف او مُغيث . لقد احتجتَ الدواء ولا من مجيب...! واحتجتَ الى ان تقوم الدول العربية (وخصوصاً تلك التي ادّعت أن وجود سفارات لأسرائيل في عواصمها مفيد لفلسطين ومجاهدي فلسطين ) أن تقوم بالواجب نحو قائد عربي أسير غدا مريضاً ولكن هيهات!!! فعبثاً طننت، وبأمَّتك تأملتْ .
لقد دار البعضُ من أولادك على مسؤولي الأردن، واعتصموا أمام قصورهم، فعلوا ذلك من ورائك، ولم يستأذنوك كي لا تمنعهم من ذلك لو عرفت. فأنت ما كنت الا العزّة ذاتها مجسدة ببطل، وتعرف أن العزيز في بلاد العرب صار غير عزيز عليهم. لقد تمثلت بحياتك قول رب العزّة " العزة لله ولرسوله وللمؤمين " وانت مؤمن صادق الايمان . فكنت العزيز بحياتك فجاد عليك الأعز بالشهادة وهو أكرم الأكرمين . فنعم الحياة كانت حياتك ، ونعم الممات كان مماتك .
لقد أُغلقت الأبواب بوجه أبنائك يا ميسرة ، ولم يدققوا ولو للحظة في أعماق عيونهم الشاخصة الى أولئك الذين ندبوا أنفسهم لحمل أمانة المسؤولية .... انها براءة الطفولة والشباب التي دفعت بهم الى الأمل بهذا المسؤول العربي او ذاك ، ليأتي الجواب صداً وتجاهلاً ، فيطبع في أذهانهم وعقولهم اليافعة أحاسيس لو قدر لها أن تصير ناراً لأحرقت الدنيا ومن فيها.....!!
لكنهم صبروا مع ذلك .... واحتفظوا بالأمل ، ففيهم شيء من صبرك وصلابتك.... إالى أن أتاهم خبر أمر الله وقد حلّ بجسدك إذ اختارك الرحمن الرحيم الى جواره شهيداً رحمة بك وبأبنائك ، فتراجعوا عن أبواب ولاة أمورنا وقصور أصحاب القصور لأن فيهم جذوة من كرامة هي أعز من أن تُهان هي كرامة ميسرة ،يمسحون الدمعة باليد وبالأخرى يضغطون على ظاهر القلب كي لا ينفطرْ... ليس حزناً على والد بطل وقد صار شهيداً؛ بل حسرة على؛ وألماً من؛ أمة تفشل كل هذا الفشل في ان تقدر عظماءها وقادتها الخالدين . ففي حياتهم نماذج مُثلى سيقتدي بها شباب الامة، وهم الشموع المضيئة في ليالي العرب الليلاء .
إن روحك يا ميسرة ، قد تسامت أن تظل حية بين اموات فاشتاقت الى حياة أفضل بين الأحياء من الشهداء امثالك ....إذن فهي الشهادة يا ميسرة فاذهب الى موعدك مع الاعلى الأعز ، الذي لا يخلف وعده معك إذ قال جلّت قدرته: بسم الله الرحمن الرحيم : " ولا تحسبن الذينَ قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل احياءٌ عند ربّهم يرزقون " صدق الله العظيم .
وسلام عليك يوم وُلَدّت ويوم أستشهدت ويوم تبعث حياً.