الغربال لا يغطي الشمس
إنها الحرب : الأردن بحالة حرب ساخنة ، سواء أعلنا ذلك أو لم نعلن ... عندما تندلع الحرب بجوارك ، فأنت بحالة حرب ، اعترفت ، أو تقاعست أو انْكَرتْ ... ودستور الدولة يلزم من يلزم بالدفاع عن أمن الوطن واستقراره ، لقد صار استقرار الأردن ، وهماً ، وربما فرضية ساذجة ، والكلام السياسي اللين والدبلوماسية التي صارت تراوح مكانها (لقلة الخبرة) كلها تأويلات مدنية ساذجة فقط هي مناسبة في حالة التعامل المتراخي مع الأحداث . والتفكير بالأرباح أو الخسائر سواليف ، والخسائر بعد أن صار الأردن بخطر واضح كالشمس ، فلا مناص من أن يكون هناك مجلس للحرب وقد انعقد ... و اجازات لعناصر القطعات العسكرية وقياداتها قد مُنعت ، ودرجة الاستعداد للحرب لابد وان تكون قد بلغت الذروة .
إن من يستعد للحرب ، عندما يلامسه شرارها ؛ في الغالب الأعم قد يتجنب وقوعها ، لكن المرجح أن يصير مؤهلاً أكثر للحديث عن السلام ، وعن الحلول السلمية . أما القائلون بأن ذلك مجلبة لانتقام الآخر ، فهم واهمون ، فالآخر قد لا يتورع عن ذلك في أية لحظة قد يراها مناسبة له ، فهناك تمهيد لذلك كما يلاحظ ، إذ يقال اليوم أن الأردن يدرب ، والأردن يتحالف مع الأجنبي وقد تكرر هذا ، وذاك ليس بهزل ، بل هو الجد ، والجد لا يقابل إلا بالجد ، وطالما أن الآخر يتصرف عسكرياً وبالقوة ، فالاستجابة المناسبة لوقاية الوطن من الاحتمالات ، رفع درجة الاستعداد والتأهب العسكري ، لزرع القناعة لدى الآخر ، بأن لا هزل فيما يتعلق بأمن الأوطان ... ومن يهون عليه قصف شعبه المدني حتى المحايد منهم واللاجئين . فلن يتورع عن فعل ذلك مع الجوار المتهم ، إذا ما يئس . إن الظرف الحالي يستوجب البحث عن الحلفاء إذ من السذاجة أن تستعد دولة ما للحرب دون حلفاء ، بصرف النظر عن من يكونون ، فحسم الحرب لصالح الوطن ، الذي صار متماهياً مع صالح السلام العام في المنطقة هو الأولوية الأولى ، ولتذهب تحليلات المرجفين ، والمترددين ، والمتعاطفين مع الآخر الى الجحيم . والناس في نهاية المطاف مع النتيجة النهائية .
لقد تعاظمت المخاطر ، وتزداد خطورتها يوماً عن يوم .. والتهاون مع الآخر . وكلام السياسة في أوقات الحرب ما عاد مستساغاً فهو مقال في غير مقامه ، فالأردن بقوة جيشه ، واعداد احتياطه ، ومتقاعديه العسكريين مؤهل لأن تكون له شكيمة تجعله فاعلاً في الأحداث وهو في غنى عن الانشغال بأمور أقل من ذلك .
إن منطق من يتخوفون من اعلان حالة الاستعداد القصوى مع إنها هي الضرورة فقط منطق غير مفهوم ولا مبرر له عقلانياً ، تماماً كمنطق من يطرحون اليوم خدمة العلم للشباب الأردني لتصير وكأنها عقوبة لمن يتشاجرون في الجامعات وغيرها ، وهذا انحراف لا يغتفر بمعنى (خدمة العلم) ، وسذاجة تنضح بغفلة هؤلاء عن حقيقة أن ما ينقص الشارع الأردني اليوم حتى يعم الخراب ، هو السلاح وتدريب الشباب على السلاح الذي لو وفرته خدمته العَلَم لهم لعصف ذلك باستقرار النظام العام في الدولة ، فنكون بذلك قد عملنا ضد حالة النظام العام ، وهي المصلحة الوحيدة التي يجمع عليها الأردنيون من بين مصالح أخرى كثيرة قد يختلفون حولها اليوم .
إذا كانت مصلحة بعض الدول الصديقة وغير الصديقة هي في إطالة أمر الصراع لإنهاك أطرافه كلها ، إذا كانت بحساباتهم معادية (وفق نظرية إنهاك الخصوم العسكرية) فإن المصلحة الوطنية الأردنية العليا، هي تقصير أمد الصراع في سوريا الشقيقة . وهذا لا يكون بموقف المتفرج ، المتلقي لما يرى ، ويخطط ، وينفذ الآخرون ، بل بموقف الفاعل المؤثر في الاحداث للاسراع بنهايتها ؛ ففي ذلك مصلحة للشعبين السوري و الأردني .
المطلوب اليوم كما يرى الأردنيون ، أن نعرف كيف نكون فاعلين ومؤثرين ، وأن تستكمل كل الاستعدادات والاجراءات الخاصة بأية تحالفات ، نرتفع بها الى مستوى الخطر المصيري الذي صار يهددنا ، وندفع بالاصدقاء من طويلي البال والنفس أن يحسبوا لمصالحنا وجاهزيتنا حسابها ، التي لن تكون بالضرورة ضد مصالحهم إذا كانوا أصدقاء ؛ لكنها حتماً ستكون لصالحنا ، إذا ما ظهرنا كأصحاب حق في الدفاع عن امننا الوطني .
إن من يستعد للحرب (بصدق) قد يمنع اندلاعها ، وإذا ما اندلعت لا يتفاجأ بها ويكون أكثر جاهزية وتأهيلاً لمواجهتها والتعامل مع آثارها ونتائجها بعد ذلك .