jo24_banner
jo24_banner

الدولة والعصابة!

د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :


في خِضَمْ الصراعات السياسية، على المستويين العالمي والإقليمي، اختلطت على المفكرين المعاصرين مفاهيم الديموقراطية والاستبداد، وتشوهت أفكار الفلاسفة حول مفهوم الدولة وبعدها أو قربها عن أو من مفهوم العصابة السياسية. وقد اجتهدت في هذا المجال في تحديد الفرق بين المفهومين، وذلك بمراجعة أكثر من أربعين كتاباً في مجال السياسة والاقتصاد المؤسسي وعلم الاجتماع والتاريخ المعاصر. وقد أسعفني كثيراً الرجوع إلى كتاب الأخلاق لأرسطو Nicomachean Ethics وجمهورية أفلاطون The Republic وأقوال سقراط وأرخميدس وكارل ماركس وميكافيلي وعبدالرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد) ومايكل بيرينتي في كتابه الرائع Democracy for the Few وما يعتقده الفلاسفة الحقيقيون حول الدولة والجماعة والعصابة... وخلصت إلى أفكار مذهلة حول التماثل بين ما فكر به هؤلاء الأولون وما يحدث في العصر الحديث من صراعات طبقية تدور رحاها بين الجماعات البشرية حول الحق والباطل، ومفاهيم السيادة والعدل والقانون...

ألخص في ما يأتي أهم الأفكار التي توصلت إليها بعد قراءة متمعنة استغرقتني عشر سنوات ...

⁃الدولة دائمة والعصابة زائلة ...

⁃الدولة يحكمها شخص اختاره المواطنون بانتخابات حرة نزيهة أو تم التوافق عليه بموجب نظام شورى حقيقي.. ليس فيه مكان لإرث تاريخي أو ديني مزعوم.. يختار مستشاريه ومقربيه ممن يحرصون على بقاء الدولة وديمومة النظام وتعظيم رفاء المواطنين وغير المواطنين من السكان.. عادل، نظيف، عالم، لديه رؤيا.. لا تشفع له إلا إنجازاته الحقيقية.. يُؤْمِن بالمحاسبة والمسؤولية.. يخضع للقانون والمؤسسات الحميدة.. ويستعين بكل الخاضعين للدولة وقانون الدولة..

⁃أما العصابة فيحكمها شخص مستبد، تحيط به مجموعة من اللصوص والمستبدين مثله، يكمن هدفهم جميعاً في موضوع واحد، وهو تعظيم رفائهم وثرواتهم.. يتداولوا السلطة فيما بينهم حصرياً.. ثم يورثوها إلى أبنائهم وبناتهم وأقاربهم ومحاسيبهم.. لا يمكن أن يقبلوا بصادق أو أمين لأن الصدق والأمانة يهددان وجود العصابة ومكاسبها.. توظف العصابة مجموعة من مزوري التاريخ ومدّعي الإنجازات.. يظن الجميع في هذه العصابة بأن وجودهم مؤقت ephemeral لا يأمنوا لمن يتحكم بهم من خارج العصابة ولا يأمنوا لمن يتحكموا به أو يخضع لحكمهم.. دائمو التغيير.. يميلوا إلى الشهوات أكثر من المبادئ.. وإلى الكذب أكثر من الصدق، والخيانة أكثر من الأمانة... لا يخضعوا لقانون أو رقابة.. وهم على الدوام ضد المؤسسات الحميدة.. المال العام مشاع بينهم.. ويحمّلون من يخضع لهم تبعات فسادهم..

⁃توظف الدولة مؤسسات حميدة لضبط إيقاعات المجتمع والاقتصاد والسياسة ...

⁃أما العصابة فإنها توظف عصابات فرعية لقتل الناس وكبت أصواتهم وإعدام عقولهم وإفساد ضمائرهم ...

⁃المؤسسات التي تصنعها الدولة تكون متماثلة من حيث الجوهر مع النظام العام للدولة ذاتها.. يُؤْمِن القائمون عليها بأنهم امتداد للدولة وقانونها والبعد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي لها.. هدفهم الأول والأخير أن يقدموا أحسن وأفضل خدمة للخاضعين طواعية لقانون الدولة ومؤسساتها الشكلية واللاشكلية الحميدة..

⁃أما المؤسسات التي تصنعها العصابة فتكون على شاكلة العصابة ذاتها.. تطبق أفكار أفراد العصابة.. ويؤمن القائمون عليها بأنهم امتداد لرئيس العصابة.. مستبدون ومخربون إلا ما يتعلق بمصالحهم ومصالح من يرتبط معهم فكراً وعملاً...

⁃تقوم الدولة بلم شمل البشر الخاضعين إليها، ولا تفرق على أسس عقائدية، أو إيديولوجية، ولا حزبية. وليس في الدولة أحزاب سياسية، لأن الدولة هي تاج وذروة العمل السياسي والاجتماعي.. فكل البشر في الدولة متساوون في الحقوق والواجبات..

⁃أما العصابة فإنها تحكم بما يُفرّق البشر عن بعضهم.. بالعقائد السياسية أو الاجتماعية أو الدينية.. والعرقية..
 
تابعو الأردن 24 على google news