jo24_banner
jo24_banner

مسحراتي تونس

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

الأمور كما هي ، لاشيء يتغير جديا ً ،الحراك الشعبي يجري أسبوعيا ً وذهنيات الناس تتشرب على نار هادئة مطالبات هذه الحراك وأهدافه بل تستطيب مذاقها كما نحس ونلمس من إشارات الناس وتعبيراتهم ،الناس قطعا ً تغيروا من يشك بذلك مخطئ من يراهن على أن الناس كقناعات واتجاهات وجرأة وسلبية قد يعودون كما كانوا مخطئ دون شك لقد تغير الناس وانتهى الأمر والحكمة تقضي أن تكيف ظروف الدولة كلها حسب هذا المزاج الشعبي الجديد في مستوى الوعي الذي كانت في مأمن منه منذ نشوء الدولة الأردنية.


لقد تغير الناس ولا ضرورة لأن نكرر ذلك ... ما لم يتغير كما هو واضح؛هي الحكومة ليس بأشخاصها بل بكينونتها القانونية والتشريعية. المنطق يقضي أن تسارع الحكومة أو لنقل طبقة السلطة إلى أن تستجب تشريعيا ً لواقع الأردن الجديد والحاجة ماسة لذلك. فلا القوانين الناظمة لعمل الجامعات عادت مناسبة ولا الناظمة للأحوال الشخصية عادت مناسبة ولا الناظمة لعملية إشغال الوظائف وإسناد الأدوار عادت مناسبة ،بل لم يعد دور الأجهزة الأمنية الذي صار كلاسيكيا ً لا من حيث الشكل (المتطلبات الشخصية للإشغال) ولا من حيث المضمون(المهام التي يؤدونها) بل إن دور الجيش بحاجة إلى إعادة تكييف بالاتجاه الإنتاجي وهذا ليس لإرباك العمل لا سمح الله كما يتوهم غير الوطنيين بل لتكييف الأداء شكلا ً ومضمونا ً لكل مؤسسة حتى تناسب الأردن الجديد وحاجاته وحتى يبقى الحراك الشعبي ضمن إطار مقدور عليه .


حتى الآن، الحكومة تتشاطر وهذا ربما مفهوم ومبرر. إن المطلوب لا ينجز بسرعة مهما توفرت الفعالية والنيّة . والحركة رافعتها الأساس هي التشريعات وإنجاز التشريعات تغييرا ً أو تعديلا ً أو إنشاء مسألة تحتاج إلى وقت .. كل هذا مفهوم لكن لا يكون مفهوما ًأبدا ً بل ومثير للقلق إذا ما تبين أن صوت طبلة مسحراتي تونس التي أيقظت الناس وكانوا نياما ً؛ ربما لا تكون قد وصلت إلى مسامع طبقة السلطة في بلادنا إما لأنهم ما زالوا نيام أو أنهم كانوا كالناس نيام ولم يستيقظوا والناس قد استيقظوا!!!


وبعد ،،، نقدّر صعوبة الانقلاب الرسمي المفاجئ على كل ما هو رسمي وقديم راسخ بحكم الاستحقاقات الفنية الكثيرة والمعقدة أقصد الجوانب الموضوعية،لكن المشكلة تتعقد إذا كانت صعوبة الانقلاب عائدة لمواقف نفسية أو جمود في العقليات أو رفض لكل ما هو جديد وهذا من سمات العقليات البدائية كما يرى علماء الاجتماع...مرونة الحكم والسلطة مطلوبة في كل عصر وفي أي مكان ودوام أي حال من المحال لكن المرونة في الموقف السياسي هي أيقونة الاستمرار لأمد أطول لكن ليس حد الخلود فلا يخدعن احد نفسه .. تباطؤ أي طرف من طرفي أي معادلة في أي زمان و بأي مكان يعطي الطرف الآخر قوة على قوته فتزداد فعاليته وتزداد الساحة التي يحتلها في محيط المعادلة وتزداد قوته في الشد فيسحب الحبل بشدّة أقوى فيميل الجمع المقابل وفي النهاية لا بد من أن يترك الحبل أو يقع... لا مجال للتروي المتماههي مع التخاذل أو غياب الرؤية أو صعوبة الإدراك.
نتحدث عن ديمقراطية مع أننا نعرف ضرورة الانتخابات النزيهة فلا نؤسس لها بسرعة ومن انخرطوا بذلك يتذاكون ويتسايسون علما ً بأن علاقتهم مع السياسة وما حولها كعلاقة شيخ الأزهر بالخمر. يتذاكون وكأن المطلوب منهم التحايل مع أن لا احد يطلب منهم ذلك لا رائد الإصلاح رأس الدولة ولا شعبه فلا تخذلوا الجميع يا طبقة السلطة كما جرت عليه العادة .. الملك قاد الأردن القديم بكم وخذلتموه بل وأحيانا ً وضعتموه بورطة فدعوه يقود الأردن الجديد بالأردنيين الجدد الذين لن يخذلوه. نتحدث عن المشاجرات الشبابية التي تتماهى مع ما يسمى خطأ ً بالعنف الجامعي ، مع أننا نعرف أن الأساتذة لن يتعاونوا مع مسؤول في ضبط الأمور إذا كان مفروضا ً بغير انتخاب... ومع هذا ما زالت الحكومات غير المسيّسة تفرض بدون انتخاب . نتحدث عن مواجهة الغلاء وخفض التكاليف ونلغي وزارة التموين ، ونعرف أن وزارة التموين لو أبقيناها لكان أفضل ، ولتذهب بعض وصفات ليبرالية السوق إلى الجحيم .... وزارة التموين تُلغى في مجتمعات تربي الفرد على رقابة ضميره أي على الانضباط بوازع ذاتي ونحن لسنا كذلك ننضبط بآمر خارجي... إذن رقابة التموين للتجار ضرورة قصوى . من هذا المنظور الثقافي السياسي فلماذا ألغيناها أليس هذا ضرب من ضروب الهبل والجهل... فلكل مجتمع ظروفه... نتحدث عن إصلاح التعليم المدرسي ونتيح للضعيف والقوي أن يصير معلما ً بينما كنا في الماضي أحسن عندما كانت وزارة التربية تختار المتفوقين وتوفدهم على حسابها كي يلتزموا معها بالتدريس كمعلمين محترمين. هذا أنهيناه دون دراسة وتمحيص وصرنا نواجه مشاكل ، نتحدث عن التعليم العالي في الجامعات وأوجدنا النظام الذي قضى على قيمة التلمذة في تراثنا العربي الإسلامي ومن حاول ذلك أقصيناه... من الذي يقصى الناس ذوي الرؤية في بلادنا عن مفاصل دولتنا؟؟ لا أحد يعرف!!


نتحدث عن مراقبة أداء المسئولين وقاية من الفساد فنوظف حكوميين رسميين مثلهم (وربما كانوا زملاء لهم) للرقابة ، فكيف للإنسان أن يراقب نفسه الحكومة لا يمكن أن تنجح في مراقبة الحكومة وهذه حقيقة مزروعة في أعماقنا يعرفها البسيط وغير البسيط منا (الحية ما بتعض بطنها) ألا نقول هذا في أمثالنا الشعبية ؟؟؟!! ومع هذا نتصرف بشكل مغاير لما نعرفه كحقيقة. فالحكومة تعيّـن لجان للنظر بالدستور، والحكومة تعيّـن هيئة مكافحة الفساد ، والحكومة تنشئ مجلس قضائي كموظفين رسميين تابعين لها ، وليذهب استقلال السلطة القضائية إلى الجحيم ، والحكومة تعيّـن محكمة دستورية لم يفرح بها الناس بل لم يطالبوا بها أبدا ً ولو علموا أنها ستكون بالتعيين من السلطة التنفيذية وتابعة لها لخرجوا بجمعة حراكية خاصة لرفضها لكنهم يرون أن الأمر لا يستحق والمطلوب أكثر من مجرد محكمة هنا ومجلس هناك وهيئة هنا ولجنة هناك ، فهذا بنظر الناس ترقيع وطبقة السلطة تعرف كباقي الناس أن الثوب إذا رقع ما عاد صالحا ً للبس إلا إذا كان صاحبه مـُـعدم ولا أمامه من بديل والناس ليسوا كذلك حتى نرقع لهم حياتهم ترقيعا ً .... ثم يشغر مكان هنا أو وظيفة هناك وبدلا ً من أن توجد آلية موضوعية عادلة نترك الناس يزحفون إما على الأصابع ليذكروا بأنفسهم ترخصا ً وإما على الركب لاستجداء الوظيفة مع علمنا أن مستجدي الوظيفة ( طالبها ) هو آخر من يستحقها من حيث الأهلية ونمط الشخصية . هكذا أثبتت التجربة الإنسانية عبر التاريخ نتجاهل كل هذا ونتصرف هكذا... والحل بسيط ...أن يعرض المؤهل نفسه ورؤيته على الوسط الذي سيخدمه هل هذه صعبة ودعنا نتخلص من مخاوفنا الوهمية قد تنجح الفئة الفلانية أو العلانية فالذي يصل مهمته عليه أن يثبت جدارته وإلا فالعقوبة بإسقاطه هي مصيره والأردنيون الجدد قد مهروا استخدام هذه الآلية فلا يخاف أحد عليهم أو يتخاوف .... لا فرق.


أختم بالقول إن حكومتنا الرشيدة أما إنها لم تسمع طبلة مسحراتي تونس أو إنها سمعت لكنها لا تريد الصيام .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير