غارة دمشق والمستقبل
وحده رئيس وزراء اسرائيل يعرف السبب الحقيقي لاتخاذ قرار ضرب مواقع استراتيجية في سوريا ، لأن مثل هذه الضربة لا تأتي فجأة بمجرد أن علم أن هناك شحنة اسلحة ستعبر الحدود اللبانية الى حزب الله ، والاعلام وحده هو من يدخل الناس في تيه عبر التحليلات والخبراء العسكريين والمقالات واستغلال كل وسائل الاتصال والمعلومات لتشتيت ذهن الجمهور عن محاولة فهم السبب الحقيقي لأنه ومهما اجتهدوا فإن سرّ الضربة سيبقى مختفيا حتى تكشف عنه مجريات الأحداث في القادم من السنوات والأيام .
لقد أوردت وسائل الإعلام مبررات عديدة للضربة فالمعارضة السورية تتحدث عن تنسيق بين النظام وإسرائيل في الغارة والنظام في سوريا يعتبرها لخدمة المعارضة وتمرين للتدخل الخارجي واذاعة اسرائيلية تقول ان المعارضة السورية هي التي قصفت المركز العلمي بريف دمشق ومسؤول سابق في (C.I.A) يدلي بأن الغارة على سوريا محاولة لاستفزاز طهران وتوريط واشنطن في حرب مع إيران وصحيفة الاندبندنت البريطانية ترى في الغارة الإسرائيلية على سوريا ما يثير مخاوف اندلاع صراع إقليمي، واما الخارجية الروسية فتصف الغارة على سوريا بأنها "خرق" لميثاق الأمم المتحدة .
قد يبدو كل سبب مما ذكر سابقا كافيا ومقنعا للضربة أو أن تكون الأسباب جميعا ايضا ، ولكن يبقى الجوهر بالتأكيد مخفيا وعلينا ان ننتظر طويلا قبل أن تنجلي حقيقة الأشياء.
فمثلا حين ضربت اسرائيل المفاعل النووي العراقي في فترة الحرب العراقية الإيرانية لم يكن أحد يتصور أن الأمور في العراق والمنطقة ستصل الى ما هي عليه الآن، وأن المقاومة الفلسطينية سيتم تصفيتها مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.
هل ستكون الغارة الإسرائيلية مقدمة لتدخل عسكري في سوريا ولماذا ؟
إن الحرب التي تدور في سوريا الآن هي أشبه بلعبة ملاكمة لم يستطع اي ملاكم حسمها بضربة قاضية، فبقي الأمل عنده أن ينتصر بالنقاط وهي الآن تتوقف على النقطة الأخيرة في الجولة الأخيرة وهذا ما ينتظره العالم ليقوم هو بالضربة القاضية على حلبة منهكة وصل فيها اطراف الصراع الى حالة شديدة من الإرهاق وفقدت اللعبة اثارتها والكل يرغب في أن تتنتهي اللعبة .
أما السؤال الآخر لماذا ؟ فهو ما سيجيب عليه المستقبل بعد أن ضحكوا علينا بلفظة مغرية ( الربيع العربي ) التي أرادوا منها أن ينطلق سيناريو رسم ملامح القرن الحادي والعشرين عندما يجلس الكبار في مؤتمر كمؤتمر يالطا الذي اقتسموا فيه العالم و نشأت بعده اسرائيل والتي هي الآن ترسم ملامح المؤتمر القادم الذي ستنجز من خلاله بقايا الحلم اليهودي التاريخي في اقامة الهيكل الثالث للدولة اليهودية الخالصة بعد هدم المسجد الأقصى .
نتنياهو ابن مخلص جدا لأهداف الحركة الصهيونية ولا تهتز شعرة في بدنه ان تتدمرت كل العواصم العربية ، والإ فلماذا تجرأ على ضرب سوريا مرتين خلال عام كانت الأولى للمفاعل النووي السوري والتي ذكرتنا بضرب المفاعل النووي العراقي.
هذه الغارة لا يجوز التعامل معها بسذاجة فإن تاريخا جديدا على وشك كتابته في هذا القرن اشدّ مأساوية من القرن السابق بعد إذلال عاصمتين كتبتا في ما مضى تاريخ الدنيا.