ثقافة القتل
من أبشع ما في الحياة أن تتدثر ثقافة القتل بعقيدة يرى صاحبها أنه لايأتيها الباطل من أي جانب. وجرائم القتل بين ابناء عقيدة العرب السماوية انطلقت منذ الإرهاصات الأولى لتشكيل أول دولة لهم في شبه الجزيرة العربية، وقد طالت ثقافة القتل والتصفيات الجسدية عددا من أهم القيادات في التاريخ مثل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، مما أنتج ثقافة الإنقسام والترويج له متكئين على مقولات دينية تم لوي عنقها لتناسب الهدف السياسي لمن يصل الى السلطة وكرسي الحكم.
واتسع الخطاب الثقافي الذي يحلل القتل افقيا وعموديا معتمدا على الأعطيات والإمتيازات لرجال الدين والشعراء وأمراء الجُند وقيادات القبائل باعتبارهم أفضل مروِّج وداعم لمن يعتلي كرسي الحكم ، وأسوق مثلا على ذلك ماقاله شاعر في مدح قاتل علي بن ابي طالب ، يقول عمران بن حطان الخارجي في عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي :
يا ضربة من تقي ما أراد بها.. إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه.. أوفى البرية عند الله ميزانا
كيف يجرؤ شاعر من طائفة خرجت من رحم الصراع المرير بين علي إبن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان أن يعلن للناس أن قاتل علي كان يبتغي رضوان الله ؟! وكيف خرجت بعد ذلك في الأمة، طائفة غالت بتقديس علي ورفعته الى مرتبة الربوبية وتقديس قاتله واعتباره الخليل الوفي للرّب ؟!
سوريا ماضيا كانت هي اللاعب الأهم في ذاك الصراع القديم بين علي ومعاوية بعد مقتل الخليفة عثمان وهاي هي الآن بدأت تنفخ في جمرة الصراع بين طائفتين يملكان العدد بالملايين والعتاد الكافي لخلق حرب جديدة لا تبقي ولا تذر ، والخطر في هذه المرحلة أشد وأفتك لأنها بقيادة دول كبيرة تتغطى ايضا بمذاهب تضخمت لدرجة صار فيها المذهب بقوة دين وليس اختلافا في الرأي حول مسألة فقهية مع مساندة عالمية رأت في هذا الصراع مغنما بلا غُرم .
إن هذه الدول تمتلك قوة كبيرة اقتصادية وعسكرية ووسائل اتصال وقادة الصراع فيها بلا استعداد لقبول اي شكل من اشكال الهزيمة لأن في ذلك فناء أبدي له، فهذه آخر المعارك بين الطرفين حسب ما رسخ فيهم من عقائد مشوهة لا ينفع فيها اية عملية تجميل وبلغ التشوه درجة يصعب العودة عنها الا بمعجزة الهية.
قال لي ذات يوم في دمشق الكاتب والشاعر المرحوم ممدوح عدوان وهو لمن لا يعرفه انسان جريء القول والفعل ويساري التفكير ومن التقدميين في سوريا ، انظر الى ذاك الجبل قلت اعرف هذا الجبل الذي يبنى عليه القصر الجديد للرئيس حافظ الأسد. قال انظر الى ذاك المقام الصغير بجانب مشروع القصر فرأيت قبة صغيرة ليست كمقامات الأولياء التي أعرف فسألته وماذا يعني هذا ، ضحك وقال هذا المقام مقدس جداً عند طائفة الرئيس ، فهو لقاتل علي بن ابي طالب، وعلي لدى الطائفة هو الرب الذي تجسد على الأرض بصورة إنسان، وعندما أنهى مهمته في الأرض طلب من اقرب انسان لديه أن يقتله كي يعود الى السماء. وهذا الرجل هو من قام بطاعة الرب وقتله وظل يزحف من الكوفة حتى وصل هذا المكان فأكله النمل ومات. و هذا المقام الصغير ليدُّلَ عليه.
وعندما قرر الرئيس أن يكون له قصرا بعد أن كان يسكن بيتا بسيطا ، اختار قمة هذا الجبل حيث القبر ، والذي يظنه معظم الناس مجرما يُرى بثقافة أخرى لها ملايين الأتباع مقدسا. وهذا ما خلق خصومة أبدية أورثت اضطهادا وقمعا من الطائفة القوية للطائفة الأصغر المستضعفة ،وهناك قرار لدى الجميع أن لا عودة لتلك الأيام الماضية يوم كان الإقطاعي السنّي يستبيح كل ما لدى العلوي ويقوم بإذلاله، تلك أيام لن تعود، وحافظ الأسد سيصحح التاريخ ويفعل اي شيئ لكي لا يخرج الحكم من الطائفة حتى ولم مُسحت دمشق عن الخارطة .
بشار الإبن ورث الحكم وثقافة الغاء الآخر وله من يؤيده في سوريا والعالم العربي والعالم، والطرف الآخر الثائر عليه ومن معهم لا يؤمنون بوجود من يخالفهم وأن لا فائدة بالتحاور والتفاهم لأنها لن تفضي الى شيئ ، لذلك لا أرى امكانية للوصول الى حل في سوريا سوى باستمرار القتال حتى يجلس الجميع على أطلال سوريا بدلا من الحوار، خاصة أن كلا الطرفين يظن أن الله معه !!