2025-01-08 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

حكاية العصعص

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

نقولها بصراحة ....لقد شبعنا كلاما ً ، هياما ً بالقادم أو تشفيا ً بالذاهب .نعرف أننا عرب نتقن الكلام.فلا امة على سطح الأرض لديها شعراء كما لدينا اليوم . يـــُــحسن الأردنيون صُنعا ً إذا سكتوا .... فلا تشفي بالذاهب ولا تطبيل وتهليل بالقادم .... لا هيام نفاقي بالقادم .... ولا قدح نميمي بالذاهب فالجميع يا سادة هم مواطنون أردنيون عاديون لم يطرح أي منهم نفسه كزعيم أو كمنقذ للأمة أو كبطل هُمام وفارس المرحلة (بالمناسبة أنا لا أعرف معنى كلمة المرحلة!) ومثلها كلمة "المسيرة " طلاسم بالنسبة لي .


لم يكن أي منهم سياسيا ً قبل الوظيفة ، أو سبق أن مارس العمل السياسي (غير الوظيفي البيروقراطي)، بل لم يسبق لأي منهم أن أُنتخب ولو رئيسا ً لبلدية . ولم يكن أي منهم حزبيا ً ، أو رئيس حزب سياسي أو أمينه العام ، ولم يكن أي منهم صاحب مذهب سياسي معروف ، بل لم يكن أي منهم مؤدلجاً .... وإنما هي مهمة ألقتها الأقدار على عواتقهم ، ففرحوا بها شأن أي فرد تأتيه وظيفة ومعها وثيقة تأمين له ولأولاده من بعده مدى الحياة .... ليست سيئة على أي حال: و عليه : فكلهم أخوة أفاضل تصرفوا وسوف يتصرفون كما يعرفون أو (يُعرّفون ) . ولا يحمل الله نفسا ً إلا وسعها ..... لا فرق جوهري أو مظهري بين من ذهب ومن أتى ، كما لن يكون هناك فرق بين القائم والقادم .. تماما ً كما لم يكن هناك فرق بين من ذهبوا سابقا ً ومن أتو بعدهم لاحقا ً.جميعهم شخصيات أردنية محترمة دون شك ، لا عذر لهم إن لم يحبوا الخير للأردن وقد أحبوه.... ولا سبب لأن تكون نوايا أي منهم غير طيبة .. وهي طيبة دون شك ..دون شك ،ثم أنه لا جاهل كان ولا عالم كائن ، ولن يكون في المستقبل عبقري .الجميع سواسية كأسنان المشط ومن ذات "المخزن" أقصد الطبقة نفسها (مع الاستئذان من بروفيسور هشام جعيط صاحب مصطلح "مخرن" وتوظيفه سياسيا ً ). وأية رقعة كانت أو كائنة أو ستكون هي من ذات الثوب ، فلا عجلة ولا عجالة ....

والمطلوب فقط التريث والانتظار، وتعاون من يستطيع التعاون فالأوضاع خطرة والتبعية المفروضة على البلد يتثاقل دمها يوما ً بعد يوم ، والمؤسسات الدولية الربوية بدأت من جديد تمارس أستاذيتها علينا تعليمات ، ونصائح اقتصادية وخلافه ... مع أنها حزبت كل دولة هيمنت على قرارها الاقتصادي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ثم أننا لا نريد استطلاعات المائة يوم أو أقل أو أكثر . فمشكلاتنا عموما ً لا تحل بمئات الأيام حسب خبرتنا ومشاهداتنا.إذن لا لزوم لرفع سقف توقعات الناس من القادم، ولا لزوم لإصابته بالغرور الزائف . في الماضي القريب وبمرور أقل من ثلاث سنوات فقط ، خبرنا بالتجربة ما يقارب نصف دزينة من أصحاب الدولة ، وكلهم طبلنا لهم قادمين ، ورجمناهم ذاهبين ، ألا نتوقف عن هذا الخلل في بنياننا الخلقي ؟ألا نحترم أنفسنا ونعلنها صريحة بأننا عاجزون عن التقييم إما بسبب الجهل أو لغياب المعيار .


ولماذا لا نفترض أن هناك (قالب ) معدني جامد ، على كل من تسند له المهمة أن "يُقَيّف "مقاسه ليصير على مقاسه دون زيادة ولا نقصان فإن صح هذا الافتراض يصبح من الغباء أن نتوقع الاختلاف أو التمايز بين هذا المسؤول أو ذاك. فالأكبر مطلوب منه أن يصغّر نفسه بأية وسيلة (رياضة مشي ، شفط دهون .... يدبر حاله بطريقة مناسبة ) . والصغير مطلوب منه أن "ينفخ ": نعم ينفخ جسمه ولبنان قريبة فهم ينفخون ليس الوجوه فقط والشفاه ، بل الأكتاف والأرداف أيضا ً ولمن يرغب ... المهم أن يصير على مقاس القالب ... تماما ً مثل بدلة العسكري المستجد في الماضي؛ إذ جرت العادة أن توزع على المجندين الجدد بدلات عسكرية دائما تكون كبيرة ... وعليهم أن "يُقّيفوها"عند أول خياط يصادفونه . حتى تصير البدلة على مقاس المجند فيرتديها، ويخرج من عند الخياط ينوي أن يسابق الريح فرحاً بها ... لكنه يكتشف أنه عاجز عن ذلك .... والسبب أن " البسطار" الانجليزي الذي استلمه مع البدلة ، فيه "مسامير طُبع" بأفله من تحت وهذه لا تسمح له بالسير على الأسطح الصلبة الا بحذر شديد كالإسفلت والبلاط ، وإلا "فالزحلقة"مصيره وربما الكسر.


ومع مرور الوقت يتكيف مع الوضع ويعرف انه لا بد له من أن يمشي على الكعب الذي تحيط به حذوة معدنية من الأسفل أيضا تماما كحذوة الحصان، لكنها أسلم للمشي من (المسامير الطُبع) ،فيصير ماشيا ً ولمشيته صوت لا تخطئه الأذن بان هناك عسكري قادم ... ربما عن بعد كيلو او أكثر . أليس جنديا ً تم إعداده لقتال الأعداء ؟؟!! إذن ينبغي أن يسمعوه قادما ً فيشاهدوه عن بعد فيهربوا ... هكذا أخبرنا الإنكليز آنذاك.

هكذا كانت الظروف وتلك كانت استحقاقاتها. قد لا تبدو معقولة اليوم لكنها كانت معقولة آنذاك بقناعة نفاقية أو جبانة ، أليس كذلك ؟؟المهم إن المجند المسكين في كل الحالات لا دراية له بتلك الاستحقاقات بالضرورة ، مع انه هو الذي ينفذها وعليه تُطبق ، وهو موضوعها في الأول والأخير .
وبالقياس : لماذا لا تفترضون أن حال صاحب الدولة في بلاد العرب كلها وليس في الاردن الغلبان فقط ، هو حال المجنّد ذاك . إذ يأتي فيجد نفسه مضطرا ً للعمل بأسلوب لا يدري لماذا هذا الأسلوب ، يطلق وعودا ً ولا يدري هل سينفذها ، وكيف سينفذها ، فإذا قيل له الله يعطيك أو لا يعطيك العافية لا يدري لماذا قيل له ذلك ، سيما أنه عندما كان يحاول فتح قناة لإسالة الماء منها لا يدري لماذا وكيف سال الماء بقناة أخرى ولو بالصعود إلى أعلى ، وما القوة التي تدفع بالماء لأن يخالف قوانين الجاذبية وجريان الماء !!! كان المطلوب منه أن يقيف نفسه فقيفها وأن يلبس البسطار ... ولبسه ... ومشى بحذر إجباري مخافة السقوط ، وسمع الناس صوت حذائه ماشيا ً .. فانتبهوا ولم يهربوا لأنهم ليسوا أعداء ... لكنه رغم ذلك سقط ، ولا يدري كيف ولماذا . هناك ربما من يدرون... أما هو فليس منهم .


إن الحصان "المحذي جديد" مهما احترس في مشيته على الصخرة المنحدرة لا بد ساقط . أما السقطة هذه فإما أن تكون جنابيّة عندما يهوي على جنبه ، ويداه ورجلاه تمتدان أمامه باستقامة متوازية وكأنهما تشهدان على سقوطه ولا دعوة لهما به ....أو أن تكون وقوعا ً على المؤخرة فيقال وقع "قاعيا ً" والقاعي أو "المقعي" هو من يقع مستقرا ً على مؤخرته مستندا ً على يديه وهذه سقطة سليمة العواقب عادة للحصان شريطة أن يسلم من "ذيله" حيث لا يدري أين سيستقر حينها . سليمة لأنها تسمى سقطة بحماية العُصعص ، وهي أقل خطورة من السقطة على الجنب إذ لا عُصعص يحمي ولا ما يحزنون .يقول أهل الطب أن عظمة العُصعص وهي آخر عظمة في أسفل العمود الفقري ، هي دائمة لا تبلى ولا تتغير حتى بعد أن يتحول الجسد إلى تراب بعد الموت . ويقال أن في ذلك حكمة لا يعلمها إلا خالق الخلق سبحانه وتعالى عما يصفون والحمد لله رب العالمين .
أو َ بعد ذلك يا سادة هل يبقى مجال للمقارنة بين أصحاب الدولة في بلادنا العربية ؛ فبدلا ً من التشهير اللاأخلاقي، أو الترحيب النفاقي ،أليس من الأفضل لو بادر الجميع بالدعاء إلى الله أن يغفر للذاهب وهو ذاهب في طريقه إلى زاويته في " المخزن" ليربض فيها إلى جانب باقي " العدّة" ما شاء الله له أن يربض ، عسى أن يبعث من جديد مرة أخرى ... وبتحصل .... ليش لأ ... الحقل حقلهم والعدة عدتهم.


أما القادم فلا يسألوا الله رد القضاء عنه بل اللطف فيه ، بأن تكون "سقطته" المحتومة سقطة على العصعص "قاعيا ً " ؛ ليقوم هذا العصعص بحمايته من الكسر ، وبالمناسبة هل التهاني مناسبة للمقبل على هكذا مصير ، مجرّد سؤال ؟


أما الذيل(إن بقي له توالي ذيل) ، فأمره موكول إليه شخصيا ً ... وليحرص على أن يكون للأمام .... للأمام ... كي "لا يقع عليه" حيث لا ينفعه حينها حذر من قدر ... وهذا مبدأ أكدّ عليه زعيم ليبيا لسابق وعض ّ عليه بالنواجذ.... فعندما كان يــُــسأل أين يبقيه ؟ كان يجيب بسرعة وبطلّة كطلة ماعز من فوق زعرورة ؟ إلى الأمام ... إلى الأمام ... ومع ذلك فإن بدائل الذيل الخشبية قد تجاوزت كل حدود حذر الزعيم واستقرت حيث ينبغي لها أن تستقر الذيول عادة في مثل هذه المناسبات ...... ولا حول ولا قوّة إلا بالله .... والشاطر من اعتبر


أ.د. إدريس عزام

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير