2025-01-08 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

صديقي الحكيم

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

لقيته بعد غياب ليس بالطويل , وكان قادماً من فلسطين . صديق تجمعني وإياه ذكريات كثيرة منذ أيام الشباب , واثناء الدراسة الجامعية , وبعد السلام والتحيات سألته بشيء من الإستفهامية المتخابثة فأنا أعرف اتجاهاته :


سألته : هيه -شو صفَت على حكم ذاتي ؟ وزعيم هنا وزعيم هناك ؟ وسلطة هنا , وسلطة هناك ؟؟ يعني ماذا سيحدث للدنيا لو فتحنا سين (و) لام هالسلطة , وكملناها بشوية فول ؟؟ صمت برهة , وقلت إنه قد لا يجيبني ببداهته المعروفة , فاعتقدت للحظة أن صاحبي قد تعقَد من الاحتلال ومشاكل الإحتلال , وفقد روحه المرحة الناقدة . لكنه ما لبث أن خيب ظني وأجاب مقلّداً أسلوبي نفسه :
قال : آه شايف ؟ نعم حكم ذاتي .. بس يا الله حالنا أشوا من حالكم , قالها بعين غامزة والأخرى مستقرة في محجرها نافذة ..

قلت : وكيف يا رجل , فنحن دولة وحكومة , وأجهزة , ومؤسسات عامرة بالشعب وقواه العاملة ووزارات وأصحاب معالي ( والذي منه ) , فكيف أشوا من حالنا ؟؟
قال : صحيح (إحنا) حكم ذاتي , بس انتم (لسه) ما دون الحكم الذاتي .
قلت : متسائلاً وضاحكاً , وكيف ذلك .. ما هي إلا المكابرة في المحسوس يا رجل ! ما الدليل وعلى ماذا اعتمدت حتى قلت ما قلته ؟
قال : ألا ترى معي إنكم تظهرون وكأن لا شغلة ولا مشغلة عندكم إلا ترديد عبارة " إننا مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ومع حقه في إقامة دولته المستقلة على تراب وطنه " أليست هذه الفاتحة الجديدة التي استبدلتموها بفاتحة القرآن ؟ نازلين بيها على الطالع والنازل وكأن فيه حد بها الدنيا (يكيل بصاعكو) ؟!! بصراحة أنا عمري ما تمنيت اشتغل بمهنة أو وظيفة حكومية إلا أن أكون وزيراً للخارجية الأردنية .. جملتين أرددهم أينما ذهبت و بكل مناسبة وكفا الله المؤمنين شر القتال , أحكيلك بلاش وزير خارجية , بل سفير أو قنصل أو أي شيء (مُدبلس) في واحدة من سفاراتكم ... إذ كل ما سوف يلزمني فقط برادي ثقيلة للمكتب (و.. درل) .
تساءلت (مستغرباً اقاوم رغبة شديدة في الضحك من ورود كلمة (درل) )
سألت : البرادي فهمناها .. بس ليش الدرل (المثقب) ؟
أجاب : حتى أعمل بالدرل فتحة في برادي مكتبي الصغير على قد العين , أراقب منها القادمين إلى السفارة , لعلي أرى أردني هائم على وجهه قادماً , فأراه من الثقب و أُنبّه الحراس والموظفين إما أن لايفتحوا له الباب , أو يدخلوه ويدعوا باحترام شديد , بأني خرجت في سفر لأغيب شهر—حتى أقطع أمله في العودة ومراجعتي .


قلت : لماذا و كيف تقول هذا يا رجل , أراك ظالماً فيما تقول ! هل لك تجربة مع موظفينا الأشاوس .
قال : طوفت الدنيا كلها ورأيت ما تفعله سفارات العرب , وخاصة سفاراتكم بمواطنيكم – وكثيراً ما سألت لماذا ؟؟ وأخيراً عرفت , حيث خرجت بانطباع أن الوظيفة الدوبلوماسية حسب تقاليدكم , هي نفخة على الكرسي و تنكيش بالأسنان بعد أكلة (ديليفري) , وانكار وجود الموظف المقصود , بوجه أي مراجع -وبعد أن كبرت بالسن وطفت بأفكاري لأرى عملاً يناسبني في تقاعدي , فما وجدت أفضل من أكون دوبلماسياً أردنياً .. يا الله شو ها الوظيفة مريحة !!! حتى الوصول إليها والفوز بها سهل قد ما تقول بس عن طريق التلفون من رجل يجلس بعباءته وبجانبه تلفون (ويكون مليان شوي) , فيطلب وزارة الخارجية أو من هو أكبر , وبعد السلامات يطلب منه (أن يعطيه يوم) وهذه تعني عزيمة بالثقافة الأردنية (ممنسفة) , فإذا قبل الدعوة ألحقه بطلقة الطلب للوظيفة , وإن لم يقبل يكون قد خجل إلى درجة قد لا يستطيع رفض الطلب , فيحصل على الوظيفة للشاب الذي ما أراد له هذه الوظيفة إلا لأنه بلغ الثلاثين و يرفض الزواج فحتى لا يوقعه بمصيبة مع الناس قرر أن يسفره للخارج حتى يدبر حاله هناك , وينبسط بدون مشاكل , فالأمور متوفرة وسهلة كما يسمع لشاغلي هذه الوظائف .. أنا بالنسبة لي ما بدي هيك انت شايف الحال .. بس بدي الراحة وتنكيش الأسنان .
قلت : طيب ما علينا وخلينا نرجع لحكاية (ما دون الحكم الذاتي , كيف ذلك) ؟؟


أجاب : يا سيدي الدولة لها مشاكلها وهمومها وحاجات مواطنيها التي تلهيها عن أي شيء آخر بالدرجة الأولى .. وما أراه يا صاحبي أنكم هنا لا تتحدثون إلا عنا نحن والحمدلله .. وعن خدماتكم لنا , و من يضع نفسه في خدمة ما سميته أنت حكم ذاتي يكون هو أقل من ذلك أليس كذلك ؟؟ بعرف إنك منطقي ؟؟ .
فبهتني صاحبي , وتذكرت دلالات ما يقول و مؤشراته , وتصفحت بمخيلتي صفحات جرائدنا الأولى والثانية (الأهم) بكل صحفنا اليومية , فوجدت فعلاً أن غالبية الموضوعات التي تهتم بها صحفنا لا علاقة لها بالأردن وأن الشؤون والقضايا الأخرى تحظى فعلاً بالقسط الأكبر والحمد لله , وصحتين وعافية .
سألته : على أساس هذا فقط حكمت بأننا دون الحكم الذاتي .
أجاب بسرعة : لا . هناك شيء آخر .
سألته : ما هو ؟
قال : إنتو (صفيتو) معازيب .. والشهادة لله (بتلوق) لكم مسألة التعزيب هذه .. هي تخديم على الناس بس شو ؟ أدب وأخلاق وتستقبلون الضيوف من (ثُم) ساكت.. وهذا من لزوميات الكرم – بس أنا عمري ما رأيت (دولة) كما تسميها يا صديقي تحول نفسها كلها إلى (مضافة) !! .
وهنا صحت بوجهه متصنعاً (الجدّية) شو مضافة يعني ؟
فأجاب : مضافة وانتو(صرتوا) الحافظ الله معازيب واردف :
اطلّع و شوف على باب عمان شو مكتوب ؟
قلت : شو مكتوب ؟

أجاب : مكتوب : شعارنا هنا : يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل .

تساءلت : طيب شو فيها .. كرم .. واخوة عربية ونخوة !
قال : بس افرض أن الضيف ثقلّها شوي , و إنت رجل وصرت غلطان و ناطق أنه هو صاحب البيت إلا يعود من المفروض عليكم كرجال تحترمون شعاركم , أن تذهبوا إلى الجحيم أو إلى حيث تريدون ..ليقيم الضيف في المضافة كرب منزل بدلاً منكم ؟ ويا سيدي من يعرف العملة الجيدة من العملة الأردنية .. بس إذا ثقّلها شوي الضيف صار هو الرديئة , وعندها لا يصير أمام العملة الجيدة إلا أن تبحث لها عن زاوية في بنك تستقر فيه ...أليس كذلك ؟؟ !

وهنا شعرنا بالتعب .. فالحديث –ذو شجون – والوقفة طالت, فعزمت عليه أن يرافقني ضيفاً إلى منزلي معززاً مكرماً , فأبى وشكرني بشدة , وقال لو ما إلى (معازيب مرتب معاهم) لما وجدت أفضل منك معزب , لأني قد اثقلها والزمك بشعارك وتعال عاد رقّعها ...
فضحكنا وسلمنا على بعض وانصرف كل منا إلى حال سبيله . لكنه توقف بعد أن سار خطوات , ونظر إلي جادّاً و قال : بس ديروا بالكم على حالكم , لأنكم قلة مختلفة وطيبة لو غدر بكم الزمن لانقطع الخير من على وجه الأرض .
أجبته : خلّيها على الله .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير