jo24_banner
jo24_banner

رئاسة الجامعات

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

إذا نفد مجلس التعليم العالي اسلوب المنافسة بين من يرون أنفسهم مؤهلين كأساس لاختيار رؤساء الجامعات , يكون بذلك قد أرسى حجر الأساس لإسلوب جديد و متطور نسبياً عن الأسلوب المعتاد .
فقد جرت العادة أن تكون تنسيبات الأجهزة الأمنية هي الأساس الحاسم في ذلك , الى جانب بعض التدخلات لمؤسسات اخرى معينة , اعتادت أن لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتحشر أنفها فيها تماماً كالأجهزة الأمنية التي تغولت كثيراً , دون مراعاة للموضوعية واحترام الكفاءات وخصوصية الجامعات .

لكن لا بد من التذكير بأن الآلية الجديدة أيضاً القائمة على تقديم الراغبين بمثل هذه الأدوار لسيرهم الذاتية كما أُذيع , ليست مصونة من كل عيب مع أنها أفضل دون شك من الأسلوب القديم . فالسير الذاتية قد تشير إلى كفاءة أكاديمية تتمثل بالقدرة على البحث والخبرة في التدريس إلى جانب بعض النشاطات والمشاركات في المناسبات والمؤسسات العلمية , لكن إدارة الجامعة أي جامعة , مسألة تقوم أساساً على استعدادات ومهارات إدارية وخصائص قيادية ولا يفيد التميز الأكاديمي في ذلك كثيراً . كما أن السير الذاتية قد تسرب إليها الفساد شأنها شأن الكثير من نواحي حياتنا في السنوات الأخيرة . وصار الناس يأخذون دورات في تصميم السير الذاتية وتزويقها وربما تزييفها أو تزييف بعض المعلومات و البيانات الواردة فيها .

وقد كان هذا الأمر لا يلفت الانتباه في الماضي لأن الداعمين للشخص كانت مصلحتهم أن يقال عن هذا الشخص أحسن الأقوال , وأن تنسب له أجمل الصفات وأعلى الكفاءات .. بل أن هناك من يدفع لجهات في الخارج والداخل ليدوًن اسمه في سجل المبدعين أو المشهورين في تخصصه فإذا ما قابلت الرجل (أو المرأة) وجدت نفسك واقفاً أمام إنسان أقل من العادي بكثير وربما أنكر علمه بما قيل عنه دفعاً للإحراج .


وقد حاول رئيس إحدى الحكومات الأردنية في الماضي أن ينشر السير الذاتية للشخصيات التي دخلت إلى وزارته بتوسع وتفصيل لكي يصبح هذا تقليداً , ولأن دولة المرحوم كان حسن الظن ويثق كثيراً بالسير الذاتية كما يبدوا , فكان جزء غير قليل من معلومات بعض السير كما أذكر في حينها موضوع تندر من قبل بعض معارف هذا الشخص أو ذاك وأصدقائه .
ماعلينا .


لنعد إلى اسلوب الاختيار ونقول أن المعيار الذي نقترح لأن يكون الأهم كأساس للمفاضلة بين الراغبين إلى جانب السير الذاتية ؛ هو برنامج يقدمه كل راغب بدور رئيس جامعة , يبين فيه تصوراته لدور الرئيس , والمنهج الذي ينوي اتباعه في إدارة شؤون الجامعة الأكاديمية والمالية , والادارية , بل والجامعة كبنية تحتية والجامعة كعلاقات مع جامعات الداخل والخارج , إلى جانب ايضاح الآليات التي سيعتمدها لتطوير الأساليب التي كانت متبعة في إدارة الجامعة المعنية , قبل أن يتولى الأمر فيها . وهذا يتطلب أن يدرس مسبقاَ جميع شؤون الجامعة وأحوالها القائمة , وأوجه القوة والضعف فيها , و أوجه التخلف وأوجه الإبداع , ليكون ذلك أساساً يبنى عليه تصوراته للواقع الذي ستصير إليه الجامعة تحت ولايته .

أما مهمة مجلس التعليم العالي , فتكون في أن يصوت لهذا المرشح أو ذاك بناء على تميز البرنامج الذي وضعه على المستوى النظري وعلى مستوى قدرة المرشح على تنفيذه , ومدى الواقعية في تصوراته وإحاطته بكل المدخلات اللازمة لإنجاز وتطوير الجامعة إدارياً ومالياً , وأكاديمياً .

فأساتذة الجامعة رجال علم وأدب والدائرة التي ينخرطون من خلالها بالمجتمع محدودة , فتظل خبراتهم بالحياة (فيما وراء الأكاديميات) محدودة , مما قد يعرضهم للإستغلال من قبل كبار الموظفين في الجامعة , المنخرطين في الحياة العملية أكثر منهم , ولعل هذه المشكلة وراء الكثير من الأزمات التي تقع فيها بعض الجامعات بتأثير أو تخطيط أولئك الموظفين المتحفزين عادة لإستغلال قلة دراية الرؤساء .

فالجامعات لا يديرها بنجاح إلا شخصيات قيادية لهم خصائص كاريزمية وهذه مواصفات لم تكن لتؤخذ بالاعتبار فيما مضى . لكنها أصبحت اليوم ضرورة . ولا يكشف عن هذه الخصائص إلا البرنامج التصوري الذي يقدمه كل مرشح على أن يشرح هذا التصور بوضوح أمام مجلس التعليم العالي وبجلسة رسمية تعقد لهذا الغرض , ليجري التصويت بعد ذلك من قبل أعضاء المجلس على البرامج وليس على الأشخاص فقط . على أن يكون هذا البرنامج هو ما قد يقيم على أساسه رئيس الجامعة بعد فترة زمنية يحددها المجلس لا تقل عن منتصف المدة المقررة لرئيس الجامعة قانونياً . وعلى أساس مدى ما ينجزه من برنامجه تقدر درجة نجاحه في مهمته أو فشله فيها , على أن تعلن نتيجة التقييم علناً وعلى أساسها سيتم التمديد له , أو استبعاده من موقعه .

لقد آن الأوان لأن تكون الكفاءة الفعلية للأشخاص في بلادنا هي الأساس الذي يحدد مواقعهم وأدوارهم , وليس الترضيات أو المؤسسات و الأجهزة , أو المصالح الشخصية لمسؤولي تلك الأجهزة في إفادة البعض بهدف الإستفادة منهم لا أكثر من ذلك ولا أقل .. ولعل ذلك من أسباب تراجع الجامعات مؤخراً وانحطاط قيمة رئيس الجامعة وفعاليته .
نقول كل هذا مع علمنا أن من يعين في نهاية المطاف هو من ينسبه وزير التعليم العالي وله بعض الداعمين في مجلس التعليم بصرف النظر إن كان مؤهلاً أو غير مؤهل على مستوى الخصائص الشخصية والقيادية .. هذا إذا جرت المياه بقنواتها القديمة المعتادة , لكن الأمل معقود على أن يخالف وزير التعليم العالي هذه التوقعات التشاؤمية , فيكون فارس التغيير في هذه الجزئية من حياتنا هذا إلى أن يتغير القانون ويصبح الرئيس بالانتخاب .
مع كل أمنياتنا له بالتوفيق .

تابعو الأردن 24 على google news