2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

التغطية على مذابح سوريا

د. احمد نوفل
جو 24 : روّع العالم وهزّته مناظر المذبحة من الأعماق. ما جرى في الحولة في حمص يفوق الوصف، ويزري بكل أفلام الرعب، ولكن السياسيين في العالم والذين أجمعوا على شجب المجزرة وإدانتها بأقوى العبارات وأبلغ بيانات الشجب لم يحددوا الجاني، فسجّلت الجريمة ضد مجهول. هذا أبشع من الجريمة نفسها.
إنّ قرون استشعار النظام تلتقط الرسائل بدقة بالغة، وقد التقطت أنّه لا قرار دولياً بالتدخل في سوريا، بل على العكس هناك قرار باطني خفي ببقاء النظام الباطني في سوريا، وحراسته مقابل حراسته لأمن "إسرائيل" في الجولان، وهي مهمة أدّاها النظام بإجادة وإتقان في ظل أقوى عبارات الوطنية وشعارات المقاومة والثورية والممانعة والوقوف في وجه المشروع "الصهيوأطلسي" و"الصهيوأمريكي"، وما شئت من النحت والاشتقاق والشقشقة اللغوية.
اللعبة المحبوكة والمؤامرة المتقنة، ثم تسريب بعض عناصر القاعدة "لنصرة الشام". المهم المصطلحات، والمهم الألفاظ والصياغات. وجرى التصريح من هؤلاء، فصارت وثائق لدى الجعفري يوزّعها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ثم قامت عدة تفجيرات لتوكيد هذه الحقيقة، وبلع القوم الطعم. وعندما تكلّم الحريصون أن يا قوم دعوا الشأن السوري، لا من باب التخلي، ولكن من باب سدّ الذرائع أمام خصم مجرم يملك آلة إعلامية هائلة خبيرة مدرَّبة، وتفتري الأكاذيب ببساطة بالغة، وتزخرفها وتزوّقها وتلبسها ثوب المنطق، حتى تنطلي على قطاع عريض.
بعد أن روّج وجود القاعدة وقد نسبت إليهم في العراق مذابح وعمليات مشابهة، وذبح بعض الأجانب، وقد نبّههم الناس إلى خطورة ذلك لكن الغرور يعمي، وعدم السماع من غيرهم واعتدادهم بآرائهم ورؤيتهم، جعلهم يتعصّبون لموقفهم، ويتّخذون قرارهم في الفراغ دون مشورة من أحد ولا سماع من أحد، هذا إن لم نفترض أنّ القاعدة قواعد، وأنّها تعاني مئة اختراق.
ولقد بات الآن مفروغاً منه أنّ عمل القاعدة في أفغانستان كان بسكوت أمريكي وإيعاز إلى الأنظمة التابعة أن سهّلوا مهمة "المجاهدين.."، فلمّا فرغ من الأمر وأصبحوا عبئاً باتوا مطاردين إرهابيين، لا مجاهدين.
فلم لا يكون الأمر انتقل من أفغانستان إلى سوريا ولبنان، يراد إشعال فتنة في هذين البلدين، وأنا أزعم أنّ إيران لها "قاعدتها" وأنّ الذي يتولّى التفجيرات في مناطق الشيعة في العراق هم "القاعدة" التابعة لإيران، وهذا الأمر بات في نظري مفروغاً منه، ولا أريد أن أعود إلى بدايات عمل القاعدة في العراق، فقد كان سكوت إيران عنهم واضحاً، بل إنّها في فترة من الفترات احتضنت القيادات.
ليس هذا موضوعنا، وإن كان يمتّ إليه، فوجود هذا البعبع في سوريا كان أحد ذرائع النظام لارتكاب هذه المجزرة البشعة. وستعمل الماكينة الإعلامية السورية، وهي قطعاً شيء لا يستهان به، وكثير من مراسلي المحطات من المخابرات السورية، فيعرض في تقريره المسموم وجهة نظر الحكومة في ثوب يبدو محايداً، ولا أريد أن أضرب المثل بمراسل ال بي بي سي.
أرأيتم أيّها الذين لا يسمعون إلاّ صوتهم؟ هل ساعدتم ونصرتم أهل الشام؟ ألَم تكونوا وبالاً على أهل الشام؟ ونحن لا نشكك في النوايا، فهذا أمر آخر.
نعود إلى جريمة النظام التي "توّه" العالم معرفة من فعلها، وطالب العالم كله بتشكيل لجان، وكأنّ الجاني من الجان، وإليك بعض نقاط تعين على التفكّر لندرك بالعقل من هو الجاني.
أولاً: هل هذه أول مجزرة وأول مذبحة يرتكبها النظام؟ لماذا لا يرجع إلى السجل الجرمي للمجرم في القضايا المطروحة؟ ومجزرة حماة التي قتل الناس فيها بدم بارد قرابة الثلاثين ألفاً، من فعلها؟ هل هم القاعدة؟ من قتل حمزة الخطيب؟ هل هم القاعدة؟ من استعمل الأسلحة الثقيلة والمدرعات؟ هل هم القاعدة؟ من قتل الناس أثناء تشييع الجنازات؟ من أعدم الآلاف في سجن تدمر؟ ومن الذي يقتل الناس كل يوم بالعشرات؟ وما الجديد؟ الخ..
وثانياً: لماذا لا يَتَّهم الناس المذبوح أبناؤهم إلاّ الجيش السوري؟ هل الأهالي متواطئون على أرواح أبنائهم ودماء شهدائهم؟
وثالثاً: لماذا لا تحدث المذابح إلاّ في المدن والقرى والأحياء التي يدخلها الجيش؟
ورابعاً: بدراسة ملف هذه الجرائم وتوقيتها، تجدها متزامنة مع دخول المراقبين؟ ليبعث النظام رسائل للعالم ألاّ يتدخّل في الشأن السوري.
وخامساً: ثبتت "الفبركات" في عمليات سابقة، إذ جيء بجثث لموتى من وقت آخر ومن مكان آخر، وبعضها التقطت الصور ولما يكملوا رفع شعار التلفزيون السوري عن مسرح الجريمة.
وسادساً: هذا نظام دأبه وديدنه الكذب، وشعاره شعار كل الأحزاب التي بلا قيم ولا دين: "اكذب ثم اكذب يصدقك الناس"، شعار غوبلز، معلمهم الكذب.
وسابعاً: معروف أنّ القاعدة قد يكون لها موقف من الشيعة وقد تستحلّ دمهم، لكن المقتول في المذبحة الأخيرة (قبل كتابة المقال ولا أدري فقد يكون بعد يوم أو يومين وصف الأخيرة منصرفاً لمجزرة أخرى..)
أقول: المقتول في المذبحة الأخيرة من خيار أهل السنة، فلم يذبحونهم؟ والقاعدة على ما هم عليه لا يمكن أن يستحلّوا ذبح الأطفال، بينما التعبئة المذهبية المنحرفة تستجيز هذا.
وثامناً: الشبّيحة والبلطجية ما مهمتهم إلاّ هذه المذابح، ووقعة الجمل مثل وقعة الحولة.
وتاسعاً: في علم الجريمة يبحث دائماً عن المستفيد، ولا شك أنّ المستفيد الأول هو النظام السوري، فهذه المذابح ترهب الآخرين عن أيّ حراك. وقد يقال: والقاعدة مستفيد. فما فائدة القاعدة من هذه المذبحة؟ قد يجاب: استقدام قوات دولية. والكل يعلم أنّه لا قرار مطلقاً باستقدام واستخدام القوات الدولية، وأنّ سوريا استثناء من بين كل الدول لمنزلة بشار ونظامه.
وعاشراً: أين المراقبون وأين دورهم ومراقبتهم؟ ولماذا تنفق جامعة الدول العربية والأمم المتحدة هذه المبالغ الضخمة للمراقبين والنتيجة "الطاسة ضايعة"؟
وأحد عشر: أين الأقمار الصناعية الأمريكية التي تدور ليل نهار فوق سوريا، وأين صورها؟ ولماذا العراق صورتم فيه كل شاردة وواردة ولا صورة واحدة عن مذابح سوريا؟
وثاني عشر: إنّ الأهالي يصفون مقتل كل فرد وكل طفل وكل امرأة، ولقد سمعت من ال بي بي سي وصفاً دقيقاً لكل قتيل وكيف قتل، وامرأة كانت حاملاً في الشهر الثامن ولها من الأطفال كذا، واسمها، وكيف قتلت. شهود العيان موجودون، أين من يستمع منهم ولهم؟
وثالث عشر: مندوب روسيا ووزير خارجيتها وكل من نطق باسمها، وهم المنحازون بشكل مطلق للنظام في سوريا، ورغم انحيازهم يحملون النظام والمعارضة تبعة المجازر، فلو كان النظام بريئاً لِمَ تحمّله حليفته الوزر والتبعة، وإذا كانت "العناصر الإرهابية" كما يقول الإعلام الإرهابي للنظام الإرهابي السوري، إذا كانت هي التي صنعت المجزرة، فلماذا يتبرّع "لافروف" بتوزيع التبعة مناصفة بين الطرفين؟
ورابع عشر: كما قيل في بعض البرامج: لماذا القتلى والمذبوحين دائماً في مناطق السُنّة، والمناطق المعارضة للنظام؟ لماذا والإرهابيون جزء من الثورة بزعمكم طبعاً، يذبحون من يمثّلونهم ولا يذبحون من يعارضونهم من أزلام النظام؟ ولماذا كما قيل: لم يقع تفجير واحد في القرادحة؟
وما دمنا استعنّا في هذه النقطة بما قيل، فممّا قيل أنّ الغارديان نقلت عن علي المملوك رئيس المخابرات العسكرية(..)، قال لمسؤول أمني إنجليزي: نحن متغلغلون في تنظيم القاعدة..
وخامس عشر وسادس عشر وعشرون: هل مستغرب على الأنظمة العربية هذا وما صنع العقيد والعقيد؟ وإنّي لا أعتقد أنّ أحداث وحرائق الدوحة من صنع ذات الأيدي، وقد هدد بشار بذلك قبل فترة.
وأخيراً خرج علينا كوفي عنان بعد اجتماعه بالأسد بأن قال: "وافق الأسد على "أهمية" إدخال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق"، وهذا انحراف خطير عن مسار القضية السياسية إلى تحويلها إلى قضية مساعدات.
وفي ختام هذه الكلمات في هذا المقال نوجّه النداء للشعب السوري البطل: أيها الشعب العزيز في سوريا: لا يفتنّ في عزائمكم تواطؤ العالم، ولا يوهنن قواكم غياب قرار دولي، بل هذا يزيدكم إصراراً، لأن عدم اتخاذ قرار يزيد من صوابية ثورتكم وقناعتكم بها، لأن هذا النظام جزء من الأنظمة المتحكمة بالعالم من أمريكا وصهاينة.
يا شعب سوريا الثائر العظيم: لا يضعفنّكم أنّ النظام يجد عوناً من الباطن والباطل في إيران، وأنتم لا تجدون على الحق أعواناً، فالله معكم وفي عونكم، وتخلّي الناس مقتض نجدة رب الناس وتجلّي معونة مالك الملك، الذي هو على كل شيء قدير.
وعلى الله فتوكلوا، والله معكم وناصر ثورتكم، وجاعل المستضعفين أعزة ظاهرين، ولتعلمنّ نبأه بعد حين.
السبيل
تابعو الأردن 24 على google news