jo24_banner
jo24_banner

النقيضان يجتمعان احيانا

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

   يقول فلاسفة المسلمين ،وأساطين المنطق الأرسطي ،بأن(النقيضان لا يجتمعان) لكنهما في حالتنا السياسية الأردنية سوف يجتمعان، كصفتين متناقضتين لزمان الجماعات الإسلامية الراهن.... وما على أرسطو ومنطقه، إلا أن يرتد على عقبيه مدحورا ً.ذلك أن الزمن الراهن الجاري هو أحسن زمن وأسوأ زمن في الوقت نفسه قد مرّ على هذه الجماعات.

فهو الأحسن ،لأن هذه هي المرّة الأولى التي تجد فيها هذه الجماعات نفسها وقد صارت المحور الرئيسي لحركة المجتمع السياسي الأردني ، بل والجامع الوحيد (إذا أراد ) لكل ما يحصده الحاصدون من الحقل السياسي ، ليس هكذا فحسب ، بل وتتراكم بسرعة منجزات محتملة أو واقعية ، أنتجت بمجملها واقعاً سياسيا ًصار يدفع بالكثيرين من قوى المجتمع الفاعلة سياسيا ً، لأن تتزلف لهذه الجماعات إمّا بتداهي متوهّم ، أو بتذلل حقيقي، أو بانتهازية سياسية .... فالناس إزاءهم إمـّا خائفين منهم، أو متحوطين حذراً، أو طامعين بأن تجود عليهم هذه الجماعات بجزء ٍ من الكعكة التي وُضعت أو على وشك أن تـُوضع على الطبق الذهبي لتلك الجماعات، دون شك، ولا سواها يملك سيف التقطيع وعملية التكارم والتوزيع، فقياداتها هم العرسان،ومن في الحفل سواهم كما المساعدين أو الضيفان... وهم الأشجار الباسقة، وسواهم بالكاد ظلال باهتة ....هذا هو الواقع .... فالسلطة أمست قاب قوسين أو أدنى منهم ، لا تبتعد عنهم ولن تبتعد كما نظنها إلا بمقدار ما يريدون هم لها أن تبتعد، ليس زهدا ً إذا فعلوا (وأخالهم سيفعلون) بل خشية ً من قابل غامض غير مضمون.


  إذن : محسومة هي الأمور لصالحهم في الحاضر ،وواهم كل من يعتقد بقدرته على إقصائهم ، سواء كان حزباً ناشئا ً أو تجمّعا ً طارئا ً ، أو تجمعا ً طبيعيا ً ولا ممكن لهم إلا أن يأملوا ذلك في الـمستقبل .... مجرّد أمل ....قد يتحقق وقد لا يتحقق . يتحقق إذا ما كان الأداء الاقتصادي والسياسي لهذه الجماعات بعد أن تمسك بالسلطة دون سقف التوقعات المرتفع جدا ً (والشهادة لله)، فيصير الفشل مع ارتفاع السقف هذا أمر وارد.


وقد لا يتحقق ذاك الأمل ، إذا ما احتاطت هذه الجماعات لكل الاحتمالات وقامت بأداء فعّال يشهد له القاصي والداني (مع أنها مهمّة غاية في الصعوبة) وحيث يصبح عسيرا ً على منتظري الفشل أن يحتفظوا بأي أمل لإزاحة هذه الجماعات عن السلطة في مستقبل منظور .


   لكن قبل هذا وبعد هذا ... فالجماعات الإسلامية هي الفائزة بأي حال ونبارك لهم هذا الفوز ... ولا قلق ينبغي بأن يساورهم على الإطلاق. بل لعلهم كذلك ... مطمئنين تماماً ...بدليل تفضحه ملامح وجوه المتحدثين باسمهم،أو المنتمين إليهم.فارتياح الواثق بنفسه ومن فوزه واضح كل الوضوح على الوجوه ،ليس كذلك فحسب، بل تصاحبه ابتسامات خفيفة جميلة تجود بها أفواه(يترازن) أصحابها زهواً بالنصر ،لولا ذلك الميلان الخفيف للشفاه السفلي نحو اليمين أو اليسار أثناء الحديث ،عادة ُ من يكون واضح الاستخفاف بقدرات منافسيه... إنها هيئة النصر والـمنتصرين التي إذا ما زادت سحبت أصحابها ربما إلى حافة الغرور وهو ما أعلم بعرفهم محظور.


   فائزة تلك الجماعات حتى إذا ما عملت الحكومة أية حكومة على أن تضع سقفا ً لهذا الفوز، بأن تحدد حجم وجودها في البرلمان أو الحكومة فهذا لصالحهم في الحساب الأخير . لأنه يشكّل عذرا ً لهم عن أي فشل (ويراه الكثيرون حتمياً) في إدارة الدولة واقتصاديا ً في المراحل الأولى للأردن الجديد.حيث ربما يقل التعاون داخليا ً،ويقل بالتأكيد التعاون الخارجي مع أية إدارات تصنف على أن مرجعيتها دينية، أو إذا كان لهذه الصفة وجود ظاهر في تركيبتها حتى وإن لم يكن طاغيا ً ومع ذلك سيحتفظون بموقعهم في قيادة المعارضة وهو موقع عزيز لديهم وهذا بذاته فوز يمكنهم من الجمع بين السلطة والمعارضة في الوقت نفسه . وفائزة هي أيضا ً إذا ما حققت هذه الجماعات أغلبية في البرلمان والحكومة دون تدخل من أية جهة،وأمسكت بالقرار وسيطرت على مفاصل الدولة .

 والفرق بين الفوزين : أن الفشل في حالة الفوز الأول سيكون لهذه الجماعات عذر عليه مهما كان بحكم أنهم شركاء مع آخرين ولا ينفردون بالسلطة ولكن يظل الفشل مرّاً رغم العذر ، أما الفشل في حالة الفوز الثاني ستكون مسؤوليتهم عنه كاملة دون أعذار ، وعليهم وحدهم دفع فاتورته، وسيكون المرارة التي أعقبت لذة الانتصار وعليه : فالزمن الراهن الذي يحمل للجماعات الإسلامية بشائر النصر وأفراحه يحمل في الوقت نفسه لهم مرارات الفشل الذي يبدو وكأنه حتمي في المراحل الأولى من حياة الأردن الجديد، وهكذا يجتمع النقيضان في زمن واحد.وما على أرسطو ومن حذا حذوه من فلاسفتنا المسلمين إلا (اللوذان) بالصمت ولعق الجراح.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير