من يحكم الأردن "والقلق المكتوم"
تتمثل قيمة العلم في تمكين الإنسان من فصل الحقيقة عن الزيف , والواقع عن الخيال . ففي الإنسان حساسية نحو الخطأ , ونحو حكمة الماضي , ونحو : أهمية عدم الوقوع في الأخطاء . والشعب الأردني شعب متعلم هذه حقيقة , وبالتالي فهو مؤهل لأن يدرك أو يحس إلى درجة تكفي أن يميز بين الصواب والخطأ . بين الكذب والصدق, بين الممكن وغير الممكن , والحاضر قيد التفحص أمامه , والماضي مقياس يقيس عليه لغايات العبرة وتجنب مواطن الزلل , ومن هذا وذاك يستخلص نتائجه وأراءه .
واليوم يكاد أن يجمع الناس على أن لا شيء واضح ولا مضمون فرئيس حكومة يذهب , وآخر يأتي نحكم على الذاهب بالفشل , ونستقبل القادم بالأمل , لكن الماضي يقول : ان الفشل مصير القادم كما كان مصير الذين سبقوه .
والسؤال لماذا ؟ لا أحد يستطيع الجواب وهذا حال ولًد في النفوس ما يمكن أن نسميه بالقلق المكتوم . وهذا نوع من القلق ليس من السهل وربما ليس من الممكن التعبير أو الإفصاح عنه . فرأس الدولة يُحسن الظن وينتدب بحكم صلاحياته من يكلفه للقيام بواجبات الحكومة نحو الشعب , ويكشف عن إرادة خيرة واضحة كالشمس عبر خطاب علني منشور على الملأ , ويتصدى المكلف لذلك ويعد بالعمل بهمة ونشاط كما يعبر عن ذلك في جوابه على خطاب التكليف العلني المنشور عادة على الملأ ... ثم لا يلبث أن يفشل في أن يكون بمقدار المهمة ويُنادى باستبداله .
والسؤال : هل المهمة إذن هي المستحيلة أم المكلف هو العاجز ؟ .
لا أحد يستطيع الجواب .. وفي ذلك منطق . فمن الذي يستطيع أن يقول بأن المهمة غير واقعية أو مستحيلة ؟ ذلك معناه غمز ولمز بكفاءة من حدد هذه المهمة ؟؟ لأن المفروض حتى بالإنسان العادي أن يعرف الممكن من غير الممكن , وإذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع .. فكيف الحال إذا ما تعلق الأمر بمن تحول القوانين دون سؤاله أو حتى الاستفسار منه , فالناس إذن معذورون إذا ما سكتوا مع اعتقاد لديهم بأنهم يعرفون .. ولكنهم بحكم القوانين لا يستطيعون .. فيصبح حالهم حال من يقول بأنني أعرف أين الخطأ ولكنني لست غبياً ولا شجاعاً إلى درجة أن اصطدم بالقوانين لأكشف عنه , وبعدها لا مناص من أن ينحاز إلى فئة من يعانون (القلق المكتوم) .
من يستطيع أن يقول بأن المكلف هو العاجز؟ إذا كانت المهمة التي تسند له غير واقعية أو إنها من النوع المستحيل فهذا ظلم والقائل ظالم
أما إذا كانت المشكلة في المكلف أو المكلفين . فلا مجال لأي حكم .. إذا حكّمنا المنطق . إذ لايعقل من عاقل راشد أن يحكم على فرد ما بأنه "عاجز وقادر" في الوقت نفسه . فهذا لا يستوي منطقياً . فالمكلف أحياناً يكون ممن سبق وكُلّف بالمهمة "كقادر" وبعدها جرى تصنيفه "كعاجز" بشهادة أنه أٌبعد . فإذا ما أوتي به مرة أخرى يأتي بصفة "القادر" ويدان إخلاقياً كل من قال عنه أنه عاجز , عندما أبعد فإذا ما اخذ وقته لا مناص من إعادة تصنيفه "كعاجز" مرة أخرى ,لأنه لاشك مستبعد بعد فترة ليست طويلة ولا يستبعد من مهمته إلا من يفشل فيها أليس كذلك ؟؟ ومع ذلك فلا ضمان من أن لا يعود مستقبلا ً.. على أنه قادر ومؤهل "للمهمة" . إذن مصير كل من يسير وراء قرارات التكليف وقرارات الإبعاد أو الإقالة إلا الندم على ما قاله أو ما سيقوله ، علاوة على الإحساس العميق بالجهل والتسرع بإطلاق الأحكام وظلم الآخرين أو تملقهم بجهل ذليل .
والسؤال المحير : هل نظلم الشخص عندما نصفه بالعاجز أو بالقادر لأن الشخص هو الشخص عاجز كان وقادر صار , ثم عاجز صار , وقادر كان -----الخ , مع أن الشخص هو الشخص , والمهمة هي المهمة ولا تغيير أو اختلاف في الحالتين .
أرى أن لا ظلم يقع , لكن إطلاق مثل هذه الأحكام المتناقضة , ليس شيئاً أكثر منه فقدان للذاكرة وغياب للمنطق . وحال من يسير في (جوقة) هذه المناسبات , تحليلاً ونقداً ---الخ , مثل حال من يرى الشخص هو وليس هو في الوقت نفسه , ويرى الشيء أبيضَ وأسودَ في الوقت نفسه , وليس هناك من عاقل من يرغب لنفسه أن يكون في هذه الحالة , لأنها حالة مَرَضية مُحزنة .
نعود للإجابة عن السؤال : هل المهمة مستحيلة أم المكلف هو العاجز وما مواصفات من نعتقد بأنه سينجح في إدارة شؤون الأردنيين وكيف؟؟؟ فطالما أن من كلفوا كثيرين , لم يعرف أي منهم كيف يحكم أو يدير , بدليل الحكم بعجزهم واستبعادهم بعد فترة لأكثر من مرة في حالة البعض منهم ؛ ومخرجات جهودهم واضحة للعيان كذا درجة تحت الصفر (على فكرة إذا ابتلى أي بلد بالمديونية فلا معنى لذلك إلا أن جهوده التنموية كلها مازالت تحت الصفر ولم تصل إلى الصفر وهي نقطة التوازن) .
الجواب : لا أحد يعرف ؟؟ ومن يعرف ربما لا يرى أن الأوان قد آن ليجيب عن هذا السؤال : إذن قدر الناس في بلادي أن يظلوا إلى حين، ضحايا لقلق مكتوم .