مؤشرات زوال الدولة..
ا.د. إدريس عزام
جو 24 : تظل الدولة , دولة شرعية , مادامت هي الاطار الجامع لكل مكوناتها البشرية أفراداً وجماعات . والاطار الحامي لمصالحهم بقوة القانون , وبروح العدل . بهذا فقط وليس غيره يحل الانتماء اليها والولاء , محل الولاءات البدائية والقديمة للأطر الاجتماعية الضيقة والعديدة ,التي كانت تتوزع عليها وفيما بينها ولاءات الأفراد والجماعات في مراحل ما قبل نشوء الدولة وتكونها. ولا تستطيع الدولة أن تقوم بهذه الوظيفة الجامعية , إذا ما وجد الأفراد أنفسهم مضطرين إلى النكوص والعودة إلى ولاءاتهم القديمة كضمان موثوق به أكثر , لحماية مصالحهم وتحقيق حاجاتهم المختلفة الحيوية منها والثانوية . وعليه تصبح السياسات الهادفة إلى اثارة عوامل الفرقة وتناقض المصالح بين الأفراد ضمن الدولة الواحدة , سياسات غير بناءة في جوهرها , بل تعمل على هدم مقومات الدولة بعد أن تعصف بشرعية وجودها , والدولة ليست الوطن , ولا أرض الوطن , حتى تظل ثابتة ولا تزول.
فزوالها حتمي إذا ما فقدت قدرتها على الصهر والاندماج الاجتماعي بين الأفراد والجماعات , على إعتبار ان هؤلاء هم مكوناتها البشرية إذا ما تم اندماجهم الإجتماعي بنجاح , وصار لهم كينونة اجتماعية كلية جامعة تؤهلهم لأن يقولوا عن أنفسهم (نحن).
فوجود الدولة بداية وجود سياسي قانوني بوظائف وشروط محددة , وليس مجرد وجود بشري بمنطقة جغرافية كما قد يظن البعض .
وزوال الدولة له مقدمات , أبرزها , ايقاظ عوامل الفرقة والتمييز بين مواطنيها , ثم تطبيق سياسات تشعر الضعيف بأنه ضعيف , والقوي بأنه قوي.
فذاك جوهر قاتل لجوهر الدولة بقدر ما هو قاتل لوظائفها , وأركانها الأساسية وأبرزها (القانون) فما قيمة القانون إذن , إذا ما لم يشعر مواطنوا الدولة بأنهم سواسية أمامه ؟ فالأصل في القانون أن لا يتيح المجال لأن يُستغل الضعيف لضعفه , ولا يغتر القوي بقوته , فالقوي ضعيف أمامه حتى يُؤخذ منه الحق, والضعيف قوي أمامه حتى يُؤخذ له الحق ... هكذا يتساوى الأفراد , وهكذا تسود القوانين فتحترم , فيصير الانتماء الى الدولة قوة , ومن هذا الانتماء تستمد الدولة شرعيتها و مبرر وجودها , ويصير الانتماء إليها أولى ولا يساويه انتماء آخر .
ومن مقدمات الزوال : أن تستأثر فئة من الناس بالدولة دون باقي الفئات , فذلك إن حصل معناه أن باقي الفئات ستصبح محل استغلال حيث يُنظر اليهم على أنهم (اشياء) من حق من استأثر بالدولة – سلطة وامتيازات – أن يتعامل معهم وكأنهم أدوات أو وسائل يمكن تسخيرها لخدمة مصالحه فقط . أما مصالح تلك الفئات المُستغلة (بفتح الغين) فلا تعود بذات قيمة بنظر القلة القوية , ولا تحقيق لها إلا من خلال خدمة تلك الفئات لمصالح تلك القلّة ومن خلال هذه الحالة تتولد مشكلات عديدة أبرزها الرشوة , والاختلاس غير المباشر , والسرقة, والاستبداد , والتسلط , والتذلل , والتملق , والتزلف , والنفاق.
إن الدولة العربية , منذ عهد ما سمى بالاستقلال . دخلت متاهة قاسية , يمكن أن نسميها متاهة التناقض , ففي الوقت الذي عمل فيه النظام الرسمي العربي على تأسيس الدولة بمنطوق المزاعم والادعاءات , عمل في الوقت نفسه على تقويض أركان هذه الدولة من الأساس ..فقلة فقط من انتبهت إلى ضرورة تحقيق الاندماج الاجتماعي , بدليل أن غالبية الدول أبقت على مظاهر انتماءات ما قبل الدولة قائمة , وابسطها القبول بالأسماء المزورة للأفراد . فالفرد يقدم نفسه ليس على أنه فلان بن فلان , بل فلان المنتمي إلى المجموعة الفلانية وهو انتماء وهمي وقد لا يكون حقيقي فتكون الاسماء مزورة . قد يبدوا الأمر بسيطاً للوهلة الأولى , لكنه إسفين في جسم الدولة وفي شرعية وجودها , وعائق كبير أمام الإندماج الاجتماعي وارتباط الفرد بالدولة وولائه لها , بل أن الكثير من فلاسفة السياسة يرون في ذلك دليل واضح على زوال الدولة كدولة لأنها ما اغنت عن الفرد أن يظل مرتبطاً بولاءاته السابقة على وجودها , وما دام الأمر كذلك , فالدولة في مثل هذه الحالة تكون موجودة وغير موجوده في الوقت نفسه .
وجودها محسوس بنظر البعض وبخاصه الأقوياء , وغير محسوس ولا تجسد حقيقي لها بنظر الغالبية المنحازة لولاءاتها التقليدية والبدائية .
ومن مقدمات زوال الدولة أيضاً , أن تشكل الدولة خطورة على مصالح الافراد , بمعنى أنها بدلاً من أن تكون عنصر إسعاد ورفاهية وحماية لهم , تتحول الى عنصر شقاء وإتعاس , وخوف . وهذا يتمظهر بعدة أشكال منها : أن تنافس الدولة مواطينها في أرزاقهم ومصادر أرزاقهم , فيجتمع للبعض فيها الإمارة مع التجارة . ثم يتطور الحال الى العمل على افقارهم بدل من اثرائهم . وهذا يكون بزيادة الضرائب والتحصيل المالي منهم لمواجهة المتطلبات العامة المتزايدة وكلما زادت الضرائب زادت الفجوة والهوة بين الدولة ومواطنيها , ويحل العداء المفترض محل التعاون المفقود , فإذا ما خافت القلّة القوية , وفقدت الإحساس بالاطمئنان والثقة بالمواطنين وهم الأكثرية تضطر الى طلب عون الغرباء , وهؤلاء لا يعينون بدون ثمن , فتضاعف الدولة الضرائب على المواطنين لكي تتمكن من دفع الثمن , وبخاصة إذا كان الغرباء جيوش من المرتزقة الأجانب فيتزايد بالمقابل عداء المواطنين , وبذلك تكون الدولة قد أدخلت نفسها بالدائرة الشيطانية التي لابد أن تنتهي بإزالة معالم الدولة القائمة , من الوجود بوسيلة أو بأخرى , وغالباَ ما تكون دموية حسب ما يعلمنا تاريخ الدول في تجارب الإنسانية.
فزوالها حتمي إذا ما فقدت قدرتها على الصهر والاندماج الاجتماعي بين الأفراد والجماعات , على إعتبار ان هؤلاء هم مكوناتها البشرية إذا ما تم اندماجهم الإجتماعي بنجاح , وصار لهم كينونة اجتماعية كلية جامعة تؤهلهم لأن يقولوا عن أنفسهم (نحن).
فوجود الدولة بداية وجود سياسي قانوني بوظائف وشروط محددة , وليس مجرد وجود بشري بمنطقة جغرافية كما قد يظن البعض .
وزوال الدولة له مقدمات , أبرزها , ايقاظ عوامل الفرقة والتمييز بين مواطنيها , ثم تطبيق سياسات تشعر الضعيف بأنه ضعيف , والقوي بأنه قوي.
فذاك جوهر قاتل لجوهر الدولة بقدر ما هو قاتل لوظائفها , وأركانها الأساسية وأبرزها (القانون) فما قيمة القانون إذن , إذا ما لم يشعر مواطنوا الدولة بأنهم سواسية أمامه ؟ فالأصل في القانون أن لا يتيح المجال لأن يُستغل الضعيف لضعفه , ولا يغتر القوي بقوته , فالقوي ضعيف أمامه حتى يُؤخذ منه الحق, والضعيف قوي أمامه حتى يُؤخذ له الحق ... هكذا يتساوى الأفراد , وهكذا تسود القوانين فتحترم , فيصير الانتماء الى الدولة قوة , ومن هذا الانتماء تستمد الدولة شرعيتها و مبرر وجودها , ويصير الانتماء إليها أولى ولا يساويه انتماء آخر .
ومن مقدمات الزوال : أن تستأثر فئة من الناس بالدولة دون باقي الفئات , فذلك إن حصل معناه أن باقي الفئات ستصبح محل استغلال حيث يُنظر اليهم على أنهم (اشياء) من حق من استأثر بالدولة – سلطة وامتيازات – أن يتعامل معهم وكأنهم أدوات أو وسائل يمكن تسخيرها لخدمة مصالحه فقط . أما مصالح تلك الفئات المُستغلة (بفتح الغين) فلا تعود بذات قيمة بنظر القلة القوية , ولا تحقيق لها إلا من خلال خدمة تلك الفئات لمصالح تلك القلّة ومن خلال هذه الحالة تتولد مشكلات عديدة أبرزها الرشوة , والاختلاس غير المباشر , والسرقة, والاستبداد , والتسلط , والتذلل , والتملق , والتزلف , والنفاق.
إن الدولة العربية , منذ عهد ما سمى بالاستقلال . دخلت متاهة قاسية , يمكن أن نسميها متاهة التناقض , ففي الوقت الذي عمل فيه النظام الرسمي العربي على تأسيس الدولة بمنطوق المزاعم والادعاءات , عمل في الوقت نفسه على تقويض أركان هذه الدولة من الأساس ..فقلة فقط من انتبهت إلى ضرورة تحقيق الاندماج الاجتماعي , بدليل أن غالبية الدول أبقت على مظاهر انتماءات ما قبل الدولة قائمة , وابسطها القبول بالأسماء المزورة للأفراد . فالفرد يقدم نفسه ليس على أنه فلان بن فلان , بل فلان المنتمي إلى المجموعة الفلانية وهو انتماء وهمي وقد لا يكون حقيقي فتكون الاسماء مزورة . قد يبدوا الأمر بسيطاً للوهلة الأولى , لكنه إسفين في جسم الدولة وفي شرعية وجودها , وعائق كبير أمام الإندماج الاجتماعي وارتباط الفرد بالدولة وولائه لها , بل أن الكثير من فلاسفة السياسة يرون في ذلك دليل واضح على زوال الدولة كدولة لأنها ما اغنت عن الفرد أن يظل مرتبطاً بولاءاته السابقة على وجودها , وما دام الأمر كذلك , فالدولة في مثل هذه الحالة تكون موجودة وغير موجوده في الوقت نفسه .
وجودها محسوس بنظر البعض وبخاصه الأقوياء , وغير محسوس ولا تجسد حقيقي لها بنظر الغالبية المنحازة لولاءاتها التقليدية والبدائية .
ومن مقدمات زوال الدولة أيضاً , أن تشكل الدولة خطورة على مصالح الافراد , بمعنى أنها بدلاً من أن تكون عنصر إسعاد ورفاهية وحماية لهم , تتحول الى عنصر شقاء وإتعاس , وخوف . وهذا يتمظهر بعدة أشكال منها : أن تنافس الدولة مواطينها في أرزاقهم ومصادر أرزاقهم , فيجتمع للبعض فيها الإمارة مع التجارة . ثم يتطور الحال الى العمل على افقارهم بدل من اثرائهم . وهذا يكون بزيادة الضرائب والتحصيل المالي منهم لمواجهة المتطلبات العامة المتزايدة وكلما زادت الضرائب زادت الفجوة والهوة بين الدولة ومواطنيها , ويحل العداء المفترض محل التعاون المفقود , فإذا ما خافت القلّة القوية , وفقدت الإحساس بالاطمئنان والثقة بالمواطنين وهم الأكثرية تضطر الى طلب عون الغرباء , وهؤلاء لا يعينون بدون ثمن , فتضاعف الدولة الضرائب على المواطنين لكي تتمكن من دفع الثمن , وبخاصة إذا كان الغرباء جيوش من المرتزقة الأجانب فيتزايد بالمقابل عداء المواطنين , وبذلك تكون الدولة قد أدخلت نفسها بالدائرة الشيطانية التي لابد أن تنتهي بإزالة معالم الدولة القائمة , من الوجود بوسيلة أو بأخرى , وغالباَ ما تكون دموية حسب ما يعلمنا تاريخ الدول في تجارب الإنسانية.