معركتي مع الموت من اجل الحياة
د. جهاد البرغوثي
جو 24 : في صبيحة يوم السبت الموافق 29/3/2014 اشتد بي مرض (المايسثينيا)، وجاء متعدد الاقنعة، مُلتبس الملامح، غامض الوجه يصعب الركون اليه والوثوق به. فأحدث شللا مفاجئا في التنفس وعضلات الحلق والانف. وهنا دخلت في دقائق معدودة في نفق مظلم حيث ان المرض يصيب واحداً الى اثنين في المليون، والقليل يعرف عنه دون تقصي الاسباب والاشكال التي يظهر بها الا انه بالامكان ان يتعافى منه المريض ويعود لحياته الطبيعية.
والمقالات الطبية في هذا المجال تأتي على ذكر التفاعلات النفسية والمعاناة التي تفرض انعكاساتها في سلسة متوالية من الاحداث وكأنها تضع معالم النهاية "الاعمار بيد الله".
أدخلت على الفور الى جناح العناية الحثيثة في مستشفى عمان في الوقت الذي اخذت اشعر "بالغرق" شيئا فشيئا من تراكم الافرازات في الصدر والحلق والعجز التام عن الكلام. اخذت الوجوه الزائرة والمعالجة تختفي ملامحها . وما بين الصحو والغرق رأيت ظهيرة اليوم نفسه دولة رئيس الوزراء صديق العمر والاخ الوفي واقفا امامي صامتا وانا عاجز عن الكلام بالشكر لاهتمامه الفوري.
النقطة الاساسية في بداية الامر والتي لم تلفت انتباه احد انني كنت "أغرق". واذا ما استمر الحال لبضعة ساعات يكون قد انتهى ما تبقى من "روح".
في مساء اليوم نفسه كتبت لابني كريم بوجوب استدعاء الدكتور اللواء حسام فرج والذي هو نفسه ومع توارد الخواطر كان برفقة والده في واجب "عزاء" فاعتذر من والده وتوجه على الفور الى المستشفى قبل اي اتصال هاتفي.
قررنا معا اجراء فتحة في القصبة الهوائية بشكل سريع دون اضاعة وقت او استدعاء جراح لاجراء ذلك . كان ذلك المفصل الاول نحو اخراجي من حالة "الغرق" وشفط السوائل المتراكمه في الرئة والبدء بالتنفس على الجهاز الآلي.
كما ان خبراء التنفسية وبناء على طلبي للمناوب منهم بين الحين والاخر قاموا بجهود كبيره وفعالة رغم انها كانت مؤلمة للغاية الا ان تباعها كان ايجابيا. وعند استدعائي للمناوب منهم ليلا او نهارا كان بجواري في دقائق محدوده . كان ذلك مفصلا هاما ثانيا في رحلة العذاب والمعاناة.
ومع حالة الضعف العام بدأت اشعر بالتعب الشديد واخذت حالة ما بين الصحو والغيبوبة تلازمني معظم الوقت.
وفي يوم الثلاثاء 1/4/2014 انتابني شعور اقتراب المواجهة مع "الموت" ، وتجسَّد ذلك في طلبي بالاشارة من زوجتي الفاضلة الجلوس بجانبي . فأخذت يدها لأقبلها قبل الرحيل واشكرها على كل ما فعلته من اجلي وابنتنا و ابنائنا الا انها سحبت يدها بطريقة عفوية دون ادراكها انها كانت لحظة وداع ، فلا احد يملك اية وسيلة لاعادة عقارب الساعة الى الوراء.
تعمقت بنظري الشاحب الهزيل الى عينيها النجداوية لتكون زادا لي في رحيلي ، وسادت فترة سكون شعرت انني قد اقتربت الى النهاية.
وفي شعور مفاجئ باليقظة طلبت ثانية الدكتور حسام فرج لوضع خط رئيسي للسوائل بعد ان أنتـُهكت كل شراييني وعلى الفور قام بذلك بكل اتقان وكان ذلك المفصل الثالث في رحلة العذاب والمعاناة والذي اراحني بشكل ملحوظ.
وفي حينها كتبت للدكتور حسام ان الجهاز التنفسي اخذ يعمل ضدي ويجب اخراجه . وبعد تردد وحيرة استجاب لطلبي واخذت الامور تسير ببطء نحو الاحسن. كان ذلك المفصل الرابع الشافي في رحلة العذاب والمعاناة.
وفي يوم الاحد 6/4/2014 نقلت الى الطابق الخامس تحت اشراف ممرضين اكتسبوا خبرة واسعة لمدة ثلاث ايام عُدت فيها الى المنزل منهكا متعبا ضعيفا غير قادر على الاكل او الشرب على امل السفر الى مركز طبي في المانيا لمعالجة مثل تلك الحالات الا ان ضعفي العام لم يساعدني على السفر بعد ان تمت الحجوزات لهذه الغاية. واستبدل ذلك مؤقتا بأخذ رأي بروفيسور فرنسي بشكل يومي اضافة الى متابعة الدكتور معتصم اليعقوبي مستشار امراض الاعصاب في المستشفى الاستشاري والذي اشرف على علاجي منذ البداية.
وبعد الانهيار الجسماني وخسران الطاقة والسوائل والوزن اتصلت مع الدكتور خليل زيادين لاجراء التغذية عن طريق المعده وقام بذلك الدكتور ابراهيم شوباش والدكتور زياد شرايحة وبعد مكوث يوم في المستشفى عدت للمنزل وبتغذية منزلية باشراف زوجتي وابنتي اخذت الامور تتحسن بإطراد وبتسارع فاستعدت النطق بشكل عادي والتنفس بشكل عادي والبلع في تحسن متدرج ليتبع ذلك بإذن الله زيارتي لألمانيا لمدة اسبوعين في نهاية الشهر الجاري لوضع اللمسات الاخيرة على العلاج.
وبعد مقدمة رحلة العذاب والمعاناة والدخول في فحوى المقالة التي كتبت افكارها بعد ان تكللت بحمد الله وعنايته معركتي مع الموت من اجل النجاة، فإنني اتقدم بالشكر لدولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور لزيارته واستفساره عن حالتي، ولدولة الاستاذ عبدالكريم الكباريتي و دولة المهندس علي ابو الراغب ومعالي الدكتور سامي جوده وعائلته الكريمة ومعالي المهندس شحادة ابو هديب ومعالي الاستاذ ناصر جوده ومعالي الاستاذ امجد المجالي ومعالي الدكتور محمد الحسبان وعطوفة الفريق سميح البطيخي وسعادة العين الدكتور هاشم ابو حسان وعطوفة اللواء نور الدين شحاده وسعادة النائب مفيد المبسلط وسعادة الدكتور صفوان الشياب وسعادة الكابتن سليمان عبيدات واللواء الدكتور محمد الصمادي والدكتور خليل محمد خليل والاخ فاروق العبادي والاخ اياد الجغبير مندوب محطة سكاي نيوز.
كما اتقدم بالشكر الى الطاقم الطبي الذي اشرف على علاجي – الدكتور غسان حداد والدكتور معتصم اليعقوبي والدكتور خالد الاسد والدكتور ابراهيم شوباش والدكتور زياد شرايحة .
كما اشكر الدكتور وائل فطاير والدكتور خليل زيادين والدكتور محمود بنات والدكتور عبدربه قبيلات لزياراتهم المستمرة اليومية والدكتور عمر وهبة والدكتور اسامة عبده والدكتور وائل رشدي.
كما اشكر ادارة مستشفى عمان - الفريق الدكتور يوسف القسوس والدكتور باسم سعيد المدير العام والسيد فريد مصاروه المدير الاداري وكافة موظفي وكوادر المستشفى ،وممرضي العناية الحثيثة.
كما اشكر وبشكل خاص مجموعة خبراء التنفسية السيد احمد هلالات والسيد ابراهيم الصرايره والسيد رمضان القضاة والسيد سليمان ابو رمان.
كما اشكر مجموعة اوتيكون للسماعات الطبية
كما اشكر المهندس ليث شبيلات الذي سارع من تركيا بمهاتفتي والاطمئنان علي ومتابعة ذلك بتواصل.
وبعد!!!
ليس الهدف من مقالتي هذه هو سرد تفاصيل مرضية لا تهم القارئ من قريب او بعيد ولكنها مجرد مقارنة بين مواطن يرقد في غرفة العناية الحثيثة ويتلقى العلاج بشكل فردي ، كل طبيب على حده وعلى مستوى جيد دون وضع خطة طارئة عامة لوضعه الحالي المتردي والتي جاءت بطلب مني مباشرة . لو ان المفاصل الاربعة التي ذكرتها وكانت الركائز الاساسية في انقاذي (والله اعلم) لسارت الامور بشكل ايجابي كبير ولما مررت في مراحل رحلة العذاب والمعاناة والا لكنت اليوم في عالم الغيب.
وبين شعب يريد التنفس، يريد العيش الكريم ، يريد ان يأكل ويبتهج ويتكلم . لا يريد ان يحبس انفاسه ويغرق! يريد ان يعمل، يريد ان ينتج، يريد التأكد على مستقبل ابنائه وبناته وبلده دون توغل احد او فئة لتسلبه حقوقه في القول والعمل والمشاركة إنْ كانت سياسية او اقتصادية او صحية او تعليمية او اجتماعية او مديونية.
يجد الانسان نفسه فجأة مع فجوة حياتية فاصلة في اغتراب عن نفسه وهو معلـّق ما بين الموت والحياة.
ماذا ستنفعه الثروات المكدسة والمناصب والجاه و العلـُّو. كلها لا قيمة لها . السؤال الذي يطرح نفسه ماذا انجز لربه ولعائلته ولبلده ولوطنه؟
فالوفاء في كل مواقعه يعلو على الجاه والمال.
والاخلاق في كل معانيها تسمو على حب الذات والمنصب.
والعطاء نتاج الوفاء والاخلاق.
ان ذكر "الله" هو دائما الشافي والمعين. يؤكد هيوستن سميث وهو من اهم اساتذة الاديان في الولايات المتحده على اهمية البعد الديني والحياة الانسانية سواء على مستوى الافراد او المجتمعات والحضارات. وقد لخصها جوجان في عنوان لوحته الشهيرة "من نحن" ؟ من اين اتينا؟ والى اين نحن ذاهبون؟.
ان هذا الخيط الرفيع ما بين الحياة حتى المنتهى هو في ذاته زمان يطل حاضرا بإيجابيات وسلبياته بصراع الخير والشر فيه الانانية والعطاء بالتضحية والاخذ بالمصداقية والنفاق بالوفاء والمكر فالايمان والظلامية ليبين لنا اننا مجنح الى الزمن المستعار وحضورنا كمشاهدين لانفسنا لا مشاركين مع الغير.
ان الكثير من الناس تعيش بنكهة السحر والاساطير والحيل والنمائم والحجب والتخيلات الغرائبية والواقعية الفارغة في محتواها. فلا ذكر الله الا من خلال البدع والممارسات الخاطئة مما يؤدي الى غياب الارتباط العضوي في المجتمع. فالمجتمعات التي تنطوي على قدر كبير من التعددية والالوان والاديان والثقافات والاذواق والتنافس الاخلاقي والصحافة المنتجة هي دوما كثيرة الاستقرار والتقدم.
استمتع بسماعي لأجراس الكنيسة وترانيم الصلوات فهي نحو الله، ويزداد اماني وتتعمق مفاهيمي عند قراءتي للقرآن الكريم وسماعي رفع الاذان او الاصغاء لتلاوة من المرحوم عبد الباسط عبد الصمد – كله نحو الله .
ما كان الاسلام ارهابيا بل كان متسامحا . ما انكر الاسلام الديانات الاخرى بل احترمها في نهجه وكتابه ونظمه . ما كان الاسلام شيعيا ولا سنيا ولا علويا ولا درزيا. فالاسلام دين واحد متماسك والاجتهاد مقبول.
فالدين مسيحيا كان ام مسلما فهو لتوجيه المجتمع ولرفعته ولحماية الخلق.
على منظمات العمل المدني والجمعيات الدينية ذات القوى الكبيرة في التأثير وتوجيه الراي العام وبناء المجتمع من جديد على اسس الاخلاق والعلم معا لنتعلم مما يحدث في ماليزيا وتركيا وغيرها.
فلا تسيس في الدين – والفصل بين الدين والدولة مرتكز رئيس للتقدم والنمو على ان تبقى الدولة ضمن تعاليم الدين ونظمه واخلاقه والبقاء في اطاره. هناك دور روحي للدين ودور وطني في الارشاد والتوجه على ان يكون خطباء ايام الجمعة في المساجد من حملة الشهادات وتوثيق ما يتكلمون به.
ان ضياع السمات الاجتماعية لمجتمعنا الاردني المضطرب وتدهور الاوضاع السياسية والتردي الاقتصادي لنرى اردننا بهذه الصورة الكئيبة المنطوية على مختلف الوان النزاعات الاجتماعية والجامعية والافقار والقهر و اللامساواة. لا للانهيار بل لابد ان يؤدي ذلك كله الى اعادة تشكيل قوى الديمقراطية التي ينتخبها الشعب. فالحكومة المقيدة المسؤولة امام البرلمان والتعددية الحزبية وسيادة القانون والمساواة في الحقوق والواجبات هي السلطة التنفيذية هي مركز الدولة .لا ان تتشابك الخطى وان تتعثر بين التخفي والمكاشفة.
اين المستشارون الذين يحملون بالاضافة لعمق المعرفة وسَبق الريادة الحب العميق لوطنهم والامل في خلاصه من محنته.
على صاحب القرار الملك الشاب ان يحرر نفسه من الخوف من الحاضر وتناقضاته والمضي في الاتجاه نحو المستقبل بثبات وقوة وتصميم دون الاصغاء الى صدى الماضي وبناء الاردن الحديث.
ما كان الاردن يوما ارض سواد.
فالنظام هو المظلة الواقية والجامعة لكل مكونات المجتمع الاردني . هذا ليس بفرضيات بل من الاسس الثابتة ، وشعبنا سيبقى متماسكا متحدا على ارضه المباركة ليناضل من اجل ازالة كل اشكال الكآبة والاحتقان والاحباط والمعاناة واليأس والافقار والقهر لأنسان القرن الواحد والعشرين في بلد الخير والعطاء.
لتمتد سواعدنا القوية لإخوتنا في مجموعة دول التعاون الخليجي مؤازِرة وامنا وكفاءات وخبرات وعمالة . فالأردن القوي هو السند لكل دول الجوار. الاردن القوي هو ما يعطي الزخم والدعم المحلي والدولي والعربي لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
لا لما تردده حكومة اليمين الفاشية العنصرية للتوطين وبدعة الوطن البديل.
فاذا اهتدى المنتجون بعين الضفدع بتصميم شاشات الرادار و بأرجل الجراد في تصميم اليات المركبات الفضائية على سطح الكواكب فهل باستطاعتنا ملكا وحكومة وشعبا ان نجد المستشارين الاقتصاديين والاجتماعيين والتربويين لنلتزم بالقواعد واقامة العلاقات المنظمة المتدرجة لنتجاوز الواقع ونقفز من المقدمات والفرضيات واجهزة التخويف حيث ساد لديهم الطابع الانفعالي الذاتي من التغيير المرتقب بل بالموضوعية والالتزام بالعامل المشترك والحقائق المستقرة السائدة على ارضية الامر الواقع والمطلوبة جماهيريا دون ان تـُترك لقوى الشد العكسي بانتهاك القواعد مثلما مزاجيا عوّموا قوائم الاحزاب ومزقوا المجتمع الاردني.
فبالرغم من صعوبة المخاض والازمة الراهنة بمختلف اشكالها وغياب الرؤية والعجز والمعايير المزدوجة في القول والعمل مما اضعف القانون وفتح الطريق امام الفوضى ، فإننا نحتاج الى القوة لحماية القانون . فالأمن القانوني له دور فاعل في احداث التغيير المنظم والاسراع نحو التطور والتنمية في اطار من تكافؤ الفرص والمساواة.
من ضفاف المعاناة سيشرق الامل.
لنعمل معا ونذكر الله دوما ونبني هذا الوطن من جديد.
حفظ الله الاردن نظاما وارضا وشعبا
والمقالات الطبية في هذا المجال تأتي على ذكر التفاعلات النفسية والمعاناة التي تفرض انعكاساتها في سلسة متوالية من الاحداث وكأنها تضع معالم النهاية "الاعمار بيد الله".
أدخلت على الفور الى جناح العناية الحثيثة في مستشفى عمان في الوقت الذي اخذت اشعر "بالغرق" شيئا فشيئا من تراكم الافرازات في الصدر والحلق والعجز التام عن الكلام. اخذت الوجوه الزائرة والمعالجة تختفي ملامحها . وما بين الصحو والغرق رأيت ظهيرة اليوم نفسه دولة رئيس الوزراء صديق العمر والاخ الوفي واقفا امامي صامتا وانا عاجز عن الكلام بالشكر لاهتمامه الفوري.
النقطة الاساسية في بداية الامر والتي لم تلفت انتباه احد انني كنت "أغرق". واذا ما استمر الحال لبضعة ساعات يكون قد انتهى ما تبقى من "روح".
في مساء اليوم نفسه كتبت لابني كريم بوجوب استدعاء الدكتور اللواء حسام فرج والذي هو نفسه ومع توارد الخواطر كان برفقة والده في واجب "عزاء" فاعتذر من والده وتوجه على الفور الى المستشفى قبل اي اتصال هاتفي.
قررنا معا اجراء فتحة في القصبة الهوائية بشكل سريع دون اضاعة وقت او استدعاء جراح لاجراء ذلك . كان ذلك المفصل الاول نحو اخراجي من حالة "الغرق" وشفط السوائل المتراكمه في الرئة والبدء بالتنفس على الجهاز الآلي.
كما ان خبراء التنفسية وبناء على طلبي للمناوب منهم بين الحين والاخر قاموا بجهود كبيره وفعالة رغم انها كانت مؤلمة للغاية الا ان تباعها كان ايجابيا. وعند استدعائي للمناوب منهم ليلا او نهارا كان بجواري في دقائق محدوده . كان ذلك مفصلا هاما ثانيا في رحلة العذاب والمعاناة.
ومع حالة الضعف العام بدأت اشعر بالتعب الشديد واخذت حالة ما بين الصحو والغيبوبة تلازمني معظم الوقت.
وفي يوم الثلاثاء 1/4/2014 انتابني شعور اقتراب المواجهة مع "الموت" ، وتجسَّد ذلك في طلبي بالاشارة من زوجتي الفاضلة الجلوس بجانبي . فأخذت يدها لأقبلها قبل الرحيل واشكرها على كل ما فعلته من اجلي وابنتنا و ابنائنا الا انها سحبت يدها بطريقة عفوية دون ادراكها انها كانت لحظة وداع ، فلا احد يملك اية وسيلة لاعادة عقارب الساعة الى الوراء.
تعمقت بنظري الشاحب الهزيل الى عينيها النجداوية لتكون زادا لي في رحيلي ، وسادت فترة سكون شعرت انني قد اقتربت الى النهاية.
وفي شعور مفاجئ باليقظة طلبت ثانية الدكتور حسام فرج لوضع خط رئيسي للسوائل بعد ان أنتـُهكت كل شراييني وعلى الفور قام بذلك بكل اتقان وكان ذلك المفصل الثالث في رحلة العذاب والمعاناة والذي اراحني بشكل ملحوظ.
وفي حينها كتبت للدكتور حسام ان الجهاز التنفسي اخذ يعمل ضدي ويجب اخراجه . وبعد تردد وحيرة استجاب لطلبي واخذت الامور تسير ببطء نحو الاحسن. كان ذلك المفصل الرابع الشافي في رحلة العذاب والمعاناة.
وفي يوم الاحد 6/4/2014 نقلت الى الطابق الخامس تحت اشراف ممرضين اكتسبوا خبرة واسعة لمدة ثلاث ايام عُدت فيها الى المنزل منهكا متعبا ضعيفا غير قادر على الاكل او الشرب على امل السفر الى مركز طبي في المانيا لمعالجة مثل تلك الحالات الا ان ضعفي العام لم يساعدني على السفر بعد ان تمت الحجوزات لهذه الغاية. واستبدل ذلك مؤقتا بأخذ رأي بروفيسور فرنسي بشكل يومي اضافة الى متابعة الدكتور معتصم اليعقوبي مستشار امراض الاعصاب في المستشفى الاستشاري والذي اشرف على علاجي منذ البداية.
وبعد الانهيار الجسماني وخسران الطاقة والسوائل والوزن اتصلت مع الدكتور خليل زيادين لاجراء التغذية عن طريق المعده وقام بذلك الدكتور ابراهيم شوباش والدكتور زياد شرايحة وبعد مكوث يوم في المستشفى عدت للمنزل وبتغذية منزلية باشراف زوجتي وابنتي اخذت الامور تتحسن بإطراد وبتسارع فاستعدت النطق بشكل عادي والتنفس بشكل عادي والبلع في تحسن متدرج ليتبع ذلك بإذن الله زيارتي لألمانيا لمدة اسبوعين في نهاية الشهر الجاري لوضع اللمسات الاخيرة على العلاج.
وبعد مقدمة رحلة العذاب والمعاناة والدخول في فحوى المقالة التي كتبت افكارها بعد ان تكللت بحمد الله وعنايته معركتي مع الموت من اجل النجاة، فإنني اتقدم بالشكر لدولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور لزيارته واستفساره عن حالتي، ولدولة الاستاذ عبدالكريم الكباريتي و دولة المهندس علي ابو الراغب ومعالي الدكتور سامي جوده وعائلته الكريمة ومعالي المهندس شحادة ابو هديب ومعالي الاستاذ ناصر جوده ومعالي الاستاذ امجد المجالي ومعالي الدكتور محمد الحسبان وعطوفة الفريق سميح البطيخي وسعادة العين الدكتور هاشم ابو حسان وعطوفة اللواء نور الدين شحاده وسعادة النائب مفيد المبسلط وسعادة الدكتور صفوان الشياب وسعادة الكابتن سليمان عبيدات واللواء الدكتور محمد الصمادي والدكتور خليل محمد خليل والاخ فاروق العبادي والاخ اياد الجغبير مندوب محطة سكاي نيوز.
كما اتقدم بالشكر الى الطاقم الطبي الذي اشرف على علاجي – الدكتور غسان حداد والدكتور معتصم اليعقوبي والدكتور خالد الاسد والدكتور ابراهيم شوباش والدكتور زياد شرايحة .
كما اشكر الدكتور وائل فطاير والدكتور خليل زيادين والدكتور محمود بنات والدكتور عبدربه قبيلات لزياراتهم المستمرة اليومية والدكتور عمر وهبة والدكتور اسامة عبده والدكتور وائل رشدي.
كما اشكر ادارة مستشفى عمان - الفريق الدكتور يوسف القسوس والدكتور باسم سعيد المدير العام والسيد فريد مصاروه المدير الاداري وكافة موظفي وكوادر المستشفى ،وممرضي العناية الحثيثة.
كما اشكر وبشكل خاص مجموعة خبراء التنفسية السيد احمد هلالات والسيد ابراهيم الصرايره والسيد رمضان القضاة والسيد سليمان ابو رمان.
كما اشكر مجموعة اوتيكون للسماعات الطبية
كما اشكر المهندس ليث شبيلات الذي سارع من تركيا بمهاتفتي والاطمئنان علي ومتابعة ذلك بتواصل.
وبعد!!!
ليس الهدف من مقالتي هذه هو سرد تفاصيل مرضية لا تهم القارئ من قريب او بعيد ولكنها مجرد مقارنة بين مواطن يرقد في غرفة العناية الحثيثة ويتلقى العلاج بشكل فردي ، كل طبيب على حده وعلى مستوى جيد دون وضع خطة طارئة عامة لوضعه الحالي المتردي والتي جاءت بطلب مني مباشرة . لو ان المفاصل الاربعة التي ذكرتها وكانت الركائز الاساسية في انقاذي (والله اعلم) لسارت الامور بشكل ايجابي كبير ولما مررت في مراحل رحلة العذاب والمعاناة والا لكنت اليوم في عالم الغيب.
وبين شعب يريد التنفس، يريد العيش الكريم ، يريد ان يأكل ويبتهج ويتكلم . لا يريد ان يحبس انفاسه ويغرق! يريد ان يعمل، يريد ان ينتج، يريد التأكد على مستقبل ابنائه وبناته وبلده دون توغل احد او فئة لتسلبه حقوقه في القول والعمل والمشاركة إنْ كانت سياسية او اقتصادية او صحية او تعليمية او اجتماعية او مديونية.
يجد الانسان نفسه فجأة مع فجوة حياتية فاصلة في اغتراب عن نفسه وهو معلـّق ما بين الموت والحياة.
ماذا ستنفعه الثروات المكدسة والمناصب والجاه و العلـُّو. كلها لا قيمة لها . السؤال الذي يطرح نفسه ماذا انجز لربه ولعائلته ولبلده ولوطنه؟
فالوفاء في كل مواقعه يعلو على الجاه والمال.
والاخلاق في كل معانيها تسمو على حب الذات والمنصب.
والعطاء نتاج الوفاء والاخلاق.
ان ذكر "الله" هو دائما الشافي والمعين. يؤكد هيوستن سميث وهو من اهم اساتذة الاديان في الولايات المتحده على اهمية البعد الديني والحياة الانسانية سواء على مستوى الافراد او المجتمعات والحضارات. وقد لخصها جوجان في عنوان لوحته الشهيرة "من نحن" ؟ من اين اتينا؟ والى اين نحن ذاهبون؟.
ان هذا الخيط الرفيع ما بين الحياة حتى المنتهى هو في ذاته زمان يطل حاضرا بإيجابيات وسلبياته بصراع الخير والشر فيه الانانية والعطاء بالتضحية والاخذ بالمصداقية والنفاق بالوفاء والمكر فالايمان والظلامية ليبين لنا اننا مجنح الى الزمن المستعار وحضورنا كمشاهدين لانفسنا لا مشاركين مع الغير.
ان الكثير من الناس تعيش بنكهة السحر والاساطير والحيل والنمائم والحجب والتخيلات الغرائبية والواقعية الفارغة في محتواها. فلا ذكر الله الا من خلال البدع والممارسات الخاطئة مما يؤدي الى غياب الارتباط العضوي في المجتمع. فالمجتمعات التي تنطوي على قدر كبير من التعددية والالوان والاديان والثقافات والاذواق والتنافس الاخلاقي والصحافة المنتجة هي دوما كثيرة الاستقرار والتقدم.
استمتع بسماعي لأجراس الكنيسة وترانيم الصلوات فهي نحو الله، ويزداد اماني وتتعمق مفاهيمي عند قراءتي للقرآن الكريم وسماعي رفع الاذان او الاصغاء لتلاوة من المرحوم عبد الباسط عبد الصمد – كله نحو الله .
ما كان الاسلام ارهابيا بل كان متسامحا . ما انكر الاسلام الديانات الاخرى بل احترمها في نهجه وكتابه ونظمه . ما كان الاسلام شيعيا ولا سنيا ولا علويا ولا درزيا. فالاسلام دين واحد متماسك والاجتهاد مقبول.
فالدين مسيحيا كان ام مسلما فهو لتوجيه المجتمع ولرفعته ولحماية الخلق.
على منظمات العمل المدني والجمعيات الدينية ذات القوى الكبيرة في التأثير وتوجيه الراي العام وبناء المجتمع من جديد على اسس الاخلاق والعلم معا لنتعلم مما يحدث في ماليزيا وتركيا وغيرها.
فلا تسيس في الدين – والفصل بين الدين والدولة مرتكز رئيس للتقدم والنمو على ان تبقى الدولة ضمن تعاليم الدين ونظمه واخلاقه والبقاء في اطاره. هناك دور روحي للدين ودور وطني في الارشاد والتوجه على ان يكون خطباء ايام الجمعة في المساجد من حملة الشهادات وتوثيق ما يتكلمون به.
ان ضياع السمات الاجتماعية لمجتمعنا الاردني المضطرب وتدهور الاوضاع السياسية والتردي الاقتصادي لنرى اردننا بهذه الصورة الكئيبة المنطوية على مختلف الوان النزاعات الاجتماعية والجامعية والافقار والقهر و اللامساواة. لا للانهيار بل لابد ان يؤدي ذلك كله الى اعادة تشكيل قوى الديمقراطية التي ينتخبها الشعب. فالحكومة المقيدة المسؤولة امام البرلمان والتعددية الحزبية وسيادة القانون والمساواة في الحقوق والواجبات هي السلطة التنفيذية هي مركز الدولة .لا ان تتشابك الخطى وان تتعثر بين التخفي والمكاشفة.
اين المستشارون الذين يحملون بالاضافة لعمق المعرفة وسَبق الريادة الحب العميق لوطنهم والامل في خلاصه من محنته.
على صاحب القرار الملك الشاب ان يحرر نفسه من الخوف من الحاضر وتناقضاته والمضي في الاتجاه نحو المستقبل بثبات وقوة وتصميم دون الاصغاء الى صدى الماضي وبناء الاردن الحديث.
ما كان الاردن يوما ارض سواد.
فالنظام هو المظلة الواقية والجامعة لكل مكونات المجتمع الاردني . هذا ليس بفرضيات بل من الاسس الثابتة ، وشعبنا سيبقى متماسكا متحدا على ارضه المباركة ليناضل من اجل ازالة كل اشكال الكآبة والاحتقان والاحباط والمعاناة واليأس والافقار والقهر لأنسان القرن الواحد والعشرين في بلد الخير والعطاء.
لتمتد سواعدنا القوية لإخوتنا في مجموعة دول التعاون الخليجي مؤازِرة وامنا وكفاءات وخبرات وعمالة . فالأردن القوي هو السند لكل دول الجوار. الاردن القوي هو ما يعطي الزخم والدعم المحلي والدولي والعربي لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
لا لما تردده حكومة اليمين الفاشية العنصرية للتوطين وبدعة الوطن البديل.
فاذا اهتدى المنتجون بعين الضفدع بتصميم شاشات الرادار و بأرجل الجراد في تصميم اليات المركبات الفضائية على سطح الكواكب فهل باستطاعتنا ملكا وحكومة وشعبا ان نجد المستشارين الاقتصاديين والاجتماعيين والتربويين لنلتزم بالقواعد واقامة العلاقات المنظمة المتدرجة لنتجاوز الواقع ونقفز من المقدمات والفرضيات واجهزة التخويف حيث ساد لديهم الطابع الانفعالي الذاتي من التغيير المرتقب بل بالموضوعية والالتزام بالعامل المشترك والحقائق المستقرة السائدة على ارضية الامر الواقع والمطلوبة جماهيريا دون ان تـُترك لقوى الشد العكسي بانتهاك القواعد مثلما مزاجيا عوّموا قوائم الاحزاب ومزقوا المجتمع الاردني.
فبالرغم من صعوبة المخاض والازمة الراهنة بمختلف اشكالها وغياب الرؤية والعجز والمعايير المزدوجة في القول والعمل مما اضعف القانون وفتح الطريق امام الفوضى ، فإننا نحتاج الى القوة لحماية القانون . فالأمن القانوني له دور فاعل في احداث التغيير المنظم والاسراع نحو التطور والتنمية في اطار من تكافؤ الفرص والمساواة.
من ضفاف المعاناة سيشرق الامل.
لنعمل معا ونذكر الله دوما ونبني هذا الوطن من جديد.
حفظ الله الاردن نظاما وارضا وشعبا