الاعجب من العجب
صاحب الدولة سيادة الدكتور فايز أحمد باشا الطراونة المحترم نعلم وتعلم ، أنه لا يوجد في نص القسم الذي أقسمته أمام جلالة الملك أنت وزملاؤك ، ما يلزمك بخدمة الوطن وحمايته ولا بخدمة الشعب أو الإخلاص له . لكن دعنا نحسن النية ونقول أن ذلك مشمول ضمنيا ً في باقي بنود القسم . لكن دولتكم ربما فضلتم التقيد بحرفية النص ، وليذهب من أقسم على خدمة الوطن والمحافظة عليه إلى حيث يلزمه قسمه .
فالواضح حتى الآن ، أن دولة الرئيس قد جاء إلى رئاسة الحكومة وبيمينه حربة أو سكين مدبب . ولم يضيع وقتا ً إذا باشر على الفور ينخس الأسد الجائع برأسها المدبب . فالشعوب أية شعوب يا دولة الرئيس بما فيها شعبنا الأردني البائس المنكوب هي تماما ً (كالأسد)وحاكم الشعب كراكب الأسد . فهو بأمان ما دام الأسد شبعان ، وحاجاته مقضية ، فإذا ما جاع الأسد ما عاد لراكبه أمن ولا أمان . صحيح أن الأسود قد تصبر على الجوع أحيانا ًوبخاصة عندما تتأخر اللبؤات عن الصيد ، ولكنها في كل الحالات لا تضيع ولا ثانية حتى تهجم إذا ما نخسها أحدهم ولو بغصن زيتون. فكيف إذا كانت الأداة حربة أو سكين مدبب والأسد جائع وصابر منذ زمن ، والراكب على ظهره هو من نخسه ؟ لا شك أنه سيتحول من راكب إلى وجبة لحم شهية يبدأ بها الأسد في طريقه إلى البحث عن الطعام وأسباب الحياة الأخرى .
دولة الرئيس نختلف معك كليا ً في المدخل الذي دخلت به إلى المسؤولية للمرة الثانية ومن هذا الباب الخطر نفسه. لقد بدأت بكل ما من شأنه إثارة الناس، وكأنك الشجاع ومن كانوا قبلك جبناء . فما اعتقدت أنه متاح لك كان متاحا ً لغيرك لكنهم حاولوا أن يسوسوا الأمر بحكمة. فجلالة الملك آخر ما يرضيه أن يتسبب المسؤول – أي مسؤول مثلك - في إثارة الناس حتى وإن لم يكن هناك سبيل غير ذلك ... وإثارة الناس وتوهم الشجاعة عواقبها غالبا ً لا تكون محمودة على المسؤول نفسه بالدرجة الأولى. فرأس الدولة قد يتعرض لضغوط يضيق أمامه إزاءها هامش المناورة ، لكن هذا الهامش أوسع أمام رئيس الوزراء ، فتعقد عليه الآمال ... آمال رأس الدولة (ربما) وآمال الشعب لتكون أولى مهامه ترتيب الأولويات في ضوء عملية من الموازنات ما بين ضغوط الخارج والداخل ، وتلمس أفضل السبل للخروج من هذه العملية بأقل الخسائر .... على أن تكون إثارة الشعب واستفزازه آخر ما يخطر على بال المسؤول لأنه السبيل الذي يعصف أولاً بمصلحة رئيس الدولة وثانيا ً بمصلحة الشعب. وبئس ذلك من سبيل وللتوضيح نقول :أن العمل باتجاه العودة إلى نظام الانتخابات المرفوض شعبيا ًهو استفزاز ... وأن مد اليد إلى جيوب المواطنين لسداد ديون وتغطية عجز تسببت فيه إدارات فاشلة هو استفزاز . وان سياسة الدولة بمنهجية كيدية لتسييد فلان أو الجهة الفلانية ، وتهميش فلان أو القوة الفلانية ، استفزاز . وإن التعامل مع مجلس النواب الحالي وكأنه مجلس ينوب عن الشعب رغم كل ما قيل عنه – حتى وإن كان خطأ - هو استفزاز .
وإن العبث بمفاصل حياة الناس وأرزاقها ، برفع الدعم عن عناصر أساسية في بنية الحياة الاقتصادية مما يزيد على الناس أسعار كل شيء ، هو استفزاز . وإن ترك الأسواق (سداح مداح) الذي لا يعني إلا فتح المجال للقوي ليأكل الضعيف ، هو استفزاز .
وإن إتباع أسلوب الدعاية والنشر للتبشير بخير قادم من هنا أو هناك قبل أن تطل ولو أدنى بارقة أمل هو استفزاز ، فالدول الشقيقة صارت تعاني من الملل والسأم لكثرة ما قدمت للأردن دون نتيجة ، سوى تزايد المديونية وتعاظم الفقر والبطالة وكأنها تشك بمصير ما تقدم ... وبعض الوعود مشروطة وبخاصة المتعلق منها بمد أنابيب الغاز والبترول من العراق إلى العقبة فأطفال الحارات يعلمون أن هذا غير ممكن ، لأن الأمر مربوط بما يجري في سوريا وبأدوار لا بد أن تؤديها الأردن وهي ليست مستعدة لذلك .... إذن لا غاز ولا أنابيب ولا بترول قد يراه الناس ... الأفضل إذن عدم التسرع فالناس صاروا يسمون هذا (كذبا ً ) فلا ضرورة لذلك .
دولة الرئيس : لكثرة التبشير بآمال قادمة مع أنها خيالية ، الناس (خرّموا) آذانهم ... لكنهم لا حلق رأوا ولا خواتم لَبـِـسوا ...إذن وحتى ترسون بالسفينة على بر الأمان .. لا ضرورة للوعود الفارغة ولا بد من البحث بل وتوليد مصادر غير جيوب الفقراء لسد العجز في الميزانية وفوائد الديون ، وتقليل المديونية. هذه مهمة الحكومة الرئيسية وإلا فلا ضرورة لكل هذه الطواقم والوزارات ، ولنكتفي بعدد كبير من الجباة ننشرهم في مدننا وقرانا، يقيمون الحواجز في منتصف الطرق ، ليقبل المواطن رافعا ً يديه قبل كل حاجز فلا يتجاوزه إلا (وبطانات جيوبه ) متدلية كأذان الماعز من شدّة البياض .
دولة الرئيس ما يمارسه الثنائي (الحكومة ومجلس النواب ) اليوم صار يسبب غثاء للناس ، فللمرة الأولى التي يشهد فيها الناس مثل هذا التحالف القوي على الشعب، بين مؤسستين من المفروض أنهما موجودتان لخدمته .
وأخيرا ً هل لديكم علم بما يقوله بعض الناس ؟؟!! يقولون أن دولة الرئيس يتصرف بهذا لشكل الاستفزازي لأنه منحاز بطبعه للشعب . ويريد أن يستفزه كي يدفعه إل الحراك بشكل أنشط ، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على خروج قادة ثورات من رحم طبقة السلطة نفسها ... فهل هذا معقول ؟؟؟!! كل شيء جائز لكنني من جهتي أستبعد ذلك .... فما رأيكم أنتم دام فضلكم ؟؟؟؟ إن صح ما يقال ، فذاك هو الأعجب من العجب .