2025-01-13 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

قراءة في إشكالية الديموقراطية

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 :

تعتبر المشاركة السياسية إحدى الدعامات المهمة لإحداث الإستقرار ، حيث تعد العامل الأساسي والمحوري الذي تسعى إليه كافة الشعوب ، فهو يمنع القلاقل والإضطرابات ، ويعبّر عن حالة من التوافق الداخلي على قواعد اللعبة السياسية ، عبر العملية الديمواقراطية ، وخاصة في المجتمعات متعددة الإثنيات ، حيث يدخل مفهوم الهوية والدفاع عنها شكلا من اشكال الاستقطاب السياسي والمجتمعي ، وتأخذ الهوية الدينية أحيانا فيه شكلا من اشكال الاستقطاب الطائفي ، لكن الأحزاب والجماعات الدينية ترفض الطروحات التي تصفهم بالطائفية ، ويصرون أنهم يمثلون التطلعات الشاملة للأمة في المساواة والعدالة وتعاليم الدين السمحة ، ومع أن هذه الطروحات قد تكون اصيلة في الثقافات الدينية ، فإن التعبير عنها يثير المخاوف عند المجموعات الأخرى سواء كانت دينية او قومية او يسارية ... كما ان الصراعات مع الجماعات الدينية تأخد طابعا طائفيا في كثير من الحالات . ان الدفاع العنيف عن مفهوم الهوية أدى الى كثير من المعاناة والتضحيات ، خاصة في الحروب الأهلية ، كبعض أشكال هذه الحروب في لبنان والعراق والجزائر وسوريا والسودان والصومال واليمن والبحرين ، بالإضافة الى العنف الزائد في كل من مصر وتونس وليبيا ، وقد أثبتت الصراعات الطائفية ان الهويات الفرعية ليست دائما طيعة بأيدي النخب الى ما لا نهاية ، وانها قابلة للانفلات ، والخروج حتى عن تقاليدها في التعبير القاسي والعنيف مع الخصوم ، حيث ان هذه الهويات تختلف في قوتها وغنى تقاليدها ومؤسساتها وموروثها التاريخي .

اذا كانت رحلة البحث عن الديموقراطية او ممارستها بالفعل قد تؤدي الى مظاهر عنيفة ودموية ...فهل العودة الى سياسة القوة والإكراه هي الحل ..وهل أشكال الصراع الطائفي هي بالأصل صراع من أجل الاستيلاء على الدولة ومقدراتها ... وهل القبول بالانتخابات الديموقراطية هو أيضا وسيلة من اجل الإستيلاء على الدولة ...وهل الانتخابات الديموقراطية تكرس الإنقسام الطائفي ، وتعزز إمكانية قيام أحزاب طائفية وقومية وإقليمية . ان عملية التحول نحو الديموقراطية تحمل معها تحديات وفرص عديدة لكل الاطراف المشاركة فيها ، لكنها تتطلب أولا إقامة سلام مع الخصم المشارك في هذه العملية، ولا يمكن تحقيق هذا التحول اذا اصرت احدى المجموعات على ان هدف المؤسسات والاجراءات الديموقراطية هو إقصاء المجموعات الأخرى من المعترك السياسي ، فكيف يمكن لهوية معينة ان تحظى بامتيازات على حساب الهويات الأخرى ، في الوقت الذي تنازلت فيه الكثير من الهويات القبلية والاقليمية والطائفية عن امتيازاتها لصالح هوية وطنية جامعة .

لا شك ان شخصيات استثنائية قادرون على صياغة ترتيبات ناجحة نسبيا لتقاسم السلطة بين الخصوم ، لكن في البلاد العربية لم يترك المزيج السكاني ، والتنوع الإثني القابل للانفجار ، والازمات الاقتصادية العميقة ، مجالا كبيرا للتفاوض حول البدائل الديموقراتطية للصراعات الطائفية أوالحكم الشمولي ، وان عملية الولوج الى مجتمع مدني يؤسس الى الدولة الحديثة الجامعة ، بحاجة الى رافعة سياسية عقلانية ، ذات برنامج عمل ، واليات تنفيذ واضحة ، تحقق الحد الادنى من التوافقات بين الهويات الفرعية المتعددة ، القائمة على مفاهيم المشاركة والتعايش وقبول الاخر . ان الوصول الى قواسم مشتركة عبر حوار كافة المكونات المشاركة في العملية الديموقراطية هو السبيل الوحيد لتفادي سنوات من الحروب والدمار والدماء ، والتي ساهمت في ايجاد العديد من الدول الفاشلة والمجتمعات الممزقة ، فهل تغليب وحدة المصالح المستركة والاهداف المشتركة بين كافة المكونات الاجتماعية تطغى على اّثار التجييش المذهبي والعرقي والفئوي ، وهل اسئلة البقاء والتعايش والمشاركة ، أصبحت مشروعة في عالم أصبح حوار الدم هو اللغة السائدة ، من اجل الاستحواذ على مقدرات الدولة ككل ، وهل أصبح تجار الحروب وسماسرة الفتنة ، هم أسياد المرحلة ، وهل ستبقى الشعوب العربية بانتظار غودو .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير