المناطق المهمشة ( 3 3 )
توالي الأزمات الاقتصادية في الدول المهمشة ( النامية ) ، أدى الى تقليص قدرة الدولة على تلبية الحاجات الاجتماعية في المناطق المهمشة والفقيرة ، كما ان تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي ، أدى الى إغفال التبعات الاجتماعية الناجمة عن تنفيذها ، فيما لعبت الشبكات والعلاقات العائلية والاجتماعية التقليدية ، دورا أساسيا في امتصاص نتائج وأضرار الكوارث ، في المناطق المهمشة والفقيرة ، لكن استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، قد لا يمكن هذه الشبكات والعلاقات ، من الاستمرار في تأدية دورها بالشكل المقبول ، كما ان الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي سادت في العقود الاخيرة ، فرضت تغييرات على الأدوار التقليدية للأسرة ، وقلصت من قدراتها على توفير أوجه الحماية الاجتماعية لأفرادها ، مما دفعها للتعامل مع الازمة عبر تقليص اوجه الاستهلاك ، واستنفاذ الموجودات ، او الهجرة والانتقال الى أمكنة اخرى ، كما أدى الى زيادة ظاهرة عمالة الأطفال ، وتسربهم من المدارس ، او البحث عن بدائل اقتصادية ، خارج منظومة الأنظمة والقوانين السائدة ، كالاتجار بالممنوعات على أنواعها ، او التهريب ، او أحيانا سلوكيات منافية للقانون والأخلاق .
يسود في المجتمعات المهمشة ، جو من التجانس الممل والكئيب ، حيث أناس اعتادوا على ملك القليل ، واعتادوا على الفعل والجهد القليل ، وأيضا التوقع القليل ، ونادرا ما يغادرون مناطقهم ، ويلتقوا مع الاّخرين ، او ينفتحوا على مناطق اخرى ، وغالبا ما يتعاملون بعدم ثقة ، مع كل المبادرات والعروض التي تقدم لهم ، بحيث تبدو الصورة وكأنهم مشلولون تماما ، بسبب مشاعر اليأس والإحباط والغضب والكراهية .
الناس في المناطق المهمشة والفقيرة ، وفي كل المناطق على حد سواء ، بحاجة الى مشروع نهوض وطني يلهمهم ، لا تنال منه السيولة السياسية في المركز ( العاصمة ) ، مشروع جاد ، تشارك فيه كل الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومؤسسات القطاعين العام والخاص ، ومؤسسات المجتمع المدني ، وخاصة النقابات المهنية ، والجمعيات التعاونية والأهلية والخيرية ، والأجهزة الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة ، يؤسس الى خطوات إعادة بناء الثقة والأمل ، لانطلاقة تنموية في كل المناطق المهمشة والفقيرة ، يشارك بها الناس ، كل الناس ، في المدينة والريف والبادية والمخيم .
الحديث عن الأمل عادة ، يفتح الطريق الى سيل من الإنشاء والاستعراض والإحباط السياسي ، الحافل بصور العروض والبلاغة ، كما يواجه سدودا من المعيقات والتحديات ، أهمها تحدي إعادة بناء الثقة مع الناس ، الذين هم أداة العمل والتغيير والتقدم ، والسير نحو هذا الأمل المرجو ، فلم يعد السير قدما بمشروع النهوض الوطني التنموي ممكنا ، بالوسائل والأساليب القديمة ، والأداء القديم ، فالناس تريد الأمن لا تغوله ، وتريد الدولة ، لكن العادلة ، والسنوات الماضية من عمر الحراك العربي ، غيرت الكثير من البديهيات القديمة ، والمعطيات القديمة ، والأساليب القديمة ، وتغيَر الناس أنفسهم ، وتغير تفكيرهم ، ونضجهم ، وتعاطيهم مع بعضهم ، ومع الدولة ، وهم الذين يمنحون الشرعية لهذه الدولة بمؤسساتها وأجهزتها ، رغم كل الإهتزازات والإختلالات في دول الإقليم ، كما يواجه الأمل المنشود ، الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، وتحدي جماعات التطرف والارهاب ، التي تخلق مناخات طاردة لروح العمل والتفاؤل ، والتي تحاول منع أي تقدم الى الأمام والعبث ببيئتها الخاصة ، وتحدي ظاهرة العنف بكل اشكاله ، وأيضا تحدي جماعات المصالح المستفيدة من الواقع الراهن ، والتي تحاول التشويش والإعاقة ، خوفا من ان يؤدي السير نحو هذا الأمل ، بخروجها من المعادلات السياسية ، وفقدانها لامتيازاتها السياسية والاقتصادية ، وبالتالي حضورها الاجتماعي .