2024-11-26 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

سوريا وحلف العائلات الكبرى

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : مع تعاقب الحقبات التاريخية ، نسجت مراكز المدن السورية ، علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية مع الريف المحيط بها ، على قاعدة التبعية والهيمنة ، فقد احتكرت الخدمات الادارية والتجارية والقضائية ، كما العلاجية والتعليمية ، وهو ما جعل البدو المنتشرين في البوادي القريبة ، يعتمدون على المدينة لنفس الاسباب ، وأصبح من يسيطر على المدينة ، قادرا على السيطرة على ريفها وباديتها ، وخلال مرحلة الحكم العثماني ، ومرحلة الانتداب الفرنسي ، هيمن أعيان المدن على كافة المفاصل الاقتصادية والاجتماعية ، حيث حال هؤلاء دون تطور الدولة السورية بعد الاستقلال ، الى دولة ديموقراطية حديثة ، كما ان عدم تطور الدولة في السنوات التي تلت الاستقلال ، لم يكن خيارا خالصا للحكام الذين تعاقبوا على قيادة البلاد ، بل ان هناك أسبابا تاريخية اقتصادية واجتماعية ودينية كانت تعيق ذلك ، وبالرغم من سعي الأعيان الى الاستقلال وتوحيد البلاد ، الا انهم قادوا سوريا باقلية عائلية شبه ليبرالية ، تجسدت بعدد محدود من العائلات المتحالفة ، وهو تحالف خليط بين ملاك الاراضي ورجال الدين والتجار والأغوات ، فيما سمي بحلف العائلات الكبرى ، امثال ( ال القوتلي والعسلي والحفار والواليبي والعابد والعظمة ) في دمشق ، و ( ال الجابري والقدسي والكيخيا ) في حلب ، و ( ال الاتاسي ) في حمص ، و ( ال الحوراني والكيلاني والبرازي والعظم ) في حماه ، و ( ال السيد والشعلان وشلاش ) في دير الزور .

استعصت مفاهيم العلمانية والحداثة ، على المدن السورية التقليدية ، بسبب وجود هذه الشبكة المتينة من المصالح التي ربطت بين أعيان المدن ، الذين فرضوا سيطرتهم وسطوتهم على الفلاحين وارباب الحرف ، خلال فترة الحكم العثماني ، وبداية مرحلة ما بعد الاستقلال ، وقد تصدت هذه الشبكة ، وقاومت الاحزاب العلمانية الناشئة كالحزب الشيوعي والحزب القومي الاجتماعي وحزب البعث ، وكانوا قد تصدوا ايضا واجهضوا تجربة حزب الشعب بقيادة عبد الرحمن الشهبندر، وحتى فكرة القومية العربية التي انتعشت في حلقات طاهر الجزائري ورفيق العظم ، لم تلق تاييدا منهم ، ربما بسبب الاصول غير العربية للعديد من العائلات التي أتت من سمرقند وبخارى ، ومن أصول تركمانية وكردية وألبانية ، فسادت ثقافة الفقهاء والمحدثين ، التي احتضنت أفكار الغزالي وابن تيمية ، ومهدت لأفكار حسن البنا ، في حين رفضت ثقافة ابن سينا وابن رشد وابن خلدون .

وكما رفض الحلف تجربة الشهبندر ، رفض أيضا تجربة ميشيل عفلق ، وتصدى لحركة القوميين العرب بقيادة جورج حبش ، لكن وجود القومي العربي هاني الهندي وصلاح البيطار البعثي ، أتاحا للتجربتين فرصة العثور على الأنصار في مراكز المدن ، ساهموا على الأقل في حمل البعثي رياض المالكي الى البرلمان على حساب مصطفى السباعي مرشح الاخوان المسلمين ، والذي تلقى دعما هائلا من الحلف ، كما ساهم الصراع بين الشيوعيين والاخوان ، الى دفع عدد كبير من أبناء المدن الى الانضمام لحزب البعث باعتباره حزبا حداثويا علمانيا في مواجهة الاخوان المسلمين ، وليس للحزب الشيوعي الذي يتبنى ثقافة لا تتماشى مع بيئتهم الثقافية وموروثهم الديني .

تداعيات نكبة عام 1948 م ، حطمت حلف العائلات الكبرى ، وهزت شرعيته، فاجتاحت البلاد سلسلة من الانقلابات العسكرية ، عكست بشكل واضح الصراعات والتدخلات الخارجية ، للهيمنة على سوريا ، وكان الانقلاب الذي قاده حسني الزعيم ، يمثل بداية كسر احتكار حلف العائلات الكبرى للسلطة في سوريا ، كما يمثل ملامح التدخل الخارجي متمثلا في مملكتي مصر والسعودية ، تلاه انقلاب سامي الحناوي المدعوم من الاردن والعراق ومن خلفهما بريطانيا ، كما ساهم انحسار نفوذ الحلف عن مؤسسة الجيش ، في انضمام اعدادا كبيرة من ابناء الريف السوري ، الى المؤسسة العسكرية ، وهذا ما سيفسر لاحقا التحولات الكبرى في طبيعة السلطة السياسية الحاكمة في البلاد .

تميزت الفترة التي هيمن فيها حلف العائلات الكبرى ، على مقدرات الدولة السورية ، ابان الانتداب الفرنسي ، بالولاء المطلق لسلطات الانتداب ، والتصدي لكل الأفكار والتوجهات المطالبة بوحدة سوريا الكبرى ، او الوحدة السورية مع العراق ، او حتى للأفكار القومية الناشئة ، كما وقف الحلف ضد الثورة العربية الكبرى وضد الثورة السورية ، ولم يعمل خلال سيطرته على البلاد ، حتى للتأسيس لدولة مدنية حديثة ، حيث حافظ على ديمومة هيمنته وسيطرته على السلطة السياسية ، وعلى الطابع الارستقراطي في البلاد .
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير