"الصفقة الشاملة".. !!
تبحث إيران عن "صفقة شاملة" مع الإدارة الأميركية بشأن المنطقة، وطهران واعية تماما لمصالحها، وتدرك بعمق أن ملفها النووي هو المدخل لإنجاز صفقة ذات صلة بنفوذ يمكن تقاسمه مع إسرائيل توكل واشنطن بإدارته.
ذلك ليس استنتاجا عبثيا، بل منطقي تتيحه البيئة الموضوعية لظروف المنطقة، وهو ما يزعج السعودية ويقلقها؛ لإداركها أن التفاهم (الأميركي - الإيراني) سيأتي على نفوذها ودورها وهي المأزومة بواقعها الداخلي إن كان على صعيد الحكم أو الحراك الإصلاحي الشيعي الليبرالي المكتوم إعلاميا والمتنامي على الأرض.
تعي طهران أن أميركا لا يمكنها بأي حال تسوية قضايا المنطقة من غيرها، بالخصوص إذا ما كانت واشنطن متجهة إلى توسيع اهتمامها بآسيا والمحيط الهادي على حساب الشرق الأوسط.
ضرورة التفاهم الإيراني- الأميركي مسألة حتمية ولها أسبابها الموضوعية، فطهران تضع أصابعها عبر شيعتها في السعودية والبحرين واليمن ولبنان والأهم في العراق وسوريا، كما أن أميركا تعي جيدا دور إيران في افغانستان ومدى تأثيرها في كابول.
أيّ ألا سبيل لتسوية هذه الملفات من غير أن تكون إيران الطرف المقابل لأميركا، وهي على صعيد المنطقة أهم من روسيا بالنسبة لأميركا، فموسكو منخرطة في سوريا بشكل أساسي وتلاعب واشنطن في مصر بشكل ثانوي، لكن إيران تلاعب أميركا في كل ملفات المنطقة وبشكل أساسي.
التجلي الحقيقي للتفاهم الأميركي- الإيراني لم يبرز فقط بوضع الملف النووي على طاولة التفاوض (مجموعة 5+1) بل أن المفصل الأساسي المستجد سيكون العراق، والرسائل المتبادلة بين البلدين لإمكانية التفاهم حياله.
وعندما يطلب السيناتور الجمهوري المعادي لإيران (ليندسي جراهام) الحليف القوي للسيناتور الجمهوري الآخر (جون ماكين) من الرئيس (باراك أوباما) أن يفتح قناة اتصال مع إيران للعمل في العراق، فهذا يعد تطورا غاية في الأهمية، وتأكيدا على أن طهران لا يمكن أن تكون خارج دائرة التفاهمات.
صحيح أن (ليندسي) يريد تفاهما أميركيا- إيرانيا، لمنع الأخيرة من الاستحواذ التام على العراق، وبما يمنع تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" من فرض خلافة الأمر الواقع، لكن ما يريده (ليندسي) لا يمكن اختزاله بالجغرافيا السياسية العراقية، فإيران لديها طموحها القوي بالمنطقة.
وما البرنامج النووي الإيراني، في حقيقته، إلاّ القوة التي تريد منها طهران إنتاج دورها ونفوذها في المنطقة، مع وعيها التام ألا إمكانية لتوسيع نفوذها إلاّ بتفاهم تفصيلي مع أميركا التي ستكون وكيل إيران بترتيب ذلك مع إسرائيل، حيث تريد الأخيرة أن تأمن شر إيران وتحافظ على فضاء نفوذها.
أمام وضوح الطموح الإيراني، ووضوح الهدف الإيراني، يقفز السؤال التالي إلى الواجهة ماذا نحن فاعلون، وهي لدينا القدرة على الفعل أصلا، وهل سنتقبل التفاهم الأميركي- الإيراني كقدر محتوم ونتعايش معه أم "لا"؟
بالنظر إلى حقائق الأرض والأمر الواقع، لا يبدو أن المنطقة ودولها الرئيسية تملك إجابات حاسمة على الأسئلة أو التساؤلات أعلاه، وهي تحاول تطوير مقاربة تستجيب للتحديات، من غير أن تنجح إلى الآن، لسبب بسيط جدا وهو أن أميركا تتحرك من وحي مصالحها أولا، ومن وحي مصالح دول المنطقة الحليفة ثانيا.
إن نطاق مصالح أميركا أوسع بكثير من نطاق مصالح الدول العربية، ومشكلتها أن الدول العربية ذاتها مختلفة في تقييماتها لمصالحها، واحيانا بينها صراعات وتحاذبات أنذرت بالتصادم كما في حالة السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى.
بمعنى أن واشنطن لا يمكنها، بأي حال، أن تعيد النظر في نطاق مصالحها بما يرضي الدول الحليفة في المنطقة، وهي تصمم أجندتها في سياق مصالحها، ومصالحها لا يمكن ضمانها من غير تفاهم مع إيران، وهي مندفعة بذكاء لتحقيق ذلك مع رسائل لدول الخليج مفادها أن أي تفاهم مع طهران سيضمن أمن الخليج.
فدول الخليج، بما فيها الأردن، لا يمكنها أن تضمن أمنها وحدها، وهي تحتاج إلى توثيق تحالفها مع واشنطن برغم أن الأخيرة خذلتها في غير ملف خصوصا في سوريا ومصر، وعلى نحو يشي أن أميركا ليست حليفا موثوقا.
الاستنتاج المنطقي للحالة العربية أن دولها ليست جاهزة، ويبدو انه من الصعوبة أن تكون جاهزة، لتولي أمرها، وستكون مضطرة في نهاية المطاف إلى تقبل نتائج التفاهم الأميركي- الإيراني المحتمل، وليس أمامها إلاّ ان تحاول التأثير في هذا التفاهم لخدمة شيئ من مصالحها.
إن العبثية السياسية التي تدير بها الدول العربية ملفاتها المتأزمة والحساسة، وافتقارها للرؤية العميقة والأدوات الفاعلة، والقدرة على الضغط على السياسة الدولية لتطويعها بحيث تخدم مصالحها، ترك لإيران مساحتها التي تتيح لها أن تفرض أجندتها أو على الأقل تجعلها الأكثر فائدة لأميركا التي تريد حليفا قويا يضمن مصالحها.
كان على العرب أن يقرأوا جيدا ويجيبوا سؤالا مركزيا.. لماذا مرر المرشد الأعلى الإيراني (علي خامنئي) فوز (حسن روحاني) برئاسة الجمهورية ..؟!
باختصار، الدول العربية السنية، إلى الآن على الأقل، ليست أكثر من مجال حيوي للنفوذ الإيراني والإسرائيلي.. بلا حول منها ولا قوة.