بدونة وترييف المدينة السورية
م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : ارتبطت السياسة دائما بالمدينة ، بينما ارتبطت عسكرة المجتمع بالريف والبادية ، حيث وجد أبناء القرى والبوادي في المؤسسة العسكرية ، الطريقة المثلى والأسرع ، للإرتقاء في السلم الاجتماعي ، ومن ثم السياسي ، وان كانت المدينة التقليدية السورية ، قد حاولت مواجهة نهوض العسكرة للمجتمع السياسي ، عبر اللجوء للديموقراطية والانتخابات ، التي أوصلت القوتلي الى رئاسة الجمهورية ، في منتصف الخمسينات من القرن الماضي ، الا ان تنامي قوة الريف والبادية ، ممثلة بالطبقة الوسطى ومؤسسة الجيش ، لم تسمح لها ، بتأبيد سيطرتها على القرار السياسي في البلاد ، فاندفعت هذه البرجوازية نحو الوحدة ، متلاقية مع اّمال الجماهير السورية ، التي رأت في مصر عبد الناصر ، الأمل في تحقيق أحلام الأمة ، في الوحدة والاستقلال والعدالة الاجتماعية ، وعندما شعرت لاحقا بتراجع دورها ، وانحسار نفوذها في دولة الوحدة ، انقضت عليها ، وحطمتها عبر الانفصال ، الذي لم تهنأ به طويلا ، حيث عادت أحزاب الطبقة الوسطى والمؤسسة العسكرية مرة اخرى ، للسيطرة على البلاد ، عبر " ثورة الثامن من اذار " عام 1963 م .
سيادة مظاهر البدونة والترييف ، في المدن التقليدية السورية ، كمظاهر قبلية " بتسكين الباء " ، عبّر عن تراجع المدينة ، وعجزها عن القيام بدورها المديني – السياسي ، في إرساء مفاهيم القانون والحوار والعيش المشترك ، واحترام التنوع الديني والثقافي والسياسي ، في إطار دولة القانون ، وهذا الضيم الذي لحق بالمدينة ، كان ثمرة لسنوات طوال ، من إفراغ المدينة من محتواها المديني والحضاري ، عبر التمسك بثقافة المدينة – الدولة ، التي سادت في القرون الوسطى ، على حساب الثقافة المدنية ، التي أنتجتها ثورة الحداثة ، وما قدمته من برجوازية قادرة على إعادة انتاج نفسها ، ضمن المشروع البرجوازي للدولة القومية الحديثة ، وأيضا بسبب التمدد العشوائي للمدينة التقليدية ، وانفجارها خارج أسوارها العمرانية والسياسية والثقافية ، وحرمانها من دورها السياسي والاقتصادي التاريخي ، لتتحول الى مساحات سكنية متناثرة ، بلا هوية ، حول مراكز تجارية متولدة في كل الأرجاء ، لكنها مساحات سكنية للاستهلاك فحسب ، وليس للتفاعل والحوار والعيش المشترك ، كما تم تطويقها بأحزمة من السكن العشوائي ، تفتقد للحد الادنى من سبل العيش الكريم ، لتمهد لاحقا ، الى تشكيل بيئة حاضنة للجماعات الطائفية والمناطقية ، ولجماعات التطرف الديني فيما بعد .
ليست المذهبيات الطائفية والإثنية ، التي تشكلت في المدينة التقليدية ، كرد فعل على الهجوم الريفي على أسوارها ، وعلى ثقافتها وهويتها ، بحالة أرقى من القبائل والعشائر والطوائف الأخرى ، فكلها مظاهر متخلفة لمرحلة ما قبل الدولة ، فالقبائل والعشائر والطوائف ، لم تختف من الوجود ، في أي مرحلة من مراحل التطور في سوريا ، لا بل لعبت دورا بالغا ، في حماية وحدة البلاد ، عبر رفض الدويلات الطائفية والإثنية ، خاصة في منطقتي الساحل وجبل العرب ، لكن تنامي حضورها السياسي على حساب المدينة ، يتزايد قطعا مع تراجع السياسة في المدينة ، وانقطاع الحوار الوطني ، فكلما ابتعد الناس عن السياسة وعن الحوار ، يبتعدون عن المدينة أكثر ، حتى لو كانوا يقيمون في أرقى أحيائها ، وكما ان الإختباء وراء الطائفية والإقليمية والهويات الفرعية ، لا يرتبط بمكان السكن ، او مستوى الحالة الاجتماعية ، فالمسألة من حيث المبدأ ، تعود الى ثنائية التخلف والاستبداد على الصعيد المحلي ،كما التجزئة والاستعمار على الصعد الأخرى ، فالبدونة والترييف ، لا يحملان بعدا اجتماعيا يتعلق بزيادة أعداد أبناء الريف والبادية في المدينة ، وممارسة عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية ، وهذا حق لهم ، بل يعبران عن ظاهرة سياسية تعكس مستوى التراجع للدولة – المدينة ، في الإجابة على أسئلة المواطنة ، ودولة الحق والحق العام ، بحيث تم تشكيل المدينة على مقاس الفئات الحاكمة ، وعلى مقاس مصالحها .
البرجوازية في المدينة التقليدية السورية ، فشلت فشلا ذريعا ، عندما تصدت لمشروع الثورة العربية الكبرى ، بالتعاون مع الانتدابين البريطاني والفرنسي ، وفشلت عندما تخلت عن الثورة السورية الكبرى ، وفشلت في معارك التحرر الوطني من الاستعمار ، وفشلت في قيام نهظة قومية حتى في بلاد الشام ، وفشلت ايضا في انجاز مشروع الدولة المدنية السورية ، القائم على التعددية والديموقراطية والمشاركة والعدالة الاجتماعية ، وليس صحيحا تحميل المراحل اللاحقة وحدها مسؤولية العجز في انشاء مشروع الدولة الحديثة ، وليس صحيحا ايضا ان الثورات القومية وحركات التحرر الوطني ، قطعت مراحل النمو الطبيعية لهذه البرجوازيات ، ولكن الحقيقة التي لا لبس فيها ، ان البرجوازيات السورية ، لم تؤسس للحد الادنى من مقومات الدولة ، بالمعنى القانوني والسياسي .
سيادة مظاهر البدونة والترييف ، في المدن التقليدية السورية ، كمظاهر قبلية " بتسكين الباء " ، عبّر عن تراجع المدينة ، وعجزها عن القيام بدورها المديني – السياسي ، في إرساء مفاهيم القانون والحوار والعيش المشترك ، واحترام التنوع الديني والثقافي والسياسي ، في إطار دولة القانون ، وهذا الضيم الذي لحق بالمدينة ، كان ثمرة لسنوات طوال ، من إفراغ المدينة من محتواها المديني والحضاري ، عبر التمسك بثقافة المدينة – الدولة ، التي سادت في القرون الوسطى ، على حساب الثقافة المدنية ، التي أنتجتها ثورة الحداثة ، وما قدمته من برجوازية قادرة على إعادة انتاج نفسها ، ضمن المشروع البرجوازي للدولة القومية الحديثة ، وأيضا بسبب التمدد العشوائي للمدينة التقليدية ، وانفجارها خارج أسوارها العمرانية والسياسية والثقافية ، وحرمانها من دورها السياسي والاقتصادي التاريخي ، لتتحول الى مساحات سكنية متناثرة ، بلا هوية ، حول مراكز تجارية متولدة في كل الأرجاء ، لكنها مساحات سكنية للاستهلاك فحسب ، وليس للتفاعل والحوار والعيش المشترك ، كما تم تطويقها بأحزمة من السكن العشوائي ، تفتقد للحد الادنى من سبل العيش الكريم ، لتمهد لاحقا ، الى تشكيل بيئة حاضنة للجماعات الطائفية والمناطقية ، ولجماعات التطرف الديني فيما بعد .
ليست المذهبيات الطائفية والإثنية ، التي تشكلت في المدينة التقليدية ، كرد فعل على الهجوم الريفي على أسوارها ، وعلى ثقافتها وهويتها ، بحالة أرقى من القبائل والعشائر والطوائف الأخرى ، فكلها مظاهر متخلفة لمرحلة ما قبل الدولة ، فالقبائل والعشائر والطوائف ، لم تختف من الوجود ، في أي مرحلة من مراحل التطور في سوريا ، لا بل لعبت دورا بالغا ، في حماية وحدة البلاد ، عبر رفض الدويلات الطائفية والإثنية ، خاصة في منطقتي الساحل وجبل العرب ، لكن تنامي حضورها السياسي على حساب المدينة ، يتزايد قطعا مع تراجع السياسة في المدينة ، وانقطاع الحوار الوطني ، فكلما ابتعد الناس عن السياسة وعن الحوار ، يبتعدون عن المدينة أكثر ، حتى لو كانوا يقيمون في أرقى أحيائها ، وكما ان الإختباء وراء الطائفية والإقليمية والهويات الفرعية ، لا يرتبط بمكان السكن ، او مستوى الحالة الاجتماعية ، فالمسألة من حيث المبدأ ، تعود الى ثنائية التخلف والاستبداد على الصعيد المحلي ،كما التجزئة والاستعمار على الصعد الأخرى ، فالبدونة والترييف ، لا يحملان بعدا اجتماعيا يتعلق بزيادة أعداد أبناء الريف والبادية في المدينة ، وممارسة عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية ، وهذا حق لهم ، بل يعبران عن ظاهرة سياسية تعكس مستوى التراجع للدولة – المدينة ، في الإجابة على أسئلة المواطنة ، ودولة الحق والحق العام ، بحيث تم تشكيل المدينة على مقاس الفئات الحاكمة ، وعلى مقاس مصالحها .
البرجوازية في المدينة التقليدية السورية ، فشلت فشلا ذريعا ، عندما تصدت لمشروع الثورة العربية الكبرى ، بالتعاون مع الانتدابين البريطاني والفرنسي ، وفشلت عندما تخلت عن الثورة السورية الكبرى ، وفشلت في معارك التحرر الوطني من الاستعمار ، وفشلت في قيام نهظة قومية حتى في بلاد الشام ، وفشلت ايضا في انجاز مشروع الدولة المدنية السورية ، القائم على التعددية والديموقراطية والمشاركة والعدالة الاجتماعية ، وليس صحيحا تحميل المراحل اللاحقة وحدها مسؤولية العجز في انشاء مشروع الدولة الحديثة ، وليس صحيحا ايضا ان الثورات القومية وحركات التحرر الوطني ، قطعت مراحل النمو الطبيعية لهذه البرجوازيات ، ولكن الحقيقة التي لا لبس فيها ، ان البرجوازيات السورية ، لم تؤسس للحد الادنى من مقومات الدولة ، بالمعنى القانوني والسياسي .