الأردن و"داعش" .. المواجهة المؤجلة !!
ليس من مصلحة الأردن تبسيط مخاطر تشابكات وتعقيدات الإقليم، وليس من مصلحته أن ينأى بنفسه عن استحقاقاتها ومتطلبات المجابهة (...) دون التورط، تحت أي ضغط، لتوسيع نطاق تدخلاته الخارجية.
فالأردن، محاط بأزمات، ويدفع أثمانا باهظة جراء ذلك، بنتيجة جغرافيته السياسية، أولاً، وبنتيجة اعتباره "رأس رمح" في التصدي الاستخباري الأمني والسياسي لـ"القاعدة" وحكما "داعش" ثانيا.
وهذان الأمران أساسيان في تقييم المخاطر الآنية والمستقبلية المحتملة، إذ تميزنا عن كثير من دول المنطقة في بناء شراكة "فاقعة" اللون مع أميركا، وبالأخص تحالفنا اللافت في التصدي لـ"القاعدة"، والآن لـ"القاعدة" ونظيرتها "داعش".
ولا يُظن أن التنظيمين (القاعدة، و"داعش") وهما يقاتلان في العراق وسوريا ليؤسسا لدولة الخلافة، لا يضعان الأردن في قلب أجندتهما للسببين السابقين (الجغرافيا السياسية، والدور الاستخباري).
يمكن استنتاج ذلك من تصريحات "غامضة" اطلقها سلفيون جهاديون، ليس أقلها، ما ابلغ به (أبو محمد البكر) العضو في "داعش"، وكالة الأنباء الألمانية، بأن التنظيم سيستخدم الأردن، "كمركز للخدمات اللوجستية".. وقوله "بمرور الوقت، بغض النظر عن أي مسار، فإن الأردن سيصبح جزءا من الخلافة الإسلامية.
من هنا، فان التقييم المفترض، أردنيا، وعلى المستويين الأستخباري والسياسي، لا بد، أو هكذا يفترض، أن يضعا بالحسبان أن المخاطر حقيقية وجوهرية، وأن ساحتنا، بالنسبة لـ"القاعدة" و"داعش" مؤجلة فقط، لحين حسم الأمر في العراق وسوريا.
أي ان المسألة ترتبط بالتوقيتات ومآلات المواجهة في العراق وسوريا وعدم الرغبة في تسخين ساحة ثالثة مجاورة لهما تستنزف الطاقات والامكانات.
كذلك الحاجة إلى الخزان البشري الأردني الذي يمد "داعش" و"جبهة النصرة" بالكوادر على المستويين القتالي والتنظيري.. فنحو ما يزيد عن الالفين من الأردنيين يقاتلون في سوريا، وينقسمون بين "داعش" و"النصرة".
وإذا ما أخذنا الخبرات القتالية والتنظيمية التي يكسبها هؤلاء، فان الأمر يصبح أكثر تعقيدا وحساسية، لان عودتهم، عاجلا أم آجلا، تعني إضافة نوعية لأنصار القاعدة المنتشرين في أكثر من نقطة على الجغرافيا الأردنية.
ماذا يعني ذلك في المحصلة؟
يعني أمرا واحدا جوهريا، وهو أن الأردن يصدر كوادر بشرية ملتزمة وبتشدد مع "القاعدة" و"داعش"، وهذه الكوادر طورت خبرات كبيرة ومهمة تضاعف من خطرهم، وستكون عونا لتأهيل كوادر أخرى لا تملك خبرات تنظيمية وقتالية.
وهو يعني كذلك أن الأردن في مرحلة ما سيكون في مواجهة محتملة مع "القاعدة" و"داعش"، برغم كل التحسبات والتحوطات، وقد تأخذ المواجه شكلا من اثنين؛ محاولة السيطرة على جغرافيا أردنية تشكل قاعدة للانطلاق، أو عمليات تفجير انتقامية لأي دور أردني تصفوي استئصالي للتنظيمين، هنا أو في الجوار.
إن واحدة من الحقائق التي انتجها "الربيع العربي" صعود التنظيمات القاعدية أو المستلهمة لفكرها، وأمثلة ذلك جلية واضحة في سوريا ومصر وليبيا واليمن والجزائر وتونس، وكذلك العراق.
وهذا الصعود يترافق مع هجمة شرسة تشن على جماعة الإخوان المسلمين أسست لها كل من السعودية والإمارات، بدأت في مصر، وتتواصل بأشكال مختلفة في عواصم عربية أخرى.
ليس لخطر أمني يسببه "الإخوان" وإنما لخطر سياسي على مستقبل هذه الأنظمة التي لا تريد تنظيمات وأحزاب قوية قادرة على الحكم، ولا تريد تكريسا لنمط ديمقراطي في المنطقة يهدد نهج ومنهج إدارة دولها.
ومن الطبيعي أن استهداف "الإخوان" يولد بين كوادرهم، ومختلف أشكال التنظيمات السلفية نزعة للتطرف، وتاليا تصبح خزانا مهما يمد "القاعدة" و"داعش"، ويساعد في خلق بيئة التطرف قمع الحريات والهيمنة على الحكم مع إقصاء الآخر والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
بصراحة، فان بيئة الأردن بيئة حاضنة للتشدد والتطرف، لأسباب مختلفة، من بينها الحالة الاقتصادية الصعبة والاجتماعية شبه المفككة، والمنظور الأمني لا السياسي الذي تعالج من خلاله الملفات الداخلية.
بمقدور الدولة الأردنية، ومستويات القرار السياسي، ان تضع "تقدير موقف" دقيق عن مآلات الأوضاع الداخلية وتأثيرها في نزعة التطرف، وهذا الكم من الملتحقين بـ"القاعدة" و"داعش" وأن تحاول فهم أسباب ذلك وأوجه القصور في الاستراتيجيات المتبعة.
ومثل هذا التقدير كفيل بمعرفة الدولة لجوانب الخطر ومقداره ومداه، ويمكنها من وضع حلول وتحديد آليات مناسبة للتعامل معه، وأكبر الخطر أن نستسهل المعالجة من المنظور الأمني ونقصر فهمنا وتقييمنا وتقديرنا على ذلك المنظور.
إن صرف المخاطر، أو تقليلها، وبقدر ما يحتاج إلى معالجات أمنية خالصة على قاعدة رد الفعل على حدث ما، تحتاج بشكل أكبر إلى معالجات سياسية واقتصادية واجتماعية قائمة على الفعل الذي يؤسس لنمط من الإجراء الوقائي .
على أن يركز تركيزا شديدا على البيئة الحاضنة للتطرف والعنف، ويبحث جديا في محركاته، بما يؤدي إلى تغيير حقيقي في هذه البيئة لجعلها عبر تسويات عميقة بيئة معتدلة .. ذلك أساسه وجوهره خليط تكون فيه حصة السياسي أكثر من حصة الأمني.
مسيرة دعم "داعش" التي نظمها التيار السلفي الجهادي في معان يوم الجمعة .. نموذجا، صارخا، وصادما للبعض، كما يفترض.