jo24_banner
jo24_banner

انكفاء الإسلام المعتدل رافعة للإسلام المتشدد

راكان السعايدة
جو 24 :

عاملان أساسيان، من بين عوامل عدة، ساهمت في صعود التيارات المتشددة في العامين الأخيرين، وبات التطرف المصاحب للعنف سمة المنطقة والمسيطر، ولو نسبيا، على المسار العام.

هذان العاملان يتمثلان في: (1) اهتزاز الأنظمة، وضعف أجهزتها في السيطرة على كامل الجغرافيا الوطنية، وانهماك قواها الأمنية والعسكرية في تثبيت الحكم في دول، والاستيلاء على الحكم في دول أخرى.
(2) الاقصاء والتهميش المنهجي لجماعة الإخوان المسلمين- برغم اعتدالها- والعمل على عزلها سياسيا وأمنيا وإخراجها من معادلة الحكم، كما في مصر، والسعى لذلك كما في تونس وليبيا، ولذلك تشكل تحالف بين دول، أبرزها السعودية والإمارات، يعمل بكل طاقته لإنهاء مشروع الإسلام السياسي كليا.

إن العاملين أعلاه، كما أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية أخرى، شكلت بيئة مركبة انتجت معادلة من نوع جديد، وهي ان محاربة وإقصاء التيارات الإسلامية المعتدلة يؤدي إلى بروز التيارات الإسلامية المتشددة لملء الفراغ، وبشكل علني.

وهذا أكثر من واضح في صعود التيارات المتشددة خصوصا "القاعدة و"داعش" من المغرب العربي إلى مشرقه، فالقاعدة في بلاد المغرب العربي وفي اليمن والجزيرة العربية، والتنظيمات التي تستلتهم فكرها أو تدين لها بالولاء مثل "انصار الشريعة" و"جبهة النصرة" وغيرها باتت طرفا أساسيا في الصراع.

وبرز أمر آخر، هو بمثابة تطور نوعي في استراتيجية "القاعدة" و"داعش"، خصوصا في العراق وسوريا، وذلك بالانتقال من تنفيذ عمليات عسكرية ومن ثم الاختفاء إلى السيطرة على أراض والتحكم بها وجعلها منصة للانطلاق والاستيلاء على أراض أخرى.

أيا يكن الواقع الراهن للتنظيمات المتشددة من ناحية البروز والصعود وقوة التمويل، فما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه من غير أخطاء كبرى ارتكبتها أنظمة عربية جرت المنطقة كلها إلى حالة تطرف شديدة.

أبرز هذا الأخطاء: (1) دعم أنظمة عربية لتيارات متطرفة، نسقت معها ومولتها، لمواجهة النظام في سوريا وتاليا في العراق، وهو ما سمح لهذه التنظيمات بالتوسع والتمدد أفقيا وعاموديا بغطاء يمنع عنها الاستهداف.
(2) في الوقت الذي دعمت تلك الأنظمة التيارات المتشددة حاربت وبقسوة التيارات الإسلامية المتعدلة، وبالخصوص جماعة الإخوان المسلمين والتي كانت المحتوى الذي يحافظ على قوة إسلامية معتدلة ويمنع توسع كوادر تنظيمات كـ"القاعدة" و"داعش".

"القاعدة" و"داعش" باتا وجهة طيف واسع من شباب يرى بعينيه أن محاربة الأنظمة للقوى الإسلامية المعتدلة سمة المرحلة، فهو من جهة فقد الثقة بمعزوفة الديمقراطية، ومن جهة أخرى تراكمت لديه الاحباطات من الصعوبات الاقتصادية والتغييرات الاجتماعية بخلاف العادات والتقاليد والقيم الإسلامية، والتغير الجوهري في ثقافة المجتمعات.

عندما شنت السعودية والإمارات حربهما الرئيسية على "إخوان مصر" لم تضعا في حساباتهما، أو وضعتهما واهملتهما، أن هذا الفعل السياسي الأمني لن يقصى ويستأصل المشروع السياسي الإسلامي فقط، وهو ما لن ينجح عموما، وإنما سيكون فعلهما سببا في منح التيارات والتنظيمات المتشددة فرصتها لتثبت لنفسها انها كانت على حق في معاداة تلك الأنظمة، ومن ثم سيكون انكفاء الإسلام المعتدل رافعة للإسلام المتشدد، وخيار لعموم الإسلاميين ممن كفروا بالديمقراطية ومشاركة السلطة المزعومة.

ما سبق يدفع بسؤال الحالة الأردنية إلى الواجهة، وأي الطرق يتبعها الأردن الرسمي في تعامله مع التيارات الإسلامية المعتدلة والمتشددة؟.
إجابة هذا السؤال ليست ملتبسة عموما، فالأردن الرسمي يحاول أن يوازن بين مسألتين:

(1) علاقته بالسعودية والإمارات، وضغطهما عليه ليأخذ موقفا أكثر تشددا من الإخوان المسلمين لإقصائهم كليا من المشهد السياسي الوطني، مستغلين حاجته الاقتصادية الصعبة لابتزاز مثل هذا الموقف.
(2) لا يريد الأردن أن يذهب إلى النهاية مع المسار السعودي والإماراتي لإداركه أن استئصال مشروع الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان تحديدا، أمر مستحيل، والأهم العلاقة التاريخية التي ربطت النظام بالإخوان في سياق تفاهم وتفهم، مكن الطرفين من التعايش من غير أن يشكل أحدهما خطرا على الآخر.

فليس من مصلحة الأردن، بأي حال من الأحوال، التصادم مع الإخوان المسلمين، لا في الأردن ولا خارجه، وليس من مصلحة الأردن الإنجرار خلف مشروع سياسي وأمني سعودي إماراتي منفعل ولا يملك مسوغاته المنطقية والموضوعيتة المقنعة، وهو أشبه بمراهقة سياسية باهظة الكلفة.

إن الأردن الرسمي، لابد وأنه يملك وعيا كافيا، ويدرك بعمق أن مصلحته ومصلحة المنطقة تكمن في تقوية التيارات الإسلامية المعتدلة ليواجه بها التيارات الإسلامية المتشددة وليس العكس، وليس بوضع التيارين معا في دائرة الاستهداف لأن المنطقة، بحكم تكوينها، لا تحتمل اختفاء المشروعات الإسلامية السياسية.

إجمالا، إن دفع التطرف والتشدد إلى واجهة المنطقة تتحمله، بشكل كبير، أنظمة عربية فقدت توازنها وبوصلتها السياسية والأمنية، وتتعامل بانفعال شديد لخشيتها على نفسها وحكمها، وكأنها تخوض معركة وجود، وتريد توريط كل طرف ممكن في هذه المعركة دون النظر إلى كلفتها على تلك الأطراف.

لنا في الأردن مصلحة في أن نحافظ على بلدنا، ونشبك بين كل مكوناته، وندخل في تسويات حقيقية لحل مشاكلنا الداخلية، وليس من المصلحة أن نخوض معارك غيرنا، في الداخل أو الخارج، وندفع بالنيابة عنهم أثمانا نحن في غنى عنها.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير