"الدولة العميقة".. سحقت الديمقراطيات الوليدة واستعادت الاستبداد!!
راكان السعايدة
جو 24 : "مأساة العرب".. عنوان اختارته مجلة "إيكونومست" البريطانية لمادتها التحليلة عن حال العرب والمسلمين بين الأمس واليوم، وهو التحليل الأكثر شمولية وتشخيصا وتكثيفا.
مبتدئة، أي المجلة، بالتأشير إلى الرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي الذي بلغته الأمتان العربية والإسلامية ومنتهية إلى حالة "الانحطاط" والاستلاب الثقافي والحضاري والانهيار شبه الكامل لما أنجزه الأوائل.
مناسبة ما كتبته "الإيكونومست" لا يبدو مرتبطا باستطلاع الماضي وميزاته، بقدر ارتباطه باستشراف المستقبل وتحدياته، وصلة هذا المستقبل بـ"الربيع العربي" الذي بشر بالانفلات من الاستبداد، قبل الانقضاض عليه بإشعال الفوضى ليعود المستبدون للواجهة كما كان الحال قبل ثلاث سنوات.
كل ما تطرقت إليه المجلة البريطانية، يمكن اختصاره بجملة واحدة هي أن "الربيع العربي كان انتفاضة أو انقلابا على الدولة العميقة لكن لا الانتفاضة نجحت ولا الانقلاب اكتمل، وتمكنت "الدولة العميقة" من استعادة الزمام.
إن "الربيع العربي" الذي خلع أربع رؤساء (التونسي، والمصري، واليمني والليبي) ما عاد لديه القدرة على خلع المزيد من الرؤساء والزعماء، والأهم انه لم يستطع إحداث التغيير المفترض في الدول التي خلعت زعاماتها.
وفي الدول الأربع تسيطر الفوضى على نحو أكثر وضوحا في مصر واليمن وليبيا وبدرجة أقل نسبيا في تونس، فبعد أن كان الملمح الرئيسي أن هذه الدول ولجت عصر الديمقراطيات، ظهر أن ذلك تقييم مثالي للغاية، ولا صلة له بالواقع.
والمثال الأبرز على ذلك مصر الدولة المفترض انها محورية في المنطقة، فبعد انتخابات برلمانية ورئاسية واستفتاءات على الدستور انتج تمثيلا سياسيا يعكس تطلعات الشارع المصري، رتب "العسكر" انقلابا منسقا ومتحكما به وبمساعدة دول عربية لإزاحة كل المنتج الديمقراطي والعودة من جديد لعهد ما قبل "الربيع العربي" وإفرازاته.
الأمر، بطبيعة الحال، لا يقتصر على مصر وحدها، فما حدث فيها شجع محورا عربيا تتزعمه السعودية والإمارات و"عسكر مصر"، أو ما يمكن وصفه بـ"مخلب القط"، الذي بات يوظف ليس لسحق التجربة الديمقراطية المصرية الوليدة، بل واستنساخ ذات أمر السحق في ليبيا ومن قبل في تونس وإن كانت تونس أعادت التموضع لتقليل الضرر وتفويت الفرصة على المتربصين، وربما لن تنجح إلى النهاية في ذلك.
الانقضاض على إفرازات "الربيع العربي" استهدف الإسلام السياسي ومشروع الإسلام السياسي، إذ أن التجارب الانتخابية في تونس ومصر أدت إلى بروز جماعة الإخوان المسلمين كقوة رئيسية حاسمة، وكذلك إلى حد كبير في ليبيا.
هذا البروز لم يعجب الدول التي تخشى من أي ديمقراطية صاعدة بقدر خشيتها من بروز الإسلام السياسي، فاستجمعت قواها المالية بعد استيعابها صدمة "الربيع" وحركت أدواتها الاستخبارية للعودة بالمنطقة إلى ما قبل الربيع.
ووجدت تلك القوى المناوئة لمخرجات "الربيع العربي" ان في الدول المستهدفة دولة عميقة قادرة على تحقيق الاستدارة المطلوبة، وإفشال التجارب الجديدة على أمتداد دول مصر وتونس وليبيا واليمن، وتلك القوى صممت مقاربتها على أساس استمرار الفوضى إلى أن يستتب لها أمر العودة للنمط القديم من الحكم.
وشكلت بعض القوى الحزبية الليبرالية والعلمانية، وليس كلها بشكل مؤكد، الغطاء المناسب لحركة العسكر في مصر ، وفي تونس تصدت هذه القوى ذاتها لإفرازات "الربيع"، وفي ليبيا تصدى بقايا العسكر وميليشيات مدعومة من دول خليجية للتجربة الجديدة، وفي اليمن الدولة العميقة لا زالت بيد الرئيس المخلوع ويفاقم أزمة اليمن "القاعدة" و"الحوثيين".
سوريا، بلا شك، ستكون اللحظة الفاصلة والحاسمة لمسار "الربيع العربي" الذي تعطل قطاره وبات خلع المزيد من الزعماء مسألة معدومة الفرص، وما هو متاح فقط الضغط لإحداث إصلاحات ضمن إطار الأنظمة القائمة، مع ترك ثغرة صغيرة مواربة لفرص استثنائية تطيح بهذا الزعيم أو ذاك، وفي ظروف استثنائية للغاية.
صحيح، ان دول عربية انقضت على افرازات ربيع دول أخرى، لكن الجميع، أي جميع هذه الدول، باتت في مواجهة مخاطر وتشابكات وتعقيدات الفوضى التي صعدت من الطائفية والاثنية والمذهبية، ووضعت الدولة القطرية على طاولة التقسيم.
والتقسيم ليس خيار الدولة العميقة المركزية، بل هو خيار مكونات ديمغرافية، وخيار غربي حتى اللحظة لم يجد مقاربته العميقة للتعامل مع الواقع العربي، فهو في البداية صدم بسرعة إطاحة أنظمة وتعرقلت خطواته ومواقفه، ومن ثم استوعب الدرس واندفع لحماية أنظمة مختارة من السقوط، لكنه منشغل أكثر من أي وقت سبق بصعود التنظيمات المتطرفة التي تهديدها يتجاوز الجغرافيا العربية.
إن انتكاسة التجربة الديمقراطية العربية- كنتاج للربيع العربي- بفعل الدولة العميقة والأنظمة المرعوبة أدى إلى شيوع الفوضى وصعود التطرف، فلو نجحت الديمقراطيات وتركت تنضج من غير التكالب عليها لما دخلت المنطقة عصر الفوضى المفضي إلى احتمالات التقسيم، وهو تقسيم لا يعني الاستقرار بل المزيد من الفوضى.
باختصار، نحن في مواجهة فوضى تلد فوضى أخرى أكثر تعقيدا وخطورة.
مبتدئة، أي المجلة، بالتأشير إلى الرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي الذي بلغته الأمتان العربية والإسلامية ومنتهية إلى حالة "الانحطاط" والاستلاب الثقافي والحضاري والانهيار شبه الكامل لما أنجزه الأوائل.
مناسبة ما كتبته "الإيكونومست" لا يبدو مرتبطا باستطلاع الماضي وميزاته، بقدر ارتباطه باستشراف المستقبل وتحدياته، وصلة هذا المستقبل بـ"الربيع العربي" الذي بشر بالانفلات من الاستبداد، قبل الانقضاض عليه بإشعال الفوضى ليعود المستبدون للواجهة كما كان الحال قبل ثلاث سنوات.
كل ما تطرقت إليه المجلة البريطانية، يمكن اختصاره بجملة واحدة هي أن "الربيع العربي كان انتفاضة أو انقلابا على الدولة العميقة لكن لا الانتفاضة نجحت ولا الانقلاب اكتمل، وتمكنت "الدولة العميقة" من استعادة الزمام.
إن "الربيع العربي" الذي خلع أربع رؤساء (التونسي، والمصري، واليمني والليبي) ما عاد لديه القدرة على خلع المزيد من الرؤساء والزعماء، والأهم انه لم يستطع إحداث التغيير المفترض في الدول التي خلعت زعاماتها.
وفي الدول الأربع تسيطر الفوضى على نحو أكثر وضوحا في مصر واليمن وليبيا وبدرجة أقل نسبيا في تونس، فبعد أن كان الملمح الرئيسي أن هذه الدول ولجت عصر الديمقراطيات، ظهر أن ذلك تقييم مثالي للغاية، ولا صلة له بالواقع.
والمثال الأبرز على ذلك مصر الدولة المفترض انها محورية في المنطقة، فبعد انتخابات برلمانية ورئاسية واستفتاءات على الدستور انتج تمثيلا سياسيا يعكس تطلعات الشارع المصري، رتب "العسكر" انقلابا منسقا ومتحكما به وبمساعدة دول عربية لإزاحة كل المنتج الديمقراطي والعودة من جديد لعهد ما قبل "الربيع العربي" وإفرازاته.
الأمر، بطبيعة الحال، لا يقتصر على مصر وحدها، فما حدث فيها شجع محورا عربيا تتزعمه السعودية والإمارات و"عسكر مصر"، أو ما يمكن وصفه بـ"مخلب القط"، الذي بات يوظف ليس لسحق التجربة الديمقراطية المصرية الوليدة، بل واستنساخ ذات أمر السحق في ليبيا ومن قبل في تونس وإن كانت تونس أعادت التموضع لتقليل الضرر وتفويت الفرصة على المتربصين، وربما لن تنجح إلى النهاية في ذلك.
الانقضاض على إفرازات "الربيع العربي" استهدف الإسلام السياسي ومشروع الإسلام السياسي، إذ أن التجارب الانتخابية في تونس ومصر أدت إلى بروز جماعة الإخوان المسلمين كقوة رئيسية حاسمة، وكذلك إلى حد كبير في ليبيا.
هذا البروز لم يعجب الدول التي تخشى من أي ديمقراطية صاعدة بقدر خشيتها من بروز الإسلام السياسي، فاستجمعت قواها المالية بعد استيعابها صدمة "الربيع" وحركت أدواتها الاستخبارية للعودة بالمنطقة إلى ما قبل الربيع.
ووجدت تلك القوى المناوئة لمخرجات "الربيع العربي" ان في الدول المستهدفة دولة عميقة قادرة على تحقيق الاستدارة المطلوبة، وإفشال التجارب الجديدة على أمتداد دول مصر وتونس وليبيا واليمن، وتلك القوى صممت مقاربتها على أساس استمرار الفوضى إلى أن يستتب لها أمر العودة للنمط القديم من الحكم.
وشكلت بعض القوى الحزبية الليبرالية والعلمانية، وليس كلها بشكل مؤكد، الغطاء المناسب لحركة العسكر في مصر ، وفي تونس تصدت هذه القوى ذاتها لإفرازات "الربيع"، وفي ليبيا تصدى بقايا العسكر وميليشيات مدعومة من دول خليجية للتجربة الجديدة، وفي اليمن الدولة العميقة لا زالت بيد الرئيس المخلوع ويفاقم أزمة اليمن "القاعدة" و"الحوثيين".
سوريا، بلا شك، ستكون اللحظة الفاصلة والحاسمة لمسار "الربيع العربي" الذي تعطل قطاره وبات خلع المزيد من الزعماء مسألة معدومة الفرص، وما هو متاح فقط الضغط لإحداث إصلاحات ضمن إطار الأنظمة القائمة، مع ترك ثغرة صغيرة مواربة لفرص استثنائية تطيح بهذا الزعيم أو ذاك، وفي ظروف استثنائية للغاية.
صحيح، ان دول عربية انقضت على افرازات ربيع دول أخرى، لكن الجميع، أي جميع هذه الدول، باتت في مواجهة مخاطر وتشابكات وتعقيدات الفوضى التي صعدت من الطائفية والاثنية والمذهبية، ووضعت الدولة القطرية على طاولة التقسيم.
والتقسيم ليس خيار الدولة العميقة المركزية، بل هو خيار مكونات ديمغرافية، وخيار غربي حتى اللحظة لم يجد مقاربته العميقة للتعامل مع الواقع العربي، فهو في البداية صدم بسرعة إطاحة أنظمة وتعرقلت خطواته ومواقفه، ومن ثم استوعب الدرس واندفع لحماية أنظمة مختارة من السقوط، لكنه منشغل أكثر من أي وقت سبق بصعود التنظيمات المتطرفة التي تهديدها يتجاوز الجغرافيا العربية.
إن انتكاسة التجربة الديمقراطية العربية- كنتاج للربيع العربي- بفعل الدولة العميقة والأنظمة المرعوبة أدى إلى شيوع الفوضى وصعود التطرف، فلو نجحت الديمقراطيات وتركت تنضج من غير التكالب عليها لما دخلت المنطقة عصر الفوضى المفضي إلى احتمالات التقسيم، وهو تقسيم لا يعني الاستقرار بل المزيد من الفوضى.
باختصار، نحن في مواجهة فوضى تلد فوضى أخرى أكثر تعقيدا وخطورة.