معان.. إدارة أزمة أم إدارة بالأزمة؟!
راكان السعايدة
جو 24 : في الثقافة السياسية، وربما في أدبياتها، مفهومان مهمان وأساسيان، الأول يعرف بـ"إدارة الأزمة" والآخر يعرف بـ"إدارة بالأزمة".
وبينما "إدارة الأزمة" مصطلح معروف، فان "الإدارة بالأزمة" مصطلح قليل التداول، لكنه يشكل مفهوما سياسيا هاما، وأساسه افتعال أزمة ما لإدارة ملف ما، على عكس الأول الذي يتعامل مع أزمة غير مفتعلة.
في أحسن الأحوال، فإن ما يحدث في محافظة معان، ومعان المدينة تحديداً، تعتبره الدولة الرسمية أزمة تحتاج إلى إدارة، وتتعامل معها على هذا الأساس من غير بحث جدي في معالجة جذور هذه الأزمة.
وفي أسوء الأحوال، فإن الدولة تريد معان ساحة أزمة تؤججها في وقت ما لإدارة ملف ما على مستوى المدينة أو على مستوى الوطن.
كلا الحالين يشكل "كارثة" حقيقية، لأن استمراء الدولة الرسمية إدارة ملف معان على أساس انها أزمة تحتاج إلى إدارة يبقى الأزمة مفتوحة على احتمالات وتداعيات ربما تخرج عن سيطرتها.
والكارثة تصبح أكثر عمقا وباعثه على القلق الشديد، إن كانت الدولة تستخدم معان كمجال حيوي، تثير فيه الأزمات، لغايات لا يعرف إن كانت الدولة تمسك بمفاصلها وتملك حيالها حسابات دقيقة.
لا يمكن الجزم على وجه الدقة طبيعة الاستراتيجية والتكتيكات التي تتبعها الدولة في معان، وإلى أين تريد أن تصل بشأنها، وهي الملف المفتوح منذ هبة نيسان في العام 1989، دون أن تحاول الدولة الرسمية، بأي صيغة جادة، أن تعالج أزمتها مرة وإلى الأبد.
إن اختزال ملف معان في الجانب الأمني فقط، يعد اختزالا قاصرا وغامضا في آن، وطريقة إدارته زاخرة بالمخاطر، لأن المعالجة الأمنية لا يمكنها أن تنهي ملفا متشابكا معقدا للغاية، خصوصا إذا كان جوهر الملف الحقيقي اقتصاديا واجتماعيا.
والمعالجة لملف معان لا يمكن أن تكون أمنية، فهي اقتصادية بالأساس، وهو أمر أشارت إليه صراحة، وبالتفصيل، العديد من الدراسات المنشورة وغير المنشورة، والتي من المؤكد أن الدولة الرسمية اطلعت عليها وحللتها وانتهت بشأنها إلى خلاصات واستنتاجات واضحة ومحددة.
لكن إلى الآن تصر الدولة على التعامل مع "قشرة" الملف، لا جوهره، وتصر على أن العلاج الوحيد المناسب لهذا الملف هو الإجراء الأمني من دون النظر، قصدا أو سهوا، في حقيقة ما تحتاج معان من معالجة اقتصادية وتنموية شاملة تنقلها من أفقر المحافظات إلى مستوى معيشي معقول.
ذلك الإصرار، بوعي أم بغيره، يشي أن الدولة الرسمية تريد معان ملفا تفتحه وتؤججه في وقت تشاء، وهو فهم يمكن استنتاجه من تتبع طبيعة كل حدث يقع في معان، ولا يمكن تقديم مبررات لها معقولية كافية حيال ذريعة "هيبة الدولة" بوصفها الشماعة التي تبرر بها الدولة تعاملها مع المدينة منذ سنوات.
وبالتالي لا يمكن النظر إلى الفريق الحكومي، أو ذلك النيابي، على أنهما بوابة حل حقيقية لملف معان، وحركتهما تشبه الدوران في الفراغ، لأن الأصل في الأشياء امتلاك الحكومة، ومنذ زمن، لتقييمات دقيقة وعميقة عن معان وتعرف أسباب أزمتها وكيفية حلها.
وكذلك الفريق النيابي الذي يبدو انه يتحرك بنمط الفزعة والمنطق العشائري، لا العلمي، وربما يتحرك الفريق النيابي من غير إطلاع عميق وحقيقي على ملف معان والدراسات التقييمية التي وضعت في مرحلة عديدة في السنوات العشرين الأخيرة.
فمعان لا تحتمل التعامل مع ملفها بسطحية وغياب للرؤية العميقة والبدائل المنطقية والموضوعية لحل مشالكها، كما لا تحتمل التعامل معها بأي من عقليتي "إدارة الأزمة" أو "الإدارة بالأزمة"، لأن معان ستبقى عصية على الحل طالما هي عصية على قدرة الدولة الرسمية على الفهم.
بمقاربة متماثلة نسبيا، على الأقل، يمكن اسقاط سبب توفير سنة العراق الحاضنة الاجتماعية لتنظيم الدولة الإسلامية "دولة الخلافة" (داعش)، وسنة العراق وفروا تلك الحاضنة بعدما تخلت عنهم الدول السنية، والعربية منها تحديدا ولم يبق أمامهما لموازنة الإقصاء والتهميش الذي يعانوه إلاّ منح "داعش" الغطاء الذي تريده.
ومعان التي تعاني التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، تعتبر مركزا مهما سوءا لإنصار "الدولة الإسلامية" أو لأنصار تنظيم القاعدة، والبروز العلني لأنصار التنظيمين ما كان له أن يحدث لولا غض أبناء معان الطرف عن وجودهما في نطاقهما الجغرافي طالما الدولة الرسمية لا تقيم وزنا حقيقيا لمشكلات المدنية، والمحافظة عموما.
أي أن قلة البدائل المتاحة لسنة العراق وأبناء معان سبب كافي، اختلفنا أم اتفقنا، تدفعهم إلى خيارات ربما ليست محبذة لكنها هي المتاحة للفت النظر إلى المشكلات الرئيسية والحيوية ذات الصلة بالمعيشة والمكانة والقيمة.
في الإجمال، معان تحتاج إلى معالجة جذرية لمشكلاتها، معالجة عميقة لا سطحية، قائمة على الفهم العميق والدقيق، لا الارتجال المقتصر على العقل الأمني الذي أدى بدولة ماثلة للعيان إلى اتون الفوضى وغياب الأفق.
الحكمة تقتضي أن يعاد النظر كليا بسياسة إدارة ملف معان، وإبعاد كل عناصر وأدوات التأزيم، والمعالجة سياسية اقتصادية اجتماعية.. وغير ذلك نحن كمن يعلب بـ"كرة لهب" ولا يقدر أخطارها ظانا أنه يمسك ويتحكم بكل زواياها.
علينا ان ننتبه جيدا أن هناك من هو جاهز دائما لملْء الفراغ..!!
وبينما "إدارة الأزمة" مصطلح معروف، فان "الإدارة بالأزمة" مصطلح قليل التداول، لكنه يشكل مفهوما سياسيا هاما، وأساسه افتعال أزمة ما لإدارة ملف ما، على عكس الأول الذي يتعامل مع أزمة غير مفتعلة.
في أحسن الأحوال، فإن ما يحدث في محافظة معان، ومعان المدينة تحديداً، تعتبره الدولة الرسمية أزمة تحتاج إلى إدارة، وتتعامل معها على هذا الأساس من غير بحث جدي في معالجة جذور هذه الأزمة.
وفي أسوء الأحوال، فإن الدولة تريد معان ساحة أزمة تؤججها في وقت ما لإدارة ملف ما على مستوى المدينة أو على مستوى الوطن.
كلا الحالين يشكل "كارثة" حقيقية، لأن استمراء الدولة الرسمية إدارة ملف معان على أساس انها أزمة تحتاج إلى إدارة يبقى الأزمة مفتوحة على احتمالات وتداعيات ربما تخرج عن سيطرتها.
والكارثة تصبح أكثر عمقا وباعثه على القلق الشديد، إن كانت الدولة تستخدم معان كمجال حيوي، تثير فيه الأزمات، لغايات لا يعرف إن كانت الدولة تمسك بمفاصلها وتملك حيالها حسابات دقيقة.
لا يمكن الجزم على وجه الدقة طبيعة الاستراتيجية والتكتيكات التي تتبعها الدولة في معان، وإلى أين تريد أن تصل بشأنها، وهي الملف المفتوح منذ هبة نيسان في العام 1989، دون أن تحاول الدولة الرسمية، بأي صيغة جادة، أن تعالج أزمتها مرة وإلى الأبد.
إن اختزال ملف معان في الجانب الأمني فقط، يعد اختزالا قاصرا وغامضا في آن، وطريقة إدارته زاخرة بالمخاطر، لأن المعالجة الأمنية لا يمكنها أن تنهي ملفا متشابكا معقدا للغاية، خصوصا إذا كان جوهر الملف الحقيقي اقتصاديا واجتماعيا.
والمعالجة لملف معان لا يمكن أن تكون أمنية، فهي اقتصادية بالأساس، وهو أمر أشارت إليه صراحة، وبالتفصيل، العديد من الدراسات المنشورة وغير المنشورة، والتي من المؤكد أن الدولة الرسمية اطلعت عليها وحللتها وانتهت بشأنها إلى خلاصات واستنتاجات واضحة ومحددة.
لكن إلى الآن تصر الدولة على التعامل مع "قشرة" الملف، لا جوهره، وتصر على أن العلاج الوحيد المناسب لهذا الملف هو الإجراء الأمني من دون النظر، قصدا أو سهوا، في حقيقة ما تحتاج معان من معالجة اقتصادية وتنموية شاملة تنقلها من أفقر المحافظات إلى مستوى معيشي معقول.
ذلك الإصرار، بوعي أم بغيره، يشي أن الدولة الرسمية تريد معان ملفا تفتحه وتؤججه في وقت تشاء، وهو فهم يمكن استنتاجه من تتبع طبيعة كل حدث يقع في معان، ولا يمكن تقديم مبررات لها معقولية كافية حيال ذريعة "هيبة الدولة" بوصفها الشماعة التي تبرر بها الدولة تعاملها مع المدينة منذ سنوات.
وبالتالي لا يمكن النظر إلى الفريق الحكومي، أو ذلك النيابي، على أنهما بوابة حل حقيقية لملف معان، وحركتهما تشبه الدوران في الفراغ، لأن الأصل في الأشياء امتلاك الحكومة، ومنذ زمن، لتقييمات دقيقة وعميقة عن معان وتعرف أسباب أزمتها وكيفية حلها.
وكذلك الفريق النيابي الذي يبدو انه يتحرك بنمط الفزعة والمنطق العشائري، لا العلمي، وربما يتحرك الفريق النيابي من غير إطلاع عميق وحقيقي على ملف معان والدراسات التقييمية التي وضعت في مرحلة عديدة في السنوات العشرين الأخيرة.
فمعان لا تحتمل التعامل مع ملفها بسطحية وغياب للرؤية العميقة والبدائل المنطقية والموضوعية لحل مشالكها، كما لا تحتمل التعامل معها بأي من عقليتي "إدارة الأزمة" أو "الإدارة بالأزمة"، لأن معان ستبقى عصية على الحل طالما هي عصية على قدرة الدولة الرسمية على الفهم.
بمقاربة متماثلة نسبيا، على الأقل، يمكن اسقاط سبب توفير سنة العراق الحاضنة الاجتماعية لتنظيم الدولة الإسلامية "دولة الخلافة" (داعش)، وسنة العراق وفروا تلك الحاضنة بعدما تخلت عنهم الدول السنية، والعربية منها تحديدا ولم يبق أمامهما لموازنة الإقصاء والتهميش الذي يعانوه إلاّ منح "داعش" الغطاء الذي تريده.
ومعان التي تعاني التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، تعتبر مركزا مهما سوءا لإنصار "الدولة الإسلامية" أو لأنصار تنظيم القاعدة، والبروز العلني لأنصار التنظيمين ما كان له أن يحدث لولا غض أبناء معان الطرف عن وجودهما في نطاقهما الجغرافي طالما الدولة الرسمية لا تقيم وزنا حقيقيا لمشكلات المدنية، والمحافظة عموما.
أي أن قلة البدائل المتاحة لسنة العراق وأبناء معان سبب كافي، اختلفنا أم اتفقنا، تدفعهم إلى خيارات ربما ليست محبذة لكنها هي المتاحة للفت النظر إلى المشكلات الرئيسية والحيوية ذات الصلة بالمعيشة والمكانة والقيمة.
في الإجمال، معان تحتاج إلى معالجة جذرية لمشكلاتها، معالجة عميقة لا سطحية، قائمة على الفهم العميق والدقيق، لا الارتجال المقتصر على العقل الأمني الذي أدى بدولة ماثلة للعيان إلى اتون الفوضى وغياب الأفق.
الحكمة تقتضي أن يعاد النظر كليا بسياسة إدارة ملف معان، وإبعاد كل عناصر وأدوات التأزيم، والمعالجة سياسية اقتصادية اجتماعية.. وغير ذلك نحن كمن يعلب بـ"كرة لهب" ولا يقدر أخطارها ظانا أنه يمسك ويتحكم بكل زواياها.
علينا ان ننتبه جيدا أن هناك من هو جاهز دائما لملْء الفراغ..!!