2024-11-25 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

ثورة الملك

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

تغيرات كبيرة يشهدها المجتمع الأردني . فلم يعد بسيطاً ساذجاً جاهلاً كما كان عندما أنشأ الانكليز إمارة شرق الأردن . فالشباب الأردني صار مثقفاً منفتحا ً على الثقافة العالمية من أوسع أبوابها . إذن من الضروري أن تكيّف الدولة نفسها حتى تناسبه . الدولة الأردنية بثوبها الحالي , لم تكييف نفسها فلم تعد مناسبة للشباب الأردني . بل ليس لها علاقة بهم لا من قريب ولا من بعيد . وقد تجسد هذا واقعياً على شكل اغتراب عام (طام) يعم الشباب في علاقتهم بالدولة . وصار الفشل مصير أية محاولة تقوم أو قامت بها أجهزة السلطة لتجسير العلاقة بين الطرفين .. فالشباب (خلاص) انفصلوا عن الدولة وانتهى الأمر .. والسؤال لماذا ؟ .

سبب ذلك كما نرى, أن الحكومة إياها لم تتغير من نصف قرن , أشخاصاً ومنهج عمل .. فالقديم ثابت على قدمه . والحكومة رئيساً و طواقم أو كوادر , تتشكل كمناصب للوجاهات يتوارثها الأبناء عن آبائهم , والأحفاد عن الأجداد . هكذا كانت ومازالت , تقوم لا بهدف العمل أو الانجاز وبناء الوطن , اقتصاديا ًواجتماعيا ً , وسياسياً , وربط أجزائه بعضها ببعض جغرافياً ؛ بل بهدف الوجاهة الاجتماعية وحيازة المزارع وتكوين الثروات وخيرات الله , والحراثة على ظهور الناس الذين تحولوا إلى أدوات لخدمتهم , وأولهم الأجهزة الأمنية والجيش كمؤسسات أنشئت وطنية و تحولت مع الوقت إلى ما يشبه الحرّاس الشخصيين لأفراد الفساد ومؤسساته , فهم يقفون بأكواخهم في الحر والبرد على باب هذا الوزير أو ذاك دون أن يعلموا أن كان فاسداً ضاراً بهم وبوطنهم أو صالحاً , وعلى باب صاحب الدولة هذا أو ذاك يحجبون عنه الناس من ضحاياه , ولا يعلمون إن كان فاسداً أو صالحاً . لكن الحال التي أوصلوا البلد إليها فيها الجواب , كل ذلك مقابل حفنة دنانير لا تسمن ولا تغني من جوع , فإذا ما شارف الواحد من هؤلاء الواقعين في الأكواخ , أو في الشوارع , أو على الحدود على الفهم واليقظة كان مصيره الرمي إلى التقاعد وهو بسن الشباب وبقمة العطاء . فلا عمل يبقي له , ولا مهنة كان كقد تعلمها من تلك الخدمة السابقة , فيعود إلى منزله إذا كان له منزل منكسرا ًلا يلوي على شيء نعود إلى القول، إن الحكومة إياها (أداة طبقة السلطة التنفيذية ) لم تتغير من يومها الأول ولغاية هذا اليوم. لم تغير في نهجها . وظلت قديمة في إطارها ونهجها في العمل . أما الاستراتيجيات واستباق المشكلات والاستعداد لها ، والقدرة على الحكم فهي بريئة من كل ذلك ، براءة الذيب من دم يوسف . والسبب كما يستقر في قناعة الأردنيين اليوم أن رئيس الحكومة الأردني لا يصير رئيسا ً لأنه مؤهل لذلك بخصائصه الشخصية القيادية وأهليته لهذا الدور ، بل فقط لأنه عل صلة بالملك ليس بالضرورة الملك الحالي ، بل السابق أيضا ً ومن قبله .... الخ .

والذي حالفه الحظ  ورماه القدر بقر ب ملك أو بقرب أية جهة لها علاقة بالملك فتحت الطريق أمامه ليصير رئيسا ً لوزراء الأردن إذ لا سبيل غير ذلك بسبب حرمة الأحزاب وبالفعل يجعل منه الملك رئيسا ً سيما أن صلاحيات الملك الدستورية تسمح له ان يفعل ذلك لعل ّ وعسى أن يــُفلح .... لكن (دولته ) لا يلبث أن يفشل لأنه ليس رئيسا ً لا بالخلقة ولا بالاكتساب ، فيضطر الملك إلى طرده ، فيطرده ، ثم (يُرأس) غيره عل الأسس نفسها ، فيفشل حتما ً ، فيطرده الملك ثم لكثرة ما يطرد أحيانا ً ورحمة بخزينة الدولة من وطأة تقاعد هؤلاء يضطر إلى العودة إلى مطرود سابق (فــَيــُرَأسـْه) من جديد تحت شعار (الوجه اللي بتعرفه..) فيفشل حتما ً فيطرده الملك.... وهكذا دواليك ما زلنا نعيش في دوامة الطارد والمطرود هذه منذ المملكة الأولى وحتى اليوم.... فغرقت البلد أو كادت أن تغرق، والعائلات نفسها التي ركبت ظهر الدولة ما زالت هي هي ، والشخصيات التي صارت (شخصيات ) من عدم ودون استحقاق ؛ هي نفسها لم تتغير حتى أن الناس كرهت أسماءهم وأسماء عائلاتهم، وكثيرون كرهوا البلد لأجلهم واليوم صار البعض يتجارأ أكثر بالقول أن الناس قد كرهوا الملك أيضا ً لأجل تلك العائلات أو الشخصيات الضعيفة المستهلكة والتي انتهت مدة صلاحيتها فعليا ً منذ حوالي 40 عاما ً على الأقل. كرهوا الملك ليس كرها ً بالملك كشخص ولا بالملكية كنظام ، وإنما بسبب هؤلاء . أما الملك فالناس صاروا يعرفون مأزق الملك الذي يعيش فيه جرّاء أفعال طبقة السلطة بل صاروا يعرفون انه يعاني أشد ّ الأمرين حتى يمرر من خلال طبقة السلطة أمرا ً ما ، وكأنه في الواقع صار وليس بيده شيء ، فإن صح ذلك ، فالملك يكون بهذه الحالة هو أحوج الأردنيين جميعا ً إلى الثورة. فالخلاص من قبضة طبقة السلطة لم يعد سهلاً على الملك ... لقد تجذّرت تلك الطبقة ومهرت في الإطباق على شرايين الدولة والحكم ... ومثل هذا الواقع إذا ما استحكم َ وقد استحكم كما يبدو. لا يعود هناك خلاصا ً منه إلا بالثورة (ثورة ملك وشعب ) إن ّ البشرية اخترعت الثورات لتصحيح مثل هذه الأحوال بالذات ولعلاج مثل هذه الأوضاع الخانقة. كان من المفروض أن تدرك تلك العائلات التي كوّنت لنفسها مع الزمن طبقة للسلطة في الأردن ؛ أن الأردن قد دخل مرحلة جديدة منذ اليوم الذي خرّجت فيه الجامعة الأردنية (أولى وأقدم الجامعات في الأردن) فوجها الأول.... ذلك كان المؤشر على أن الجهل في طريقه إلى الزوال، وان الحكومات التي وُجدت (لترعى مع أغنامها) الأردن كلّه برا ً وبحرا ً وربما جوا ً ، في وقت كان الجهل فيه هو القاعدة لم تعد مناسبة لتحكمه بعد أن صار العلم والتعليم هو القاعدة.... أما أن ترعاه بأغنامها فهذا صار مستحيلا ً بعد أن أفاق أصحاب الأرض وانتبهوا.... لكن طبقة السلطة(الظاهرة منها والخفيّة) قد تجاهلت كل ذلك وأصرت على الاستمرار بالحكم وبالمنهجية ذاتها .... وهم معذورون فهم لا يعرفون سواها، وفاقد الشيء لا يعطيه لعدم ثقة الأردنيين بأساس تصدر هذه الشخصيات للعمل العام وقيادة البلد (وتركيبهم ) على ظهور الناس على غير استحقاق . والأدهى من ذلك وأمر ّأن هذه العائلات إياها التي اعتادت على أن تستخف بالشعب طيلة نصف قرن وصارت تملك المزارع والملايين والمليارات (كما يُشاع) عيني عينك ورأس مال أي جد من أجدادهم لا يؤهله لشراء حصان جيّد أو ثور (عمّال) أو بعير أجرب هؤلاء إياهم قد طارت عينهم كما يلاحظ ويتحدث الأردنيون من الملك نفسه ومن العائلة المالكة نفسها كما سبق أن طارت من الشعب . بل أنهم تحولوا إلى أداة تحريض غير مباشر ضد الملك والأسرة المالكة بالغمز واللمز أحيانا ً وبالإجراءات والتصرفات الاستفزازية ضد الناس مباشرة لإثارتهم ضد النظام أحيانـا ً أخرى مع أن وجودهم بذاته في صدارة المشهد السياسي والاقتصادي كان بذاته مراعاة غضب الناس من الملك لعدم أهليتهم أصلا ً . فكانوا شرا ً على الملك بوجودهم من الأصل ، وصاروا شرا ً مباشرا ً عليه بتصرفاتهم الاستفزازية وهذا من طبيعة الأمور . فالذي يـُكـَـبِّر من لا يستحق لابد أن يلقى منه في نهاية المطاف ما لا يستحق ، (ومن يماشي الخواف يخوفه ) ، (ومن يماشي الضعيف يضعفه) هكذا نقول بأمثالنا ، هذا هو الواقع دون رتوش وهذا ما آلت عليه الأمور في الأردن هذه الأيام.

إن طبقة السلطة المحكمة الإغلاق وذات النواة الصلبة في الأردن ، صارت لها – كما كانت لها دائماً- مصالح محددة متناقضة بطبيعتها ودوافعها مع مصلحة الشعب ومصلحة الملك , لقد احتكرت السلطة كاملة وعزلت الشعب ن وهي غير مؤهلة لها من الأساس وعندما أَدخلت الأردن بنفق مظلم جرّاء سياساتها ، وحاولت مؤخرا ً إخراجه منه ظهرت عاجزة متخبطة وغير قادرة على العمل .فكان أن أغارت كالعادة على جموع فقراء الناس تجردهم من ثيابهم غطاء أجسادهم المتعبة عبر رفع الأسعار عن الح روقات وعن أسباب الحياة الأخرى كلها التي تشتعل أسعارها باشتعال أسعار الحاروقات ، مع أن أسعار المحروقات عالمياً في هبوط متزايد؛ لقد قيل الكثير بهذا وصار بديهيا ً .

ولنعد إلى القول، أن طبقة السلطة إياها قد ظهرت عاجزة متراخية عن العمل حد الجمود، لكنها تنشطت فجأة وسارعت خطواتها بشكل مريب عندما تعلّق الأمر بقانون الانتخاب.... فبسرعة مررته من خلال مجلس النواب، ومجلس الأعيان وبسرعة رفعته إلى الملك وأملها أن يقع الملك في الفخ.... لكن أملها خاب هذه المرة، وربما اكتشف الملك ما يعرفه الناس عن هذه الطبقة.... وهي أنها لا تـَجـِدُّ في العمل إلا في إجراء أو تشريع تعرف أنها تستطيع من خلاله أن تعيد إنتاج نفسها كطبقة حاكمة مستديمة.... ولتذهب باقي المصالح للجحيم !!!!وإلا ما معنى أن يتفق رئيس مجلس النواب الحالي ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس الوزراء (لا نقصد الرؤساء بشخوصهم بل بأدوارهم على اعتبار أن الرئيس هو المجلس والمجلس هو الرئيس) (كما جرى عليه العرف في بلادنا)، على الإسراع بتمرير قانون الانتخاب تعرف كل شعرة بأجسام رؤساء وأعضاء تلك المجالس أن الشعب كله ضده فيما عدا طبقة السلطة وأولادهم وأحفادهم وأقاربهم وأصهارهم ؟ أليس ذلك لأنه يساعدهم على إعادة إنتاج أنفسهم أو إنتاج أمثالهم من الطبقة ذاتها. كانوا يعلمون أن الناس ستقاطع الانتخابات ليس الإخوان المسلمين فقط كما قد يصورون الأمر للملك بل الغالبية العظمى من الشعب في الأرياف والحضر والبوادي أيضاً؛ ومع ذلك تصرفوا بطريقة تجاهلت هذا الواقع وهم يعلمون أن مقاطعة الشعب للانتخابات تعني فشلا ً سياسياً سيكون مخزيا ً للنظام أمام العالم ومحرجا ً للملك . ومع ذلك لم يرف لهم جفن هم ومجالسهم (أقصد المؤيدين من تلك المجالس الجالسين على مقاعد يعرفون من أقعدهم عليها) ؛ وكادوا أن يذهبوا بالبلد إلى هاوية لا يعلم مداها إلا الله ... وخيوط الخطة كما قد نتخيلها تبدأ بافتراض أن الملك قد يوقع القانون، فتجري الانتخابات على أساسه فإذا قاطعت غالبية الناس استنفرنا أجهزة الدولة الخبيرة فملأت الصناديق ، وفرخت لنا مجلس طبق الأصل عن المجلس الحالي ..... فإذا ما رفضه الشعب وأدان عملية التزوير ودخلت الجهات الدولية في الموضوع حيث يصعب تغطية مثل هذا التزوير في هذه الأيام ؛ ساعتها يمكن أن نقول للملك ... يا سيدي أنت ضغطت علينا للاستعجال... وإذا لم يعجبك القانون لماذا صادقت عليه؟؟؟فيوقعون الملك في حيص وبيص ،ويدفعونه إلى التمسك بهم للإنقاذ حسب ما يرون هم، دون ضغط منه؟


هذه ربما كانت الخطة لكن لطف الله بالبلد ألهم الملك ونبهه إلى خطورة هذا العمل فأجهضه وهذا كان متوقعاً لأن اللعبة هذه المرة كانت مكشوفة منذ أن اعتاد الناس أن يروا آذان قادة الطبقة اليوم تكاد أن تلامس بعضها وهم يتحدثون همسا ً في أي مجلس يتواجدون فيه لقد انكشفت الأكذوبة التي زرعوها بأذهان ملوك الأردن.... بأن وجودهم ( أي طبقة السلطة) في السلطة هو صمام الأمان الوحيد للنظام لأن البديل هو الشعب والشعب حسب قناعاتهم خائن لأنه إخوان مسلمين لقد ثبت أن هذا كذب.. كذب... كذب ثم إن الشعب ليس كله إخوان مسلمين ومن لا يصدق يرجع إلى سجلات الحزب. ثم أن (الإخوان المسلمون) ليسوا خائنين ، بل حزب سياسي وطني تهمته التي أشاعوا عنه أنه يعمل لأجل فلسطين.... حتى وإن صح ذلك ففلسطين جزء مغتصب من الوطن العربي ، يقضي الدين والأخلاق والعروبة على كل عربي أن يعمل من أجل فلسطين إلى أن تعود عربية، هذا هو معيار الوطنية والإخلاص، وغيره هو التآمر والخيانة بالنسبة لكل عربي وهم عرب ، أليس كذلك؟؟؟ ثم إن من يعمل من أجل فلسطين وهي البعيدة عنه، لا يمكن أن يخون الأردن حيث ولد وأقام وعاش وحيث مدارج صباه وملاعب أطفاله، وسقفه الذي يستظل به من حر ّ الشمس وبرد الشتاء ،القول بغير هذا أو الاعتقاد ولو بمثله جنون مطبق وسفه لا يساويه سفه.


إن ما قام به الملك يُمثل نقلة عملية إلى موقعه الجديد حسب الشعور العام الذي صار يتسلل إلى عقول الأردنيين ووجدانهم . أي موقعه بين صفوف الشعب . فنعم المقيم ونعم المقام . لقد صار واضحا ً للقاصي والداني أن لطبقة السلطة العتيدة ثلاث ضحايا لا رابع لها : الشعب الأردني أولا ً والملك ثانيا ً ، والوطن ثالثا ً . ومن الطبيعي أن يقف معاً أصحاب المأساة المشتركة الواحدة فكان قرار الملك كما قد يـُفهم أن يلتحم بشعبه ولتذهب توصيات ومشورات طبقة السلطة المغرضة إلى حيث تذهب وكذلك تشريعاتهم الملغومة . فكلها مسكونة بالمخاوف....ليس على الوطن .... بل على مصالحهم إذا ما حدث التغيير . ولنفرض أسوأ الاحتمالات حسب تقديراتهم... وهي أن المجال إذا فتح ديمقراطيا ً وبشكل حقيقي حكم الإخوان المسلمون، لنفرض ذلك ... والسؤال ماذا يضر الملك أن يحكم الإخوان المسلمون أو غيرهم ها هم حكموا بأقطار عربية أخرى ماذا حصل ؟ هل قامت القيامة ؟؟ ثم إن العالم تغير بما فيه الشعوب العربية وأولها الشعب الأردني فهي اليوم غير ما كانت عليه بالأمس ، وإذا ما صار المجال ديمقراطيا ً زادت قدرة هذا الشعب عل أن يطيح بالإخوان المسلمين أو بغيرهم إذا ما الحقوا أدنى ضرر بالبلاد والعباد !إذن ما الداعي إلى الخوف من أن يحكموا.... هذا إذا حكموا فعلا ً وأوصلتهم الصناديق إلى ذلك فما المانع وأين الخطر ؟؟؟ والشعب أقوى من أي مصدر للخطر . فلماذا الخوف من قوي (إذا افترضنا أنه قوي ) على من هو أقوى منه بمقدار لا محدود (الشعب ) أعتقد أن الخوف والتخويف من أي حزب كان في عصر الديمقراطية صار خرافة مضحكة حان الأوان للكف عنها فلا حزب إذا انحرف بقادر من الآن فصاعدا ً على الصمود في وجه الشعب .

إن طبقة السلطة الاحتكارية في الأردن، بقدر ما عملت على تجريد الملك من صلاحياته الفعلية ، عبر آلية تفريغها من مضمونها بذريعة التمسك ولو بالظاهر بأوامر الملك التي يكون قد صرح بها أمام الشعب، وبقدر ما استأثرت بالعمل وفق مصالحها المتعارضة بطبيعتها مع مصالح الملك والشعب ، عملت بالمقدار نفسه على إشاعة أن الملك هو (الكل بالكل) وانه لا يتحرك ولا يسكن ساكن إلا بمعرفته وإرادته، والقصد أن يقولوا (لو اعتادوا الصراحة والصدق)بأنه لا يفسد فاسد إلا بإرادته وموافقته ، ذلك أن الكثيرين منهم فاسدون والفاسد من طبعه أن يبحث دائما ً عن غطاء لفساده أو عن تبرير لهذا الفساد فجعلوا الملك غطاء لفسادهم ، فكان ضحيتهم الثانية بعد الشعب.
واليوم يرى الناس ان الملك صار يضطر إلى أن يتصدى مباشرة ومنفردا ً لأفعالهم وتشريعاتهم (الملغومة ) بعد أن ما عاد له سند من نواب أو أعيان .

إن هذا الواقع مؤهل لأن يدفع إلى الاستنتاج بأن الحبل لم يعد طويلا ً أمام طبقة السلطة حتى تنكشف خطورة ألاعيبها كاملة. وان التغيير الإصلاحي المرفوض بشدة منهم ،قادم بإرادتين متحدتين لأول مرة كما يشيع اليوم بين الأردنيين ، إرادة الملك وإرادة الشعب،ولتذهب إلى حيث تريد إرادة قوى الشد العكسي (إرادة طبقة السلطة) التي صارت عتيقة وبالية ونتنة برائحة تزكم الأنوف . فالشعب الأردني قد تغير والملك رأس الدولة راغب بشدة (كما صرّح بذلك ) بالتغيير الإصلاحي ، لكنه مثل شعبه ضحية مقاومة شرسة كما يُظهر واقع الحال من رجال تمرّسوا بالسلطة وأتقنوا فن المراوغة ونصب الأفخاخ لكل من يقف بطريقهم أليس هم طبقة السلطة المتغولة في الأردن ؟ كان على طبقة السلطة أن تخلص النصيحة بدل أن تنصب الفخاخ .. أن تخلص النصيحة ولو مرة واحدة من باب رد الجميل لرأس الدولة الذي حمـّلها الأمانة وأن لا تدير البلد بمنهج كيدي وعيونهم على هذه المجموعة أو تلك ، أو هذا الحزب أو ذاك نكاية . فالأردن أكبر من طبقة السلطة وأكبر من أي مجموعة مهما كانت . وهو كبير بنظر العالم وكبير بدوره وبشعبه المتعلم المنتج الذي بنى دولة من لاشيء لكنه للأسف صغير بإدارته وحكوماته، حقيقة صارت واضحة للداخل والخارج. لقد أخلصت طبقة السلطة في قطر شقيق النصيحة للملك فوسع باب الديمقراطية دون خوف . ونجح ولو نسبيا ً .

قلدوهم إذا استطعتم ولو من باب رد الجميل عن كل النعم التي (تتمرمغون) فيها بقصور عبدون ودابوق وكل الناس من حولكم جياع وعاطلين عن العمل... يدربون أبناءهم على مهنة ولا فائدة، يعلمونهم في الجامعات ولا فائدة، وكل ذلك نتاج سياساتكم الفاشلة الساقطة !!.

الأردن قد تغير ... ولم تعد رئاسة الحكومة أو مجلس النواب أو الأعيان باشوية وفشخرة فارغة ، بل صارت مواقع للكفاءات الشخصية وليس للعائلية . فإذا تصدى لها غير مؤهل أو وارث مدلل ، لن يطال منها بعد اليوم سوى البهدلة وقلة القيمة والرجم بأوسخ العبارات وأقذع الكلام حتى ينسحب – قبل أن يُسحب- مذموما ً وفاشلا ً مدحورا ً . إنها روح العصر أيها الذوات عصر الحريات وأنتم غير معتادين عليه ، فانسحبوا من عصر ما عدتم تنتمون إليه . دعوا الملك يقود البلد بعقليته الشابة الحداثية ، وليتراجع إلى الخلف عجائز العقود البائدة المسكونون دائما بهاجس الخوف على امتيازاتهم وامتيازات أبنائهم وأحفادهم بعد التغيير .


إن ما جرى بين الملك وبين طبقة السلطة في هذه الظروف الحساسة جدا ً والخاصة جدا ً ... بشأن قانون الانتخاب وما سيجري ربما مستقبلا ً بأمور أخرى ، ما هو إلا بداية لصراع كان متوقعاً بين طبقة السلطة التي تغولت كثيرا ً من جهة وبين الملك والشعب ضحايا هذه الطبقة من جهة أخرى . فانتبهوا واعقلوا يا متغولين قبل أن يتغول الشعب ، فغول الشعب لا يصمد أمامه غول . وإن ثار فقائد ثورته هذه المرة ملك ... واحسبوها أنتم .


بعد الذي جرى ربما صار من الأفضل للشعب والملك أن تـُـصرف المجالس الثلاث ليعتمد في إدارة الدولة على مجلس استشاري وطني من شخصيات مؤهلة مرموقة تعجّ بها مناحي هذا الوطن يعملون على قيادة البلد في هذه المرحلة الحساسة ويؤسسون مع الملك. حكماً أردنياً ديمقراطياً حقيقياً على المستوى التشريعي أولا ً وقبل كل شيء وعلى مستوى آليات التنفيذ في مستويات السلطة الأخرى دون عجلة أو تسرع . فالشعب ما كان يوما ً عجولا ً بل صابراً، وصبره يصبح بلا حدود على أي عمل يشعر أنه إصلاحي ، إذا ما تأكد من حسن النية وسلامة المقصد.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير