عون الخصاونة "نموذج"رفض الابتزاز
يبدو أن الهجوم على رؤساء الوزارات صارت عادة بعض الكتّاب المتسلقين. فالمتسلق حيثما وجد ، ما أن يجد رئيس الوزراء قد تجاهله لأنه لا يستحق ، ولم يضمه إلى طاقمه التنفيعي، حتى يشن عليه حربا ً على صفحات بعض الصحف الجديدة التي جاءت إلى السوق ولا لها إلا أن تنافس الصحف الكبيرة الأعرق منها والأقدم ، وربما تكون قد جرّبت كل الوسائل لتحصيل الدعم الحكومي وفشلت ، إلى أن استقر رأيها كما تشير ظواهر الأمور على أن تتبنى بعضاً من هؤلاء المتسلقين ، استثمارا ً لمهاراتهم في الردح والقدح المباشر وغير المباشر بهذا الرئيس أو ذاك، أملا ً في أن يدفع الرعب بهؤلاء الرؤساء إلى ضم هؤلاء إلى طواقم التنفيع فيستفيدون ويفيدون. فالرئيس يستفيد بأن يسلم من التجريح، والكاتب يستفيد مناصب و امتيازات ورواتب تقاعدية مؤبدة ، والصحيفة تستفيد بأن تجد الدعم من هذا (الواصل ) الجديد إلى طبقة السلطة بأن يخصها بالدعم أو يشجع الآخرين من طبقة السلطة على أن يخصوها بالدعم والإعلانات مثلا ً ، حتى تبقى أبوابها مفتوحة له ،بعد أن يعود من الجمعة المشمشية الرسمية ضمن طواقم طبقة السلطة. وبذلك تكون الصحيفة قد استثمرت في مثل هذه الشخصية ونجحت في استثمارها ، ونجحت الشخصية في أن تتحول إلى سلعة للبيع لكل من يدفع الثمن .
بالأمس القريب وأثناء ولاية الدكتور عون الخصاونة كان لسان احد هؤلاء قد اندلق شبراً إلى خارج فمه، منتقدا ً وقادحا ً بأداء الحكومة ورئيسها ، بل ووصل الأمر إلى حد شخصنة النقد .... ولا اعتراض لنا على النقد بذاته لأن كل من يتصدى للعمل العام من الطبيعي أن ينتقد الناس أداء وأن يلومونه على أي تقصير ؛ شريطة أن يكون ذلك موضوعياً ولغايات سامية . لكن من غير الطبيعي أن ينطلق الناقد من منطلق شخصي نفعي بحت أو عن (حـَرَدْ) وانفعال لأن الرئيس المستهدف لم يضمه إلى طواقمه وقد أخطأ من كان قبله وضمه وكذلك من جاء بعده .
وقبل د. عون الخصاونة ، تعرّض الدكتور البخيت وحكومته لهجوم وانتقاد مشابه، لكن ما إن جاءت حكومة سمير الرفاعي وضم أمثال هؤلاء المتسلقين إلى طواقم حكومته حتى أغلقوا أفواههم وأصيبوا بالخرس أو ما يشبه الخرس ..... وكأن الوطن أصح بخير كله . بعد أن وصلوا إلى طبقة السلطة. نحن هنا لا هدف لنا أن ندافع عن عون الخصاونة أو عن البخيت ولا نمدح غيرهم ؛ لكنني أراقب بدقة منهج العمل لكل رئيس حكومة، وبناء على ذلك أتساءل : طالما أن الحكومات الأردنية هي ذاتها ورؤساء الحكومات من "المخزن نفسه " والقالب هو القالب نفسه غير مسموح لأي رئيس أن يتجاوز حدوده، إلا بحدود ما تسمح له مرونته السياسية الشخصية غير المؤثرة سلبيا ً على الثوابت ؛ إذن :
أين المنطق في هجوم أمثال هؤلاء الصحفيين على فلان والسكوت عن فلان ؟؟ الاختلاف هو وجودهم في طاقم فلان وغيابهم عن طاقم علان، فهل معنى وجودهم في طاقم أي رئيس، شهادة براءة وكفاءة لهذا الرئيس وتلك الحكومة ، وغيابهم عنها شهادة إدانة واتهامات ؟؟!! ألا يعني ذلك بأنه غرور ما بعده غرور؟؟؟ ووهم ما بعده وهم؟؟ إذن فالحكومات، تصلح بوجودهم، وتفسد بغيابهم؟؟!!! هل يعقل أن يكون في بلانا أناس يفكرون بهذه الطريقة البدائية ونحن في القرن الواحد والعشرين عصر تدفق المعلومات الهائلة من مصادر لا تحصى؟؟؟
لو كان هناك استعداد للموضوعية ، لماذا لا يـــُذكر ويــُحسب لعون الخصاونة أنه رئيس حكومة حاول أن يضفي شيئا ً من العقلانية على عمل مجلس الوزراء وعلى سياسة الحكومة في تعاملها مع قوى الشعب الفاعلة سياسيا ً ؟؟!! وأنه حاول احتواء المتناقضات لإيجاد سياق عام فيه شيء من التجانس كي يستطيع الأردن أن يتعدى هذه المرحلة القلقة من تاريخه ؟!إن من ينجح في كسب ثقة جماعات الدين السياسي وهو المحسوب على الصف العلماني ، يعني ان لديه حنكة وقدرة شخصية استثمرها شخصيا ونجحت ! لماذا لا يحسب له ذلك ؟؟!! ثم إن عون الخصاونة لم يهرول إلى منزل رئيس الحكومة الرسمي ، وفضّل البقاء في منزله الشخصي القديم....
ألا تعتبر هذه نقطة لصالحه (كمؤشر شخصي أخلاقي وسلوكي على الأقل رغم عدم أهميتها موضوعيا ً) لكنها ينبغي أن تكون هامة من منظور هؤلاء الصحفيين الذين يلهثون سعيا ً وراء السلطة ، فمثلهم قد لا يتورع عن الانطلاق كالسهم نحو البيت الرسمي لرئيس الوزراء لو كــُـلّف بمهام رئيس الوزراء – لا سمح الله– ولو كان هذا البيت خيمة، فالصغار يكبرون بالأشياء لأنهم أقل شأناً،منها وخفيفوا الوزن يميلون إلى تثقيل أوزانهم ولو بأكوام الحجارة والقصور . أن يأبى الرئيس الانتقال إلى قصر رئيس الوزراء يؤشر على أنه لن يقبل بأي رشوة لو قدمت له من أية جهة مهما كانت ؛ وهذا يدل على أن الرجل ليس للبيع وإن حاول البعض شراءه فلن يستطيعوا توفير الثمن وإن وفروا الثمن فلا بائع هناك بالقطع. وهذه ميزة جديدة علينا، ومن المحاسن التي توجب الموضوعية ذكرها، مع أنني أشك كثيرا ًحتى بوجود الاستعداد لديكم أن تذكروا محاسن من أحسن إذا غابت عنكم أُعطياته وتنفيعاته ....
أ.د. إدريس العزام