الأردن في دائرة الخطر الاقليمي!
تطوران مهمان حدثا أخيرا، لم يلتفت لدلالاتهما الإعلام في المنطقة على نحو كاف، وإن كان يتوقع أن يكونا لفتا وأثارا مخاوف المستويات السياسية والأمنية في المنطقة، وهما:
1. مقتل رهنية فرنسي في الجزائر على يد مجموعة جهادية موالية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش سابقا) بعد ما أمهلت المجموعة فرنسا عدة أيام؛ للخروج من "التحالف الأميركي" المتصدي للدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
2. الأخطر من مقتل الرهينة الفرنسية، الإُعلان عن تشكيل تنظيم في اليمن والسعودية يحمل اسم "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب"، هدد بتنفيذ هجمات انتقامية في عواصم التحالف الدولي، وذكر عواصم محددة بينها عمّان.
إذا ما اضفنا إلى هذين الأمرين الواضحين - مع توقع تفاصيل أخرى مخفية في مناطق أخرى- إعلان منطقة "درنة" الليبية مبايعة أمير الدولة الإسلامية "أبو بكر البغدادي"، فان الأحداث وترابطها يكشف عن مسار تصاعدي في تمدد "الدولة الإسلامية" خارج حدود العراق وسوريا.
ولا يعني هذا أن التمدد تمت إدارته بصورة منسقة من مركز التنظيم في العراق، بل على الأرجح هي مجاميع تماهت مع تنظيم الدولة وأسرها فعل الدولة ونشاطها وقوتها وعمق فكرتها وما حققت من انجاز على الأرض فأعلنت ما أعلنت من إعدام رهينة فرنسية إلى تشكيل أول فرع للتنظيم خارج منطقة الصراع في العراق وسوريا.
وأي فروع يتم تشكيله خارج العراق سوريا، من فورها سترتبط عضويا وتنظيميا وفكريا وقيادة بإدارة التنظيم في العراق، مع فرصة أن تدير ذاتها إن انقطعت الاتصالات مع مركز القيادة.
وأي إنكار لوجود أنصار لتنظيم الدولة الإسلامية في كل الدول العربية وعلى نطاق العالم، هو إنكار لا يقوم على يقين ولا على إدارك حقيقي؛ بل أن أنصار التنظيم في تزايد وحاضنته تتسع، ولا فرصة نهائيا للقضاء عليه لا بضربات عسكرية جوية ولا بعمليات برية واسعة أو محدودة.
ويأتي إنشاء تنظيم "أنصار الدولة الإسلامية في الجزيرة العربية"، مجرد بداية يجب أن تثير قلق دول المنطقة.. والخليج العربي تحديدا، ومن ثم قد تكون الأردن -من بينها- ومن المجموعة الأولى المستهدفة بحكم مشاركته العلنية بالعمليات الجوية، ولاحقا ربما العمليات البرية.
..وفي الحقائق: فرع الجزيرة العربية حدد بالاسم "العواصم" التي سيستهدفها، ففي بيان نشره "مركز إعلام المجاهدين"، هدد بتنفيذ هجمات في "واشنطن وأربيل ولندن والرياض وطهران وعمان"، محذراً من أن "كل من تزعّم هذا التحالف الصليبي الرافضي ستصله سهامنا في عقر داره".
ويتوقع أن تتولى الفروع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي" لحظة ما"، ستبدأ عمليات انتقامية بهدف إرباك الدول المشاركة في "التحالف" ورفع كلفة مشاركتها في استهداف "الدولة الإسلامية" في العراق سوريا.
..ما يعني ذلك على المستوى المحلى في الاردن؛ يعني أن الأردن الذي" تورط" في حربه العلنية ضمن "التحالف"، مع احتمال رفع مستوى هذا التورط، يحتاج إلى مقاربة أمنية استثنائية، وألا يقلل من المخاطر أو يستخف بها، وألا يعول على أن أميركا ستنخرط كليا في ضمان أمنه الداخلي، وألا يتوقع أن ترحب الرافعة الاجتماعية، بأي تدخل إسرائيلي للمساعدة في التصدي لمخاطر التنظيم سوءا أكانت هذه المخاطر نتيجة السيطرة على منطقة جغرافية أو عمليات استهداف منتقاة لمصالحه ومصالح الدول الحليفة على أرضه.
نعم، الأردن في دائرة الخطر!..
ومهما بسطت وقللت الدولة وإعلامها من هذه المخاطر، فهو تبسيط ساذج وسطحي!.
..اما على صعيد التغني بالامكانات، فالأمر ليس أكثر من حالة نفاق جاهلة أو متجاهلة، ولنا بتفجيرات الفنادق دليلا واقعيا يقاس عليه.
فالأردن، كما دول أخرى، في مواجهة مخاطر من تنظيمين؛ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، والتخطيط الأميركي لحرب طويلة تستمر لسنوات في العراق وسوريا، يعني الإبقاء على المنطقة في مواجهة المخاطر فترة طويلة تستنزفها وتستنزف قدراتها الأمنية والاستخبارية والاقتصادية، ومع مرور الزمن يُحدث الارهاق؛ ثغرات يمكن التسرب منها لإحداث هزات أمنية ليست بالهينة.
كان يمكن للأردن أن يدير علاقته بـ"التحالف الأميركي" بذات الطريقة التي تدير بها تركيا علاقتها به، فأنقرة تضع في حسابتها أمنها واستقرارها الداخلي على رأس أولوياتها كما تضع أمن حدودها، وهي تقيس خطواتها بدقة وعمق وتقدر المخاطر تقديرا موضوعيا لتقليل الكلف التي يمكن أن تدفعها نتيجة انخراطها في المواجهة.. لذلك كانت الحكومة التركية حريصة على أخذ الغطاء من البرلمان ومن أحزاب المعارضة.
إن الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تحصل عليها الدولة أو فئة من الدولة لا تبرر أن ننخرط في حرب على النحو الذي انخرطنا به، وكان يمكن أن نبقي مستوى تدخلنا على نطاق منخفض لتقليل المخاطر وعدم الاستعجال في جلبها.
لكن المقلق أن مستوى انخرطنا- تشي المؤشرات- انه سيتسع وعلنا، فتستجلب الدولة المخاطر وتصيبها خارج وداخل حدودها.
اختصارا.. أكاد أجزم، أن لا تقادير دقيقة، تمتلكها "الدولة الأردنية" عن مآلات الأحداث في المنطقة، لا أمنيا ولا سياسيا، فأميركا لم تطلع أي من أنظمة المنطقة على استراتيجيتها الكاملة، بل على جزئيات تتعلق بدور كل نظام ونطاق الحركة المطلوب منه.. كما لا تعلم المنطقة، باليقين، الأهداف الأميركية البعيدة المدى من سلوكها في المنطقة.
في النهاية الأردنيون سيحمون بلدهم، ويعالجون أخطاء المستوى الرسمي وسوء تقديره لخطواتها وأفعالها..