الأردن وحتمية التدخل البري.. أي الحسابات أولى.. المصالح أم المخاطر؟
تدرك الإدارة الأميركية مسبقا أن عملياتها الجوية في العراق وسوريا لن تحسم المواجهة مع الدولة الإسلامية، إذ لديها نماذج مماثلة في اليمن وافغانستان وباكستان والصومال.
وتدرك الإدارة ذاتها أنه ليس بمقدور الجيش العراقي أو قوات البشمركة الكردية أو الجيش الحر والتنظيمات المعتدلة في سوريا أن تطرد التنظيم من الحيز الجغرافي الذي تسيطر عليه.
هذه حقيقة مؤكدة في الإطار الزمني الحالي على الأقل، لكن أميركا عندما قررت التدخل في سوريا والعراق، تعمدت أن تحيط بالغموض، إلى حين، أمرين، هما: الحاجة إلى تدخل بري حاسم، وكذلك أهدافها الكبرى من استراتيجية المواجهة.
أكثر الأطراف التي حرصت أميركا على ضمها إلى تحالفها هي الدول العربية السنية، أكثر من الأوروبية، وأرادت من هذا التكتيك تحقيق سلسلة أهداف:
أولها: ضمان غطاء عربي سني لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية السني كي تقلل من أثر مصطلح "الحرب الصليبية".. وهي كذلك استبعدت إيران، مرحليا، خشية إعطاء الحملة بعدا طائفيا شيعيا.
الثاني: أرادت من بناء التحالف الدولي الحصول على أوسع تمثيل دولي يمنح استراتيجيتها الشرعية الدولية الكافية، ويجنبها الحاجة إلى طلب موافقة مجلس الأمن تحسبا للفيتو الروسي الحتمي نتيجة إصرار موسكو على السير في سياق المؤسسات الأممية ذات الصلة والحصول على موافقة الدول المستهدفة (سوريا خصوصا).
الثالث: وهو الأخطر، أن أميركا لا تريد من الدول العربية السنية الغطاء السني فقط، وإنما تريد قواتها العسكرية للتدخل البري، في ظل التزام "باراك أوباما" عدم إنزال جنوده على الأرض.
أين الأردن من العمليات البرية؟
عندما جمعت وزارة الدفاع الأميركية 22 من رؤساء أركان الجيوش العربية والغربية، منها الأردن، كانت تهدف أن تصل تقييماتهم لسير العمليات الجوية أن الأمر لا يحسم بغير عمليات برية.
لكن العديد من رؤساء الأركان أكدوا ألا تفويضات سياسية لديهم لاتخاذ قرار الاشتراك بالعمليات البرية، واكتفوا بتقييم الواقع الراهن ومآلاتها المستقبلية وتركوا للرئيس الأميركي محادثة رؤساء الدول المشتركة في التحالف لترتيب، أو بالأصح، انتزاع قرار الاشتراك بعمليات برية.
بطبيعة الحال، الأردن جزء من التحالف الدولي، وتتضاعف أهميته بالنظر إلى أمرين، هما:
أولا: موقعه الجغرافي، واشتراكه بحدود مع العراق وسوريا وصلاتها القوية مع العشائر السنية في العراق وبدرجة أقل نسبيا في سوريا.. بمعنى أن للأردن قيمة استراتيجية على صعيد تنسيق العمليات والدعم اللوجستي.
ثانيا: في الأردن جيش محترف وقوي لم يجر استنزافه في أية حروب أو أزمات داخلية، ولديه قدرات استخبارية متراكمة في التعامل مع التنظيمات الجهادية فضلا عن صلات قوية مع العشائر داخل الحدود العراقية والسورية.
نظرا للميزتين النسبيتين، الجغرافيا والإمكانات العسكرية والاستخبارية، فالأردن سيكون في مواجهة طلب أميركي، وضغط خليحي، وسعودي- إماراتي تحديدا، للاشتراك في العمليات البرية.
مشكلة مستويات القرار السياسي الأردني انها لا تلتفت بدرجة أساسية للوضع الداخلي وردود فعله المحتملة، بل هي أكثر اهتماما بمتطلبات الحليف الأميركي، وكأنها متأكدة من قدرتها على احتواء الداخل لصالح الخارج.
وكأنها، أي عمّان، مقتنعة ألا قدرة لديها على الاعتراض السياسي على أي طلب توريطي أميركي لجيشها، بالنظر إلى الالتصاق التحالفي مع واشنطن، وكذلك لتعويلها على أميركا والخليج بتعويضه ماديا، إنْ لفائدة الدولة أو فائدة أطراف في الدولة.
ويلاحظ هنا، أن دول الخليج تتجه إلى التنصل من أي دور في العمليات البرية، فلديها خشية حقيقية من تداعيات متعددة ومتنوعة من مثل هذا التدخل.
وتركيا ذاتها لديها حساباتها وهي توازن تدخلها بما يتلاءم فقط مع مصالحها وأمنها القومي، لذلك هي تصمم مقاربة تركية بامتياز وتأخذ بالاعتبار انتقاما محتملا من قبل تنظيم الدولة وكذلك مأزق الدولة الكردية المحتملة، ومعضلة اللاجئين السوريين..
وأكثر ما يلفت أن تركيا تصر على أن مشاركتها بعمليات برية مرهون بمشاركة دول التحالف، خصوصا أميركا، بالعمليات البرية.
والحال هذه، فالأردن لا يملك خياره وأحيانا قراره، وهو مضطر بحكم عوامل ومعطيات كثيرة إلى التماهي مع المطالب الأميركية والاستجابة لها بغض النظر عن المآلات.
وأحيانا، لا توحي الدولة الأردنية أن لديها مقاربة خاصة تراعي مصالحها وأمنها القومي، وعلى نحو بدا وكأن الشأن الأردني كله مربوط عضويا بالسياق الأميركي وبسياق مصالح فئة محددة ومحدودة.
بالمحصلة، الأردن سيشارك بالعمليات البرية، أكانت المشاركة عبر القوات الخاصة فقط أو عبرها إلى جانب صنوف الأسلحة الأخرى.. إلاّ إذا اتخذ الأردن قرارا تاريخيا من واقع مصالحه ورفض مثل هذه المشاركة مكتفيا كما دول الخليج بالمشاركة الجوية والدعم اللوجستي، وهو أمر مشكوك في حدوثه.
أين المخاطر على الأردن؟
يواجه الأردن مروحة من المخاطر، ولابد أن يكون لديه تقديرات عميقة لها وأن يتوافر على خطط تستجيب للتحديات وتقلل من النتائج السلبية، إذ لا نتائج إيجابية إطلاقا من تورطه وعلى أي مستوى، كما لا نتائج إيجابية عليه من مجمل ما يحدث في المنطقة.
والمخاطر المحتملة على الأردن كالتالي:
أولا: ان المشاركة البرية، لا قدر الله، ستجلب العديد من الجثامين، فلا يجب توقع أن تشارك في حرب ولا تخسر جنديا واحدا، فهذا خيال مفرط وتقدير ساذج لا يستقيم مع المنطق.
ثانيا: الأردن سيتعرض لعمليات انتقامية من تنظيم الدولة الإسلامية، وفي السياق من المحتمل ان يستغل تنظيم القاعدة الحالة أيضا لإنفاذ مخططاته محليا.
ثالثا: سيكون النظام السياسي في مأزق مع رافعته الاجتماعية التي ستحتج نتيجة خسائر بشرية بسبب المشاركة في التدخل البري، أو تنفيذ عمليات انتقامية.
رابعا: يتضاعف مأزق مستويات القرار السياسي الأردني مع رافعته الاجتماعية بالنظر إلى أن قرار الحرب اتخذ منفردا، ومن مجموعة ضيقة، ولم يؤخذ بالحسبان لا البرلمان ولا القوى السياسية والاجتماعية وكأنها غير معنية بالأمر، بمعنى أن القرار السياسي لم يأخذ الغطاء السياسي والشعبي اللازمين.
خامسا: بعد إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية في الجزيرة العربية" وتنظيم "مجلس شورى شباب الإسلام" في ليبيا (منطقة درنة).. يكشف تنظيم الدولة الإسلامية عن تمدده خارج الجغرافيا السورية والعراقية، وبما أن الأردن يتوافر على بضع مئات من أنصار التنظيم فلا يستبعد أن ينشأ فرع له في الأردن أو على الأقل خلايا يجري تفعيلها للانتقام.
سادسا: ماذا عن طائرات (ميج 21) التي تبين أن التنظيم يملكها (ثلاث طائرات) وحلقت في سماء سوريا، أليس منها مخاطر على الدول المجاورة وعلى القوات التي ستعمل برا في سوريا، وربما العراق أيضا.
كان يفترض أن يستفيد الأردن من السياق الأميركي والأوروبي الذي جاء إلى المنطقة بغطاء برلماني شعبي، وحتى تركيا لم تتخذ قرار الحرب إلاّ بعد موافقة البرلمان، وحتى انها حاولت باستماتة أن تتحصل من أحزاب المعارضة غطاء للتدخل.
إن الأردن يدخل مغامرة كبرى، لا نعلم على اليقين مدى مقاربتها لمصالحه، ومدى تقديره لمخاطرها، ومدى استعداده لمجابهة تداعياتها ومآلاتها، وكيف سيبرر للشعب الخسائر المحتملة..
ببساطة شديدة.. لنخشَ على جيشنا كما تخشى أميركا على جيشها .. ولنعالج كل أسباب التطرف محليا بمقاربة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، إذ لم يثبت على اليقين أن المقاربات الأمنية تعالج مثل هكذا مخاطر!!