مأزق الدولة في طبقة الحكم ..!!
راكان السعايدة
جو 24 : لم تدرس يوما، بصورة علمية ومنهجية، خصائص طبقة الحكم في الأردن، من حيث تطورها، وكيفية اختيارها، وعلى أي أسس ومعايير.
وبقي التقييم لهذه الطبقة، عاما لا تفصيليا، وفي الأغلب انطباعيا، أو في سياق صورة نمطية شكلت من واقع تقلب هذه الطبقة بين المناصب القيادية، وما يصدر عنها من فعل أو قول.
لكن يمكن التمييز بين طبقتين، بدا أن بينهما قدر كبير من التمايز؛ طبقة ارتبطت في أذهان الناس، تذكرها وتتذكر ما لها وما عليها، واخرى بدت طارئة على الناس لا تمكث في ذاكرتهم إلاّ برهة وتتلاشى.
طبقة حكم قديمة، بالمعنى الزماني، ارتبطت بالناس، ولم تكن منفصلة عن الواقع، وإنما كانت أكثر التصاقا بقاعدة الدولة الاجتماعية ونظامها السياسي، يعرفون الناس ويعرفونهم، ويذكرون أغلبهم بالإسم.
تلك طبقة ولّت ومضت، والآن الناس في مواجهة طبقة مختلفة؛ تكاد، أو هي كذلك فعلا، منقطعة الصلة عن الواقع، ارتباطها العضوي بمصالحها، تكيف سلوكها بما يعظم هذه المصالح ويديمها، وليس شطرا تميزها وقدرته على إبداع الحلول للمشاكل.
الطبقة الجديدة، لا تهتم كثيرا بصورتها في ذهن الناس، ولا يعنيها ترك أثر في الذاكرة والوجدان، هي منخرطة في تثبيت وجودها داخل أروقة الحكم، حتى لو كلفها ذلك قيمتها ووجودها بين القاعدة الاجتماعية.
لا ترى تلك الطبقة انها مرتبطة بالناس، وبالتالي فلا ضرورة أن تتلمس أوجاعهم وحاجاتهم، وما يعانون من ضيق وانسداد أفق، وغموض مستقبلهم، بل ترى نفسها، أي تلك الطبقة، مرتبطة بمن يديرها، أي ان ناس تلك الطبقة لا يشغلهم إلاّ المداورة بين كراسيها.
ورجال الدولة، أغلبهم ولن نقول كلهم، في وقتنا الراهن، لا يعرفهم الناس ولا يعرفون من تاريخهم أو عنه شيئا، ولم يكرسوا في أنفسهم مواصفات رجال الدولة، ولا يوازنون بالقدر الكافي، وأحيانا لا يوازنون نهائيا، بين مصالح طبقتهم واشتراطاتها، ومصالح القاعدة الاجتماعية.
وإذا ما اضطر أحدهم للمفاضلة، في لحظة حاسمة، بين طبقة الحكم والقاعدة الاجتماعية، يختار طبقة المصالح والمنافع، أي ينحاز كليا لمصالحه داخل طبقة الحكم، ولو استدعى، وهو غالبا ما يستدعي، حمل أجندة تفتك بالناس.
ذلك بارز، لا لبس فيه، في حاضرنا، يميز أغلب مسؤولينا، ممن لديهم الاستعداد الذهني للتخلي عن قيم وأخلاقيات ذات صلة بقاعدتهم الاجتماعية، ويتنازلون عن قيم الارتباط بالواقع، لصالح إثبات جدارة منقوصة من الناحية القيمية، تبقيهم في دائرة الحكم.
هذا مأزق الحكم في الأردن، مأزق خطير، لا يحتمل التهوين، وليس ذلك ضرب من التهويل، فطبقة الحكم منقطعة الصلة بالناس، ترى نفسها في الجهة المقابلة لهم، سياساتها وتوجهاتها وقراراتها موجهة لضمان البقاء داخل دائرة الحكم، بكل ما يعنيه ذلك من أنين الناس، وأوجاعهم، جراء تلك السياسات والتوجهات والقرارات. لا يجهدون أنفسهم، أي رجال الحكم، إلاّ في تبرير وتسويق ما يقررون ويفعلون في الناس، ويحرصون على عدم الاقتراب لمسافة كافية منهم، كي لا يكتشفوا حجم الهوة، وسعة الفجوة القيمية والاخلاقية ومقدار تآكلهما.
إن مثل هذه الطبقة، منزوعة الدسم، لا تنتج إلاّ المزيد من الانفصال، الذي يتعاظم مع الوقت، بين الحكم وقاعدته الاجتماعية، لأن الأصل في طبقة الحكم انها "مجسات" و"حساسات"، تلتقط نبض الناس، وتعمل بما يؤكد عمق الصلة بين الحكم وقاعدته، لا أن تزين الواقع بخلاف ما فيه.
ليس من سبيل لتجاوز هذا الخطر المتراكم، إلاّ بتجاوز أساس ومعايير انتقاء واختيار رجال الحكم، واستبدال طبقتهم بطبقة مرتبطة بالناس، صادقة مع النظام، أولويتها ليست التضحية بالقاعدة لصالح البقاء داخل الطبقة، بل الموازنة بين أساسيات الدولة.. فما عاد ينفع تدوير الكراسي والجالسين عليها.
الأردن يفتقد لرجال الدولة، كما ينبغي أن يكون رجال الدولة، والناس يفتقدون طبقة حكم تأخذهم بالاعتبار، وتقيم لهم وزنا، وتجعل لهم قيمة.. فالناس ليسوا للجباية وتأمين النفقات، وحدودهم محدودة في تحمل القهر والذل، وتحمل وجوه غريبة مستغربة.
وبقي التقييم لهذه الطبقة، عاما لا تفصيليا، وفي الأغلب انطباعيا، أو في سياق صورة نمطية شكلت من واقع تقلب هذه الطبقة بين المناصب القيادية، وما يصدر عنها من فعل أو قول.
لكن يمكن التمييز بين طبقتين، بدا أن بينهما قدر كبير من التمايز؛ طبقة ارتبطت في أذهان الناس، تذكرها وتتذكر ما لها وما عليها، واخرى بدت طارئة على الناس لا تمكث في ذاكرتهم إلاّ برهة وتتلاشى.
طبقة حكم قديمة، بالمعنى الزماني، ارتبطت بالناس، ولم تكن منفصلة عن الواقع، وإنما كانت أكثر التصاقا بقاعدة الدولة الاجتماعية ونظامها السياسي، يعرفون الناس ويعرفونهم، ويذكرون أغلبهم بالإسم.
تلك طبقة ولّت ومضت، والآن الناس في مواجهة طبقة مختلفة؛ تكاد، أو هي كذلك فعلا، منقطعة الصلة عن الواقع، ارتباطها العضوي بمصالحها، تكيف سلوكها بما يعظم هذه المصالح ويديمها، وليس شطرا تميزها وقدرته على إبداع الحلول للمشاكل.
الطبقة الجديدة، لا تهتم كثيرا بصورتها في ذهن الناس، ولا يعنيها ترك أثر في الذاكرة والوجدان، هي منخرطة في تثبيت وجودها داخل أروقة الحكم، حتى لو كلفها ذلك قيمتها ووجودها بين القاعدة الاجتماعية.
لا ترى تلك الطبقة انها مرتبطة بالناس، وبالتالي فلا ضرورة أن تتلمس أوجاعهم وحاجاتهم، وما يعانون من ضيق وانسداد أفق، وغموض مستقبلهم، بل ترى نفسها، أي تلك الطبقة، مرتبطة بمن يديرها، أي ان ناس تلك الطبقة لا يشغلهم إلاّ المداورة بين كراسيها.
ورجال الدولة، أغلبهم ولن نقول كلهم، في وقتنا الراهن، لا يعرفهم الناس ولا يعرفون من تاريخهم أو عنه شيئا، ولم يكرسوا في أنفسهم مواصفات رجال الدولة، ولا يوازنون بالقدر الكافي، وأحيانا لا يوازنون نهائيا، بين مصالح طبقتهم واشتراطاتها، ومصالح القاعدة الاجتماعية.
وإذا ما اضطر أحدهم للمفاضلة، في لحظة حاسمة، بين طبقة الحكم والقاعدة الاجتماعية، يختار طبقة المصالح والمنافع، أي ينحاز كليا لمصالحه داخل طبقة الحكم، ولو استدعى، وهو غالبا ما يستدعي، حمل أجندة تفتك بالناس.
ذلك بارز، لا لبس فيه، في حاضرنا، يميز أغلب مسؤولينا، ممن لديهم الاستعداد الذهني للتخلي عن قيم وأخلاقيات ذات صلة بقاعدتهم الاجتماعية، ويتنازلون عن قيم الارتباط بالواقع، لصالح إثبات جدارة منقوصة من الناحية القيمية، تبقيهم في دائرة الحكم.
هذا مأزق الحكم في الأردن، مأزق خطير، لا يحتمل التهوين، وليس ذلك ضرب من التهويل، فطبقة الحكم منقطعة الصلة بالناس، ترى نفسها في الجهة المقابلة لهم، سياساتها وتوجهاتها وقراراتها موجهة لضمان البقاء داخل دائرة الحكم، بكل ما يعنيه ذلك من أنين الناس، وأوجاعهم، جراء تلك السياسات والتوجهات والقرارات. لا يجهدون أنفسهم، أي رجال الحكم، إلاّ في تبرير وتسويق ما يقررون ويفعلون في الناس، ويحرصون على عدم الاقتراب لمسافة كافية منهم، كي لا يكتشفوا حجم الهوة، وسعة الفجوة القيمية والاخلاقية ومقدار تآكلهما.
إن مثل هذه الطبقة، منزوعة الدسم، لا تنتج إلاّ المزيد من الانفصال، الذي يتعاظم مع الوقت، بين الحكم وقاعدته الاجتماعية، لأن الأصل في طبقة الحكم انها "مجسات" و"حساسات"، تلتقط نبض الناس، وتعمل بما يؤكد عمق الصلة بين الحكم وقاعدته، لا أن تزين الواقع بخلاف ما فيه.
ليس من سبيل لتجاوز هذا الخطر المتراكم، إلاّ بتجاوز أساس ومعايير انتقاء واختيار رجال الحكم، واستبدال طبقتهم بطبقة مرتبطة بالناس، صادقة مع النظام، أولويتها ليست التضحية بالقاعدة لصالح البقاء داخل الطبقة، بل الموازنة بين أساسيات الدولة.. فما عاد ينفع تدوير الكراسي والجالسين عليها.
الأردن يفتقد لرجال الدولة، كما ينبغي أن يكون رجال الدولة، والناس يفتقدون طبقة حكم تأخذهم بالاعتبار، وتقيم لهم وزنا، وتجعل لهم قيمة.. فالناس ليسوا للجباية وتأمين النفقات، وحدودهم محدودة في تحمل القهر والذل، وتحمل وجوه غريبة مستغربة.